العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عشرة أيام غيرت الأوضاع في الشرق الأوسط

بقلم: رجب أبو سرية {

الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

رغم‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المجرمة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬مضت‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مستمرة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬كما‭ ‬توعد‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬ستكون‭ ‬طويلة‭ ‬ومعقدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بيد‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحده،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬فإن‭ ‬نتائج‭ ‬الحروب‭ ‬ومآلها‭ ‬يتحددان‭ ‬بنتيجتها،‭ ‬وبتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬حددها‭ ‬طرفاها‭ ‬لها،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬المقاومة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ميدانياً‭ ‬تواصل‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬ومواجهته،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬تترقب‭ ‬دخوله‭ ‬البري،‭ ‬لتواجهه‭ ‬بحرب‭ ‬مدن،‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬شوارع،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الميداني‭ ‬بكل‭ ‬مستوياته،‭ ‬يحدد‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرب‭ ‬وتوقيت‭ ‬وقفها،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬منوط‭ ‬بالتطورات‭ ‬السياسية‭ ‬المحيطة‭ ‬بطرفي‭ ‬الحرب،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تندلع‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬طرفين،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬اهتمام‭ ‬إقليمي‭ ‬وحتى‭ ‬دولي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تدخل‭ ‬أو‭ ‬اهتمام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طرف،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬خفي،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭.‬

لابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬أولا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأولى،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬مرجح‭ ‬أيضا،‭ ‬حيث‭ ‬سبقتها‭ ‬خمس‭ ‬حروب‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وعدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬والغارات‭ ‬والاحتكاكات‭ ‬العسكرية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬سبقتها،‭ ‬ونقصد‭ ‬بالطبع‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بعد‭ ‬سيطرة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬وليس‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬فهذه‭ ‬الحرب‭ ‬بالطبع‭ ‬هي‭ ‬الأعنف‭ ‬والأشد،‭ ‬وذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬سببان‭ ‬أساسيان‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬أولهما،‭ ‬أنها‭ ‬تلت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬باغتت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة،‭ ‬وأوقعت‭ ‬بها‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬أطارت‭ ‬صوابها،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬مرتبط‭ ‬بهذا‭ ‬السبب،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بالموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حيث‭ ‬منحت‭ ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إسرائيل‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لشن‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬رافقها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إجراءات‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬بإعلان‭ ‬قطع‭ ‬الماء‭ ‬والدواء‭ ‬والوقود‭ ‬والغذاء‭ ‬عن‭ ‬مواطني‭ ‬القطاع‭.‬

وتكفي‭ ‬هنا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬هذه‭ ‬أوقعت‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬ثمانية‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أوقعته‭ ‬حربها‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬عليها‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬خلال‭ ‬51‭ ‬يوما،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬المدنيين،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬نصفهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬غير‭ ‬معنية‭ ‬بإخفاء‭ ‬تجاوزها‭ ‬لأخلاق‭ ‬الحروب،‭ ‬ولا‭ ‬لارتكابها‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬مساءلتها‭ ‬وعدم‭ ‬جرّ‭ ‬قادتها‭ ‬العسكريين‭ ‬الذين‭ ‬ارتبكوا‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬للمحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬يعود‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬التغطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالطبع‭ ‬كما‭ ‬أشرنا،‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أصابهم‭ ‬من‭ ‬إحباط‭ ‬ويأس‭ ‬جراء‭ ‬تلقيهم‭ ‬الضربة‭ ‬الموجعة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬المتعلق‭ ‬بتوقيت‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بتوقف‭ ‬شن‭ ‬الغارات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المدنيين‭ ‬وتدمير‭ ‬المنازل‭ ‬فوق‭ ‬رؤوس‭ ‬ساكنيها،‭ ‬فيمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يتحدد‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬والخفية‭ ‬لطرفيها،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬التطورات‭ ‬الميدانية‭ ‬وما‭ ‬يرافقها‭ ‬من‭ ‬تحركات‭ ‬سياسية‭ ‬محيطة،‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬حماس‭ ‬فقد‭ ‬قالت‭ ‬حين‭ ‬نفذت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬جاءت‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬التهويد‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬أما‭ ‬غير‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ _‬بتقديرنا‭_ ‬فهو‭ ‬يتعلق‭ ‬بأهم‭ ‬ملفين‭ ‬طالما‭ ‬طالبت‭ ‬حماس‭ ‬بحلهما،‭ ‬وهما‭ ‬ملف‭ ‬الأسرى‭ ‬وملف‭ ‬الحصار‭ ‬المتواصل‭ ‬منذ‭ ‬17‭ ‬عاما،‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬التجاهل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتواصل‭ ‬للملف‭ ‬الأول‭ ‬رغم‭ ‬أسر‭ ‬حماس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬لأربعة‭ ‬جنود‭ ‬إسرائيليين‭ ‬له،‭ ‬كذلك‭ ‬إغلاق‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬أمام‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭ ‬لسكان‭ ‬القطاع،‭ ‬أحد‭ ‬الدوافع‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬وما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقول‭ ‬هذا،‭ ‬هو‭ ‬أولاً‭ ‬مبادرات‭ ‬حماس‭ ‬المتتالية‭ ‬لتحريك‭ ‬ملف‭ ‬الأسرى،‭ ‬وصد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وكذلك‭ ‬إعلان‭ ‬الاستعدادات‭ ‬لإنزال‭ ‬بحري‭ ‬لاختراق‭ ‬بلدات‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

ولهذا‭ ‬نحن‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬كوماندوز‭ ‬حماس‭ ‬استهدف‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬بأسر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬لكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بسهولة‭ ‬العملية،‭ ‬وبالغفلة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬ميدانياً‭ ‬لجعل‭ ‬العدد‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً،‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنها‭ ‬تستهدف‭ ‬سحق‭ ‬حماس،‭ ‬وتدمير‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنها‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬خاطفة،‭ ‬ولأنها‭ ‬تخشى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬الباهظة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬جنودها،‭ ‬نظراً‭ ‬لاكتظاظ‭ ‬غزة،‭ ‬السكاني،‭ ‬وللتحصينات‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬خاصة،‭ ‬ونظراً‭ ‬لتطور‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتسليحية‭ ‬والخططية‭ ‬لدى‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة،‭ ‬فإنها‭ ‬أعلنت‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ستطول‭ ‬وستكون‭ ‬معقدة‭ ‬جدا‭.‬

أي‭ ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬بتحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬المجازر‭ ‬الهائلة‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬لتطهير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتجريد‭ ‬المقاومة‭ ‬من‭ ‬الحاضنة‭  ‬الشعبية،‭ ‬ولو‭ ‬أمكنها‭ ‬دفع‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أرضاً‭ ‬محروقة،‭ ‬أو‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬بذلك‭ ‬لن‭ ‬تحقق‭ ‬فقط‭ ‬الأمن‭ ‬لسكان‭ ‬بلدات‭ ‬الغلاف‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ستضمن‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬قد‭ ‬يفرضه‭ ‬الإقليم‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬أولاً‭ ‬إخراج‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬الحل،‭ ‬وضمها،‭ ‬وثانياً‭ ‬إجهاض‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬إحكام‭ ‬السيطرة‭ ‬تالياً‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬محلي،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كانتونات،‭ ‬أو‭ ‬معازل‭ ‬مفصولة‭ ‬عنصرياً،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬شعب‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬أيام‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تكرار‭ ‬تجربة‭ ‬تهجير‭ ‬سكانها‭ ‬وذلك‭ ‬بطردهم‭ ‬إلى‭ ‬الأردن،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬سيشكل‭ ‬خطراً‭ ‬كبيراً‭ ‬أولاً‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬خاصة‭ ‬الأردن‭ ‬ومصر،‭ ‬اللتين‭ ‬لهما‭ ‬مصلحة‭ ‬أمنية‭ _‬سياسية‭ ‬بإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بينهما‭ ‬وبين‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬حداً‭ ‬لأطماع‭ ‬إسرائيل‭ ‬التوسعية‭.‬

وأطماع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬طموحاتها‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬المس‭ ‬بحدود‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الإقليم‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬دولة‭ ‬إقليمية‭ ‬عظمى،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دولة‭ ‬كونية‭ ‬عظمى،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬اهتمام‭ ‬ومصلحة‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬واحتواء‭ ‬نزعة‭ ‬التوسع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ونقصد‭ ‬الدول‭ ‬المركزية‭ ‬غير‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الثقل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬نفوذ‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬يتحدد‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المعيار،‭ ‬وليس‭ ‬وفق‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬وحسب،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مشكلة‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وبشكل‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬وستظهر‭ ‬مشكلتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عاجلا‭ ‬أم‭ ‬آجلا‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬حدة‭ ‬الصراع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬النفوذ،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬قوتي‭ ‬الغرب‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬تتفرد‭ ‬بقيادته،‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭: ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬فإن‭ ‬الاهتمام‭ ‬يحيط‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭ ‬ويؤثر‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬صيرورتها‭ ‬ومآلها،‭ ‬ولعل‭ ‬الاهتمام‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متميزاً،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬مشروع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لمحاولة‭ ‬لجم‭ ‬حدة‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬أو‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬عبر‭ ‬توصيف‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬بأن‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬يذكر‭ ‬بالحصار‭ ‬النازي‭ ‬للينينجراد،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الراحل‭ ‬العظيم‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬يصف‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بقوله‭ ‬‮«‬من‭ ‬جنين‭ ‬غراد‭ ‬إلى‭ ‬رفح‭ ‬غراد‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬بأن‭ ‬قدر‭ ‬غزة‭ ‬بات‭ ‬مشابهاً‭ ‬لقدر‭ ‬لينينجراد،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬صمود‭ ‬المدينة‭ ‬الروسية‭  ‬ألحق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالنازي‭ ‬رغم‭ ‬حجم‭ ‬الضحايا،‭ ‬هكذا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قدر‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بدولة‭ ‬الاحتلال‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا