العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هشاشة الفكر في العالم العربي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الأطروحات‭ ‬السياسية،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬الحرب،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬القيل‭ ‬والقال،‭ ‬وتجريم‭ ‬الفئات‭ ‬والجماعات،‭ ‬دعوني‭ ‬أفكر‭ ‬معكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬ولكن‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭.‬

هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬اليوم‭ ‬تجرني‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يوشك‭ ‬الأمم‭ ‬أن‭ ‬تتداعى‭ ‬عليكم‭ ‬كما‭ ‬تتداعى‭ ‬الأكلة‭ ‬إلى‭ ‬قصعتها‭. ‬فقال‭ ‬قائل‭: ‬أومِن‭ ‬قلة‭ ‬نحن‭ ‬يومئذ؟‭ ‬قال‭: ‬بل‭ ‬أنتم‭ ‬يومئذٍ‭ ‬كثير،‭ ‬ولكنكم‭ ‬غثاء‭ ‬كغثاء‭ ‬السيل،‭ ‬ولينزعن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬عدوكم‭ ‬المهابة‭ ‬منكم،‭ ‬وليقذفن‭ ‬في‭ ‬قلوبكم‭ ‬الوهن‭. ‬فقال‭ ‬قائل‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وما‭ ‬الوهن؟‭ ‬قال‭: ‬حب‭ ‬الدنيا،‭ ‬وكراهية‭ ‬الموت‮»‬‭. ‬رواه‭ ‬أبي‭ ‬داوود‭ ‬وصححه‭ ‬الألباني‭.‬

الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬ولكن‭ ‬لنعيد‭ ‬تخيل‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬يصفه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬والذين‭ ‬يشكلون‭ ‬اليوم‭ ‬حوالي‭ ‬25%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬حية‭ ‬ولكنها‭ ‬تعيش‭ ‬لحظة‭ ‬الخدر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬مستلقية‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام،‭ ‬وحولها‭ ‬كل‭ ‬الأمم،‭ ‬وكل‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬حول‭ ‬الطاولة‭ ‬بيده‭ ‬سكينة‭ ‬وشوكة‭ ‬يحاول‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬قطع‭ ‬ونهش‭ ‬أكبر‭ ‬قطعة‭ ‬لحم‭ ‬من‭ ‬جسم‭ ‬الأمة،‭ ‬والأمة‭ ‬تصرخ‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬والجميع‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬يضحك‭ ‬ويرقص‭ ‬ويغني‭.‬

وتستمر‭ ‬عملية‭ ‬القطع‭ ‬والنهش‭ ‬في‭ ‬العضلات‭ ‬والأعصاب‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬العصب‭ ‬الرئيسي،‭ ‬لقطعه‭ ‬ولتنهي‭ ‬حياة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬المستلقية‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام،‭ ‬والأمة‭ ‬تصرخ‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬شيئا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوهن‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬والمقاومة‭ ‬والفكر،‭ ‬وكذلك‭ ‬العضلات‭ ‬وقوة‭ ‬الجسم‭ ‬وصلابته،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬عاجزة‭ ‬لأن‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬التوجهات،‭ ‬فاليد‭ ‬مثلاً‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقاوم‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تهرب،‭ ‬والفكر‭ ‬يحارب‭ ‬العقل،‭ ‬والعقل‭ ‬يريد‭ ‬النوم‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬الأوامر،‭ ‬والعين‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تغمض‭ ‬الجفون‭ ‬ولكن‭ ‬الأذن‭ ‬تسمع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬وهكذا،‭ ‬فهذا‭ ‬الجسد‭ ‬الممدد‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام‭ ‬والذي‭ ‬يُنهش‭ ‬ويُقطع‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬الطاحن‭.‬

جسد‭ ‬عملاق‭ ‬وقوي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عاجز،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬هكذا،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬إيهامه‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬له‭ ‬وللكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬والشعوب‭ ‬وبقية‭ ‬الحضارات‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬هكذا،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬نهوضه‭ ‬يعني‭ ‬عودة‭ ‬الظلامية‭ ‬والفكر‭ ‬الظلامي‭ ‬والتكفيري‭ ‬وإلغاء‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الحضارة‭ ‬والتطور‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬وعصر‭ ‬الفضاء‭ ‬وإنتاجات‭ ‬هوليوود‭ ‬والفكر‭ ‬الحديث‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لذلك‭ ‬اعتقدت‭ ‬أعضاء‭ ‬هذا‭ ‬الجسد‭ ‬الممدد‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتطهر،‭ ‬وتطهيرها‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقطيع‭ ‬أواصر‭ ‬الجسد‭ ‬والأعضاء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُسارع‭ ‬إلى‭ ‬الالتحاق‭ ‬بقطار‭ ‬الحضارة‭.‬

والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجسد‭ ‬المُلقى‭ ‬جسد‭ ‬عملاق،‭ ‬وهو‭ (‬كثير‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عندما‭ ‬سأله‭ ‬أحد‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬العجز‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬قلة‭ ‬العدد،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقصده‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عدد‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬آخر‭ ‬الإحصائيات‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬2‭ ‬مليار‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬مليارات‭ ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬الأرض،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الكثرة‭ ‬كما‭ ‬شبههم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬غثاء‭ ‬كغثاء‭ ‬السيل،‭ ‬أي‭ ‬هباء،‭ ‬وهو‭ ‬الزبد‭ (‬الزباد‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬اللهجة‭ ‬الدارجة‭) ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬يُعطى‭ ‬أي‭ ‬اعتبار،‭ ‬يسير‭ ‬هذا‭ ‬الزبد‭ ‬مع‭ ‬التيار‭ ‬ويتطاير‭ ‬مع‭ ‬نسمة‭ ‬هواء‭ ‬خفيفة،‭ ‬فلا‭ ‬يشكل‭ ‬أي‭ ‬أهمية‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬فائدة،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬لأن‭ ‬حركة‭ ‬تيارات‭ ‬المياه‭ ‬تصنعه‭.‬

لنعيد‭ ‬الآن‭ ‬تقييم‭ ‬الأمة‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬فهل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع؟

ولنفرد‭ ‬خريطة‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬فماذا‭ ‬نجد؟

*‭ ‬هناك‭ ‬شعوب‭ ‬وحكومات‭ ‬تقوم‭ ‬بقتل‭ ‬ممنهج‭ ‬للمسلمين‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬وما‭ ‬تشتهي،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يتكلم،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬تجدنا‭ ‬نصمت‭ ‬لأننا‭ ‬نراعي‭ ‬مصالحنا‭ ‬التجارية‭ ‬معهم‭.‬

*‭ ‬هناك‭ ‬شعوب‭ ‬تحرق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا،‭ ‬أمام‭ ‬ناظري‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬فما‭ ‬يكون‭ ‬منا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتكلم‭ ‬ونتحلطم‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نشكل‭ ‬أي‭ ‬ثقل‭.‬

*‭ ‬هناك‭ ‬حكومات‭ ‬تعتبر‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬حرية‭ ‬تعبير،‭ ‬ونحن‭ ‬نعجز‭ ‬عن‭ ‬الرد‭.‬

*‭ ‬هناك‭ ‬حكومات‭ ‬أجنبية‭ ‬تدخل‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬وتغير‭ ‬الأنظمة‭ ‬وتقلب‭ ‬الموازين،‭ ‬والجميع‭ ‬يتفرج‭.‬

*‭ ‬تُفرض‭ ‬علينا‭ ‬المناهج‭ ‬والفكر‭ ‬الغربي،‭ ‬لنعيد‭ ‬كتابة‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولنتهم‭ ‬أجدادنا‭ ‬الفاتحين‭ ‬أنهم‭ ‬ظلاميون،‭ ‬وأنهم‭ ‬إرهابيون،‭ ‬ونحن‭ ‬نصفق‭.‬

والكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬الساحة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬استجابة‭.‬

وربما‭ ‬أخيرًا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ولا‭ ‬يهمني‭ ‬هنا‭ ‬الحرب،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬القتال،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬فكر‭ ‬رجالات‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬فعندما‭ ‬نُشرّح‭ ‬الوضع‭ ‬الفكري‭ ‬عند‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬انقسموا‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬فئات‭ ‬وجماعات،‭ ‬وهي‭ ‬كالتالي‭:‬

*‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تقف‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬ووضوح‭ ‬مع‭ ‬الجماعات‭ ‬العربية‭ ‬المقاتلة،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬تردد‭.‬

*‭ ‬جماعة‭ ‬تخالف‭ ‬وتقف‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬معاكسة‭ ‬للجماعة‭ ‬الأولى‭ ‬تمامًا،‭ ‬إذ‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬العربية‭ ‬إرهابية‭ ‬وقاتلة‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬عليها،

*‭ ‬جماعة‭ ‬ثالثة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬تقف،‭ ‬فهم‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يتخذوا‭ ‬موقفًا‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون،‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يقرؤون‭ ‬ولا‭ ‬ينتمون،‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرهم،

*‭ ‬وجماعة‭ ‬رابعة،‭ ‬لا‭ ‬يهمهم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجري،‭ ‬وكأنهم‭ ‬يقولون‭ ‬‮«‬فخار‭ ‬يكسر‭ ‬بعضه‭ ‬بعضا‮»‬،

*‭ ‬وجماعة‭ ‬خامسة،‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تتفلسف‭ ‬وتجادل‭ ‬وتحلل‭ ‬عسكريًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬وفكريًّا‭ ‬وتقول،‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬تقول،‭ ‬تارة‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬وتارة‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فهم‭ ‬يحاولون‭ ‬أن‭ ‬يمسكوا‭ ‬العصا‭ ‬من‭ ‬المنتصف‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنفرط‭ ‬السبحة،‭ ‬حتى‭ ‬يقال‭ ‬عنهم‭ ‬أنهم‭ (‬مثقفون‭ ‬أو‭ ‬مفكرون‭). ‬

وربما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬جماعات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬أعرفهم،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬متابعاتي‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العربية‭ ‬وجدت‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيم‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفئات،‭ ‬والآن‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬الفئات‭ ‬ننتمي؟

وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬السؤال‭ ‬المهم؛‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬أوصل‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التشتيت‭ ‬الفكري؟‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬كانت‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬الأطياف‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي؟

تقول‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ (‬قصة‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬قصة‭ ‬حياة‭ ‬رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭) ‬عندما‭ ‬حذروها‭ ‬بأن‭ ‬عقيدة‭ ‬المسلمين‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬قادمة‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬واليهود‭ ‬سوف‭ ‬ينتصر‭ ‬فيها‭ ‬المسلمون‭ ‬عند‭ ‬اقتراب‭ ‬الساعة‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬أعرف‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المسلمين‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬نراهم‭ ‬الآن،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬رأينا‭ ‬المصلين‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر‭ ‬مثلما‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‮»‬‭.‬

وذات‭ ‬مرة‭ ‬طُرح‭ ‬عليها‭ ‬سؤال‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬وهو‭: ‬ألا‭ ‬تؤمنين‭ ‬بالتوراة؟‭ ‬فقالت‭: ‬بلى،‭ ‬وربما‭ ‬أؤمن‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬منك‭. ‬فرد‭ ‬عليها‭ ‬الصحفي‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تتجنبين‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬جوارنا‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقد‭ ‬وعدنا‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬زوال‭ ‬دولتنا‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬أيديهم؟

أجابت‭: ‬ذلك‭ ‬لأنكم‭ ‬لم‭ ‬تفهموا‭ ‬الكتاب‭ ‬جيدًا،‭ ‬حقًا‭ ‬وُعدنا‭ ‬بذلك‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬ولكن‭ ‬فاتك‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬حدد‭ ‬شرطًا‭ ‬ولم‭ ‬يحدد‭ ‬وقتًا،‭ ‬فلن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بأيادي‭ ‬عباد‭ ‬مؤمنين‭ (‬أولي‭ ‬بأس‭ ‬شديد‭)‬،‭ ‬فهل‭ ‬تراهم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬فيصيبك‭ ‬القلق؟‭ ‬مهمتنا‭ ‬نحن‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬بكل‭ ‬كد‭ ‬ودأب‭ ‬أن‭ ‬نؤخر‭ ‬وصول‭ ‬هؤلاء‭ ‬العباد‭ ‬إلى‭ ‬سدد‭ ‬الحكم،‭ ‬ونُقنع‭ ‬شعوب‭ ‬الجوار‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬خطر‭ ‬داهم‭ ‬عليهم‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬وليس‭ ‬علينا،‭ ‬وبقدر‭ ‬اجتهادنا‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬نؤخرهم‭ ‬تستمر‭ ‬دولتنا‭ ‬هي‭ ‬الأعلى‭. ‬

ثم‭ ‬أنهت‭ ‬حديثها‭ ‬وقالت‭: ‬نحن‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬عقائدي‭ ‬وفكري،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬صراع‭ ‬معارك‭ ‬حربية‭ ‬ومنازعات‭. (‬انتهى‭ ‬حديثها‭).‬

وعند‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬تعاني‭ ‬هشاشة‭ ‬الفكر‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬هشاشة‭ ‬قوة‭ ‬جسد‭ ‬وسلاح،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وطأت‭ ‬أرجل‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬يغادر‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬وأحدث‭ ‬شرخًا‭ ‬فكريًا‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬يخرج‭ ‬منها،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬وتنوع‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭. ‬

فالإنسان‭ ‬العربي‭ ‬يعيش‭ ‬الآن‭: ‬

*‭ ‬ازدواجية‭ ‬الشخصية‭ ‬العربية،‭ ‬فهو‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭.‬

*‭ ‬انسحاب‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬واتهامه‭ ‬بالظلامية‭ ‬والعشوائية‭ ‬والتكفيرية،‭ ‬لذلك‭ ‬وجد‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬انتماءه‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬أصبح‭ ‬موضع‭ ‬اتهام‭.‬

*‭ ‬تحت‭ ‬وقع‭ ‬المطارق‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تهدم‭ ‬كل‭ ‬الفكر‭ ‬والتاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فتارة‭ ‬يتهم‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬بالدجل‭ ‬والسحر‭ ‬والشعوذة،‭ ‬وتارة‭ ‬بمحاربة‭ ‬التطور‭ ‬والتقنيات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬بنشر‭ ‬الإرهاب‭ ‬والفكر‭ ‬الدموي،‭ ‬إذ‭ ‬تدعي‭ ‬تلك‭ ‬المطارق‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬لم‭ ‬ينتشر‭ ‬إلا‭ ‬بالسيف‭.‬

والأسوأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬وينشر‭ ‬الإحباطات‭ ‬ويقوم‭ ‬بتقطيع‭ ‬أواصر‭ ‬ذلك‭ ‬الجسد‭ ‬العملاق‭ ‬الممدد‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام‭ ‬اليوم،‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭.   ‬

عزيزي‭ ‬القارئ،‭ ‬اسأل‭ ‬نفسك‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬الفئات‭ ‬أنت؟‭   ‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا