العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى».. وصورة الغرب في الوطن العربي

بقلم: د. مصطفى كامل السيد

الأربعاء ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

مع‭ ‬الموقف‭ ‬المراوغ‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬وإعلامها‭ ‬من‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬يحاول‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬يستكشف‭ ‬أثر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الغرب‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬الذى‭ ‬خرج‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تأييدا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

طبعا‭ ‬المصادر‭ ‬العلمية‭ ‬الضرورية‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬مثلا،‭ ‬ليست‭ ‬متوافرة،‭ ‬ولكن‭ ‬أهمية‭ ‬السؤال‭ ‬تدعوني‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬استنتاجات‭ ‬سريعة‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬متابعتي‭ ‬للمواقف‭ ‬الرسمية‭ ‬ولبعض‭ ‬القنوات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭.‬

الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬الرسمي‭ ‬كما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬قادة‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬هو‭ ‬هجوم‭ ‬استهدف‭ ‬سكانا‭ ‬مدنيين‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬إرهابية‮»‬‭ ‬هي‭ ‬منظمة‭ ‬حماس،‭ ‬وأنه‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬‮«‬المتحضرة‮»‬‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬العسكري،‭ ‬ونظرا‭ ‬لأن‭ ‬ضحايا‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬هم‭ ‬مواطنات‭ ‬ومواطنو‭ ‬وجنود‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬وبموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وصل‭ ‬دفاعها‭ ‬إلى‭ ‬اجتثاث‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مطلوب،‭ ‬لأن‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فهناك‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وعندما‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وامتد‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقاب‭ ‬جماعي‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬‮«‬المدني‮»‬،‭ ‬نصحت‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأن‭ ‬تلتزم‭ ‬بقوانين‭ ‬الحرب‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬وأن‭ ‬تسهل‭ ‬وصول‭ ‬المعونات‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

لماذا‭ ‬يسبب‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬سخط‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬كما‭ ‬تكشف‭ ‬ذلك‭ ‬تعليقات‭ ‬الصحف‭ ‬وقنوات‭ ‬التلفزيون‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدر‭ ‬معقول‭ ‬من‭ ‬الحرية،‭ ‬والتصريحات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهتافات‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والمتظاهرات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬العربية‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضى؟‭ ‬هل‭ ‬ذاكرة‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬قصيرة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد؟‭ ‬تذكر‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ولكن‭ ‬اعتداءات‭ ‬المستوطنين‭ ‬وقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تتكرر‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬خصوصا‭ ‬حول‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وفي‭ ‬جنين‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الغربية،‭ ‬والحصار‭ ‬الصارم‭ ‬حول‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭ ‬قد‭ ‬طواه‭ ‬الزمان،‭ ‬وحروب‭ ‬إسرائيل‭ ‬الأربع‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ (‬2006،‭ ‬2012،‭ ‬2014،‭ ‬2022‭) ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الشباب‭ ‬هي‭ ‬أمور‭ ‬طواها‭ ‬النسيان،‭ ‬لماذا‭ ‬توقفت‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬إدانة‭ ‬هذه‭ ‬الاعتداءات‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬مدنيات‭ ‬ومدنيين‭ ‬فلسطينيين؟‭ ‬ولماذا‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬إدانتها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تؤيد‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية‭ ‬بينما‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬بصر‭ ‬وبصيرة‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬ليست‭ ‬جيشا‭ ‬نظاميا‭ ‬يتواجد‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬تستهدفها‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬لها‭ ‬جناحها‭ ‬المسلح‭ ‬بين‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بينما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬مواطن‭ ‬منهم‭ ‬أطفال‭ ‬ونساء‭ ‬وشباب‭ ‬ومتقدمون‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬ومع‭ ‬استبعاد‭ ‬الأطفال،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأنهم‭ ‬جميعا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غالبيتهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬حماس‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تنظيماتها‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬جناحها‭ ‬العسكري،‭ ‬وحتى‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬انتخابات‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2006،‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الناخبين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬منظمات‭ ‬سياسية‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬أكبرها‭ ‬فتح‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عماد‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

هذه‭ ‬القراءة‭ ‬السريعة‭ ‬للواقع‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تكشف‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬بالضرورة‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لا‭ ‬للطائرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ولا‭ ‬للصواريخ‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬أو‭ ‬قذائف‭ ‬الدبابات‭ ‬التي‭ ‬ستمطر‭ ‬بها‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬مناضلي‭ ‬حماس‭ ‬ومئات‭ ‬الآلاف‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والدلائل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬متاحة‭ ‬لمن‭ ‬يشاهد‭ ‬تقارير‭ ‬مراسلي‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وتقارير‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬تقارير‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مراقبة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬وبكل‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬ممثلي‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يعرفون‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭.‬

سوف‭ ‬يدافع‭ ‬ممثلو‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬هذه‭ ‬قائلين‭ ‬إنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬غافلين‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولذلك‭ ‬يطالبون‭ ‬بتسهيل‭ ‬وصول‭ ‬المعونات‭ ‬إليه،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بدور‭ ‬الوكيل‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬عندما‭ ‬يطالبون‭ ‬حكومات‭ ‬عربية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الحكومتان‭ ‬المصرية‭ ‬والأردنية‭ ‬بأن‭ ‬تتولى‭ ‬استقبال‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وتسهل‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬قادتها‭ ‬المتطرفون‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬ترحيل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬ليكون‭ ‬لهم‭ ‬وطنهم‭ ‬البديل‭ ‬هناك،‭ ‬مع‭ ‬استعدادهم‭ ‬لتقديم‭ ‬المعونات‭ ‬المالية‭ ‬للحكومات‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬ذلك‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬هم‭ ‬يتواطؤون‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬انتهاكها‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬يدافعون‭ ‬عنه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بعدوانها‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬ضرورات‭ ‬الحياة،‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬بتغيير‭ ‬الطابع‭ ‬الديموغرافي‭ ‬للأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينهى‭ ‬عنه‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬للحرب،‭ ‬واتفاقات‭ ‬جنيف‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمعاملة‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭. ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬تلقى‭ ‬دعوات‭ ‬التهجير‭ ‬هذه‭ ‬آذانا‭ ‬صاغية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية،‭ ‬ينصاعون‭ ‬لإرادة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬السماح‭ ‬بمرور‭ ‬المعونات‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬الإغارة‭ ‬على‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬ستمر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭.‬

بل‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬أنهم‭ ‬يتجاهلون‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬ستترتب‭ ‬على‭ ‬مضي‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططها‭ ‬المعروف‭ ‬بشن‭ ‬حرب‭ ‬برية‭ ‬تنتهي‭ ‬باحتلال‭ ‬غزة‭ ‬وإدارتها‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬وقوات‭ ‬حليفة،‭ ‬وهو‭ ‬مخطط‭ ‬يبدو‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الجنون،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للثمن‭ ‬الإنساني‭ ‬الفادح‭ ‬الذي‭ ‬سيدفعه‭ ‬الجانبان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬نزهة‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬كما‭ ‬أدرك‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة،‭ ‬وكما‭ ‬تعلموا‭ ‬من‭ ‬تجربتهم‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬غزة،‭ ‬واضطروا‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬2005،‭ ‬ولكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الأحمق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشعل‭ ‬حربا‭ ‬إقليمية‭ ‬بدخول‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬عربية‭ ‬وغير‭ ‬عربية،‭ ‬ويهدد‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ذاتها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تستسلم‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬تقاومه،‭ ‬ويكتفي‭ ‬بعض‭ ‬قادتها‭ ‬مثل‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬بدعوة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بـألا‭ ‬يلتهمها‭ ‬الغضب،‭ ‬بأن‭ ‬تفرط‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬فعلها‭ ‬باحتلال‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬يحذر‭ ‬منه‭ ‬بعض‭ ‬أصدقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬يطلب‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬معونة‭ ‬عسكرية‭ ‬تقدر‭ ‬بعشرة‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيشجعها‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططها‭ ‬هذا‭.‬

لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التواطؤ‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬سوف‭ ‬تكسب‭ ‬مودة‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي،‭ ‬والذي‭ ‬يغطي‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬بدور‭ ‬مخفف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحيز‭ ‬الصارخ،‭ ‬فإن‭ ‬تغطيته‭ ‬للشأن‭ ‬العربي‭ ‬ــ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عموما‭ ‬تغذي‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬السلبية‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬الغربية‭ ‬ومدى‭ ‬اتساق‭ ‬مواقف‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬التزامها‭ ‬بها‭ ‬وتحكم‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مدى‭ ‬اتساق‭ ‬سلوكها‭ ‬معها‭. ‬ودور‭ ‬الإعلام‭ ‬أخطر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬فبينما‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬بيانات‭ ‬وتصريحات‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬الأشخاص‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬تشاهد‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والمقاهي‭ ‬القنوات‭ ‬الغربية‭ ‬المتاحة‭ ‬بالعربية‭ ‬أو‭ ‬باللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يجيدونها‭ ‬وخصوصا‭ ‬القنوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية‭ ‬والفرنسية‭.‬

لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬هنا‭ ‬لعرض‭ ‬أمثلة‭ ‬تفصيلية‭ ‬لتحيز‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬والصحف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬ومقالات‭ ‬الرأي‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬تكفي‭ ‬مقارنة‭ ‬الوقت‭ ‬المخصص‭ ‬لشرح‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وذلك‭ ‬المخصص‭ ‬لشرح‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬تقارير‭ ‬المعاناة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيليين‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تقارير‭ ‬آثار‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬بل‭ ‬ولقد‭ ‬خبرت‭ ‬بنفسي‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الأحادية‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬بعض‭ ‬الموضوعات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬الإعلامية،‭ ‬فقد‭ ‬سألني‭ ‬مراسلون‭ ‬لقنوات‭ ‬وصحف‭ ‬مشهورة‭ ‬عالميا‭ ‬حول‭ ‬سبب‭ ‬رفض‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬هجرة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وهل‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬والفلسطينيات‭ ‬وطنهم؟‭ ‬وألا‭ ‬تعود‭ ‬صعوبات‭ ‬إيصال‭ ‬المعونات‭ ‬لرفض‭ ‬إسرائيل‭ ‬ذلك‭ ‬وربطها‭ ‬المعونات‭ ‬بتحرير‭ ‬الأسرى‭ ‬لدى‭ ‬حماس؟‭ ‬ثم‭ ‬تعمدها‭ ‬وضع‭ ‬الصعوبات‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مرور‭ ‬المعونات‭ ‬بالإغارة‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬أربع‭ ‬مرات‭ ‬متتالية‭. ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬مراسلي‭ ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬والقنوات‭ ‬الشهيرة‭ ‬يجهلون‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬رغبة‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬البريء‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬المتهم‭ ‬دائما‭ ‬عربيا‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أنبه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تحيزها‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬ضد‭ ‬العرب،‭ ‬فهي‭ ‬تتميز‭ ‬أيضا‭ ‬بالتنوع،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬أصواتا‭ ‬أمينة‭ ‬ومنصفة‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الجرائد‭ ‬وبين‭ ‬مراسلي‭ ‬ومقدمي‭ ‬البرامج‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وخصوصا‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬وأقل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬الفرنسية‭.‬

المدهش‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬والإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬أصفه‭ ‬بأنه‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬حكوميا‭ ‬أو‭ ‬خاصا،‭ ‬فهو‭ ‬إعلام‭ ‬المؤسسة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬لا‭ ‬يلقى‭ ‬قبولا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬قطاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭. ‬رفض‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مظاهرات‭ ‬عمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭. ‬ثلاثون‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬الأكثر‭ ‬تفوقا‭ ‬عالميا‭ ‬خرجوا‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬تندد‭ ‬بموقف‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭. ‬استقال‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬السياسات،‭ ‬واحتج‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬المناصرة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬طالبت‭ ‬جماعات‭ ‬يهودية‭ ‬داخل‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

كتب‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬الشرعية‭ ‬داخل‭ ‬النظم‭ ‬السياسية‭ ‬الغربية،‭ ‬ولعل‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاعات‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬بلادها‭ ‬حول‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬مظاهر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬موقف‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬مما‭ ‬يجرى‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكنّوا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الود‭ ‬تجاهها،‭ ‬فإن‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬المنصفة‭ ‬لا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نختصر‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬حكوماته‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إعلامه‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا