العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مشكلة ازدواجية المعايير الغربية.. إلى متى؟

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬وقبل‭ ‬العدوان‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬كان‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬قد‭ ‬ثبت‭ ‬صورة‭ ‬ذهنية‭ ‬نمطية‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬الغربي‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬واحة‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬ودولة‭ ‬صغيرة‭ ‬تنتمي‭ ‬لحضارتهم،‭ ‬ولا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلا‭ ‬بحكم‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وأنها‭ ‬تقع‭ ‬وسط‭ ‬محيط‭ ‬معادٍ‭ ‬لها،‭ ‬متأهب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬للانقضاض‭ ‬عليها،‭ ‬وهذا‭ ‬المحيط‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬للقيم‭ ‬الغربية،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬عسكرة‭ ‬وحشد‭ ‬للأسلحة‭ -‬حتى‭ ‬انفرادها‭ ‬بحيازة‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭- ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭.‬

ومع‭ ‬ترسيخ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬ولجت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬خاصة‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنها،‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لواشنطن‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬غريبًا‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للعدوان،‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬تلك‭ ‬التعهدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬بدعمها‭ ‬وتزويدها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬وسلاح‭. ‬ولتأكيد‭ ‬ذلك،‭ ‬قام‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬جو‭ ‬بايدن‮»‬،‭ ‬وكبار‭ ‬القادة‭ ‬والمسؤولون‭ ‬بزيارتها،‭ ‬وإعلان‭ ‬تضامنهم‭ ‬معها،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فعله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ضاربين‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬دولهم‭ ‬بمعظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬

ونتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لهذا،‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬إلى‭ ‬مقدمات‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وإلى‭ ‬تأزم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها،‭ ‬وانسداد‭ ‬الأفق‭ ‬السياسي‭ ‬لحلها،‭ ‬وتمادي‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬مصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتهويدها،‭ ‬وبناء‭ ‬المستوطنات‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬الممارسات‭ ‬الإجرامية‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬المستوطنين‭ -‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬القتل‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬المقدسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬تحت‭ ‬سمع‭ ‬وبصر‭ ‬وحراسة‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلية‭- ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬انتفاضة،‭ ‬ولا‭ ‬عند‭ ‬استخدامها‭ ‬القوة‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬المتوالية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬ولا‭ ‬عند‭ ‬تأزم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بسبب‭ ‬الحصار‭ ‬الذى‭ ‬تفرضه،‭ ‬وسرقتها‭ ‬للموارد‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تبنت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬كحكوماتها،‭ ‬‮«‬المعايير‭ ‬المزدوجة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تناولها‭ ‬لعملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬فأعطت‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬بدرجاته‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬وحرمت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬درء‭ ‬هذا‭ ‬العدوان،‭ ‬فلم‭ ‬تنتقد‭ ‬الحصار‭ ‬الخانق‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬عاما،‭ ‬ولا‭ ‬سياسات‭ ‬اليمين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتطرف‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬تفريغ‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سكانها‭ ‬العرب،‭ ‬وسعيها‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬دولة‭ ‬خالصة‭ ‬لليهود،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬وصفهم‭ ‬بالحيوانات‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭. ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬بات‭ ‬الضمير‭ ‬الغربي‭ ‬مستريحًا‭ ‬ومستعدًا‭ ‬لاستقبال‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بكل‭ ‬تضليلها‭ ‬وزيفها‭ ‬وكذبها‭.‬

وفي‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬سردت‭ ‬إسرائيل‭ ‬روايتها،‭ ‬وقامت‭ ‬بشيطنة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ووصمتهم‭ ‬بأنهم‭ ‬يمارسون‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تمارسه‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬قاموا‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬إرهاب‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬انتهاكهم‭ ‬حقوق‭ ‬المسنين،‭ ‬والنساء،‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬المستوطنات‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬مهاجمتها‭. ‬ورغم‭ ‬تكذيب‭ ‬شهود‭ ‬عيان‭ ‬لهذه‭ ‬المزاعم،‭ ‬فقد‭ ‬صدقتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبعض‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬وجرى‭ ‬هذا‭ ‬التصديق‭ ‬دون‭ ‬تحقق،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬جرى‭ ‬هذا‭ ‬الاصطفاف‭ -‬الذي‭ ‬رأيناه‭- ‬وراء‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وجرى‭ ‬إفشال‭ ‬كل‭ ‬مسعى‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العشرين‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬غزو‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬أطلقت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬يد‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كي‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬بذريعة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬توغلها‭ ‬في‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬‮«‬6100‭ ‬شهيد،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬18000‭ ‬جريح،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬هدم‭ ‬المنازل‭ (‬181000‭ ‬منزل‭)‬،‭ ‬والمنشآت‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية،‭ ‬وحرمان‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حقوقهم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتشديد‭ ‬الحصار‭ ‬الخانق‭ ‬عليهم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬والماء،‭ ‬والدواء،‭ ‬والوقود،‭ ‬والكهرباء،‭ ‬والاتصالات‭. ‬وحين‭ ‬هبت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لتوفير‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لهم،‭ ‬رفضت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬حتى‭ ‬تدخل‭ ‬هذه‭ ‬المساعدات‭.‬

وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬الغربي‮»‬،‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬وكأنها‭ ‬الفعل،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬رد‭ ‬فعل‮»‬،‭ ‬و«دفاع‭ ‬مشروع‭ ‬عن‭ ‬النفس‮»‬،‭ ‬علمًا‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حروبها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب،‭ ‬دائمًا‭ ‬كان‭ ‬تصرفها‭ ‬هو‭ ‬الفعل،‭ ‬والتحرك‭ ‬العربي‭ ‬بمثابة‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭. ‬

وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬استغل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬المنحاز،‭ ‬عدم‭ ‬حضور‭ ‬‮«‬القضية‭ ‬الفلسطينية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬هناك‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬شيئا،‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تضليل‭ ‬وتزييف‭ ‬للحقائق،‭ ‬وقام‭ ‬بالترويج‭ ‬للرواية‭ ‬الصهيونية‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬نفسه،‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬الذعر‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬ويتحاشى‭ ‬أن‭ ‬يُتهم‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬خلاف‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬ظلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬مصدره‭ ‬الأول‭ ‬والوحيد‭ ‬للمعلومات؛‭ ‬فافتقد‭ ‬المهنية،‭ ‬والاستقلالية،‭ ‬والحياد‭ ‬الذي‭ ‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬يتحلى‭ ‬به‭.‬

ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬حرصت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬على‭ ‬تأطير‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬باعتباره‭ ‬حربا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ (‬حماس‭)‬،‭ ‬وانشغلت‭ ‬بتجريم‭ ‬هذه‭ ‬الحركة،‭ ‬وتجاهلت‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة،‭ ‬وتناولت‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬وكأنه‭ ‬نوبة‭ ‬غير‭ ‬مبررة‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬وكراهية،‭ ‬وليس‭ ‬مجابهة‭ ‬الاحتلال‭ ‬منذ‭ ‬55‭ ‬عامًا‭. ‬

في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬جرمت‭ ‬قناة‭ (‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭)‬،‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأبرزت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الضحية،‭ ‬أو‭ ‬المُعتدى‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إرهاب‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬فيما‭ ‬ركزت‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية،‭ ‬على‭ ‬ادعاء‭ ‬قتل‭ ‬إسرائيليين،‭ ‬بينما‭ ‬تجاهلت‭ ‬التقارير‭ ‬استشهاد‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمسنين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬قرابة‭ ‬298‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فقط‭). ‬

وكان‭ ‬التحيز‭ ‬واضحًا‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مراسلين‭ ‬كثر‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬فقط،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تنشر‭ ‬مثلهم‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬منحت‭ ‬وقتًا‭ ‬للأصوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لترويج‭ ‬رواياتهم،‭ ‬وعن‭ ‬الضحايا‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬متجاهلة‭ ‬الضحايا‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وأجرت‭ ‬شبكة‭ (‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭)‬،‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬بيرنباوم‮»‬،‭ ‬المساعد‭ ‬السابق‭ ‬لرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬شبه‭ ‬حماس‭ ‬بالنازين،‭ ‬وأخرى‭ ‬مع‭ ‬‮«‬نيداف‭ ‬ريفرير‮»‬،‭ ‬القائد‭ ‬السابق‭ ‬لوحدة‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬غزة‭ ‬بالأرض،‭ ‬فيما‭ ‬زعم‭ ‬السفير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق‭ ‬‮«‬داني‭ ‬ألون‮»‬‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬قناة‭ (‬إم‭ ‬إن‭ ‬أس‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬المدنيين‭.‬

أما‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬البريطاني‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬وصف‭ ‬هجوم‭ ‬حماس،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أرواح‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬المحرقة‭. ‬وبرر‭ ‬هجوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بأنه‭ ‬لتأكيد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬لن‭ ‬تمارس‭ ‬انتهاكات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭. ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬وصمت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الإيكونومست‮»‬،‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬بـ«الهجوم‭ ‬المتعطش‭ ‬للدماء‮»‬‭. ‬بينما‭ ‬وصفته‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬،‭ ‬بـ«الهياج‭ ‬القاتل‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬البريطانية‭ ‬تلك‭ ‬الأوصاف‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬تناولت‭ ‬أخبار‭ ‬القتلى‭ ‬والأسرى‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تتناول‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬والأسرى‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬

وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬نقلت‭ ‬صحف،‭ ‬مثل‭ (‬صن،‭ ‬اندبندنت،‭ ‬التايمز،‭ ‬تيليجراف،‭ ‬ميل،‭ ‬وإكسبريس‭)‬،‭ ‬الزعم‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بأن‭ ‬حماس‭ ‬قتلت‭ ‬أربعين‭ ‬طفلًا،‭ ‬ووضعته‭ ‬في‭ ‬عناوين‭ ‬رئيسية،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬دليل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬البريطانية،‭ ‬قد‭ ‬صرحت‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تشريد‭ ‬وتجويع‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬نتيجة‭ ‬الحصار،‭ ‬وأن‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬عليها‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬توفير‭ ‬الإمدادات‭ ‬لغزة؛‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬محتلة‭ ‬لها‭. ‬واستخدمت‭ ‬صحيفة‭ (‬التايمز‭)‬،‭ ‬أعمدتها‭ ‬لتصوير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومؤيديهم،‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬‮«‬تجار‭ ‬كراهية‮»‬،‭ ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬فيما‭ ‬انشغلت‭ (‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭)‬،‭ ‬بتجريم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭.‬

ولم‭ ‬يبتعد‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬الفرنسي‮»‬،‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬التناول‭ ‬الأمريكي‭ ‬والبريطاني،‭ ‬حيث‭ ‬طالبت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬لوبوان‮»‬،‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬عدوانية‭ ‬جدًا‮»‬‭. ‬وأبرزت‭ ‬المظاهرات‭ ‬الداعمة‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وركزت‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬دون‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬

ولتأكيد‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬هذه،‭ ‬استخدمت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية،‭ ‬‮«‬أدوات‭ ‬ووسائل‮»‬،‭ ‬برز‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تحيزها‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وروايتها‭ ‬للأحداث‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الرواية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬الواقع؛‭ ‬شملت‭ ‬تلك‭ ‬الأدوات،‭ ‬توظيف‭ ‬مصطلحات‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬تشمله‭ ‬من‭ ‬استهداف‭ ‬للمدنيين،‭ ‬كما‭ ‬تتضمن‭ ‬تشبيه‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬بتنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وداعش،‭ ‬وتبنى‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بالكامل،‭ ‬فيما‭ ‬اتجه‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬أيضَا‭ ‬إلى‭ ‬تضخيم‭ ‬الخسائر‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والتهوين‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬فإن‭ ‬الأخبار‭ ‬الكاذبة،‭ ‬التي‭ ‬روج‭ ‬لها‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ -‬واعتذر‭ ‬البعض‭ ‬عنها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭- ‬والمتعلقة‭ ‬بـ«ذبح‭ ‬أربعين‭ ‬طفلًا‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬مصدرها‭ ‬زعيم‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬‮«‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬صهيون‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬للقناة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬‮«‬I‭ ‬24‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬بالتدقيق،‭ ‬تبين‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬صور‭ ‬مزيفة‭ ‬باستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأخبار‭ ‬الكاذبة‭ ‬أيضَا‭ ‬‮«‬اغتصاب‭ ‬النساء‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كذبه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحهم،‭ ‬حيث‭ ‬أكدوا‭ ‬يوم‭ ‬24‭/‬10‭/‬2023‭ ‬أن‭ ‬معاملتهم‭ ‬تمت‭ ‬بأسلوب‭ ‬إنساني‭ ‬وحضاري،‭ ‬ومن‭ ‬الأكاذيب‭ ‬كذلك‭ ‬قتل‭ ‬250‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬موسيقي،‭ ‬وحرق‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحفل،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬تكذيبه‭ ‬والاعتذار‭ ‬عنه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬الغربي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬ترويج‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بما‭ ‬شملته‭ ‬من‭ ‬أكاذيب‭ ‬وتضليل،‭ ‬لم‭ ‬ينطلِ‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬القرار،‭ ‬كالخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الذى‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬موظفيها‭ ‬عن‭ ‬أسفهم‭ ‬تجاه‭ ‬هذا‭ ‬الانحياز‭ ‬الغربي‭ ‬بل‭ ‬واستقالة‭ ‬بعضهم،‭ ‬كما‭ ‬خرجت‭ ‬التظاهرات‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬المساندة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬بعضها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬متظاهر‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حديث‭ ‬ازدواجية‭ ‬معايير‭ ‬الغرب‭ ‬كافيا،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬انحياز‭ ‬إعلامهم‭ ‬ما‭ ‬ينقل‭ ‬عمق‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬ظلم‭ ‬غربي‭ ‬يسكت‭ ‬صوت‭ ‬الضحية،‭ ‬ويطلق‭ ‬صوت‭ ‬الجاني‭ ‬المعتدي‭ ‬والغازي‭ ‬والمحتل‭ ‬والمستوطن،‭ ‬موظفا‭ ‬كل‭ ‬أبواقه‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية،‭ ‬أمام‭ ‬فشل‭ ‬كامل‭ ‬لحديث‭ ‬القيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب‭ ‬عامة‭ ‬سوى‭ ‬بشر‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية،‭ ‬لا‭ ‬حقوق‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬حريات‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يتبقى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬الغربي‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬انحيازها‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬فإنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وقفة‭ ‬عربية‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الانحياز‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا