العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الغرب ومحاولات حماية المشروع التوسعي الصهيوني

بقلم: د. حسن نافعة

الاثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

ما‭ ‬إن‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬حتى‭ ‬سارعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومعها‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية،‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬تأييدها‭ ‬المطلق‭ ‬وغير‭ ‬المشروط‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تتخذه‭ ‬حليفتها‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬لتحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬حاسم‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬بتقديم‭ ‬دعم‭ ‬سياسي‭ ‬ومعنوي‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬أيضاً،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شحن‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬والعتاد‭ ‬الحربي‭ ‬تطوراً‭ ‬في‭ ‬ترسانتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬إنما‭ ‬قامت‭ ‬أيضاً‭ ‬بإرسال‭ ‬حاملات‭ ‬طائرات‭ ‬وقطع‭ ‬بحرية‭ ‬لتكون‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬شواطئ‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬تحسبًا‭ ‬لأي‭ ‬تطورات‭ ‬مفاجئة‭.‬

أكثر‭ ‬الأمور‭ ‬إثارة‭ ‬للاستغراب‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬إصرار‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬مشروعية‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭ ‬51‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إمكانية‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬اعتداء‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منها‭.‬

معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬ترى‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تعرضت‭ ‬لعدوان‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الحالي،‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬حماس‭ ‬بشن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬عليه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حوزتها‭ ‬من‭ ‬وسائل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة‭. ‬وفي‭ ‬تقديري،‭ ‬هذا‭ ‬منطق‭ ‬معوج،‭ ‬ولا‭ ‬يستقيم‭ ‬بتاتا‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬قراءة‭ ‬صحيحة‭ ‬أو‭ ‬موضوعية‭ ‬لنص‭ ‬الميثاق‭ ‬أو‭ ‬لروحه‭.‬

ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذي‭ ‬يجيز‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬يحرم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬اللجوء‭ ‬إليها‭ ‬لاحتلال‭ ‬أراضي‭ ‬الغير،‭ ‬ويعترف‭ ‬للشعوب‭ ‬كافة‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬واختيار‭ ‬مستقبلها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجيز‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬السلاح‭ ‬لتحرير‭ ‬أوطانها‭ ‬المحتلة‭ ‬ولتمكين‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭.‬

ولأن‭ ‬‮«‬إنماء‭ ‬العلاقات‭ ‬الودية‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها،‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬الميثاق‭ ‬بالنص‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها،‭ ‬لكنه‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬تمكين‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬يعد‭ ‬شرطاً‭ ‬ضرورياً‭ ‬ومسبقاً‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬النبيل‭.‬

لذا،‭ ‬من‭ ‬حقنا،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا،‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬عمن‭ ‬يستحق‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كمعتدٍ‭ ‬وعمن‭ ‬يستحق‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كضحية،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أخلاقياً‭ ‬وقانونياً‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬تم‭ ‬اقتلاعه‭ ‬من‭ ‬وطنه‭ ‬بالقوة‭ ‬المسلحة‭ ‬وتشريده‭ ‬ودفعه‭ ‬قسراً‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬مشرداً‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬المنافي‭ ‬كمعتدٍ،‭ ‬كما‭ ‬تدَّعي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬المحتل‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬التوسع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬والتفرقة‭ ‬العنصرية‭ ‬باعتباره‭ ‬الضحية؟‭ ‬وحين‭ ‬يستخدم‭ ‬المحتل‭ ‬القوة‭ ‬لتكريس‭ ‬احتلاله‭ ‬لأراضي‭ ‬الغير،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬مطلقاً‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬سلوكه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬عملاً‭ ‬مشروعاً‭ ‬ودفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النفس؟

ولأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المنطق‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬أغلبية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2006‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬كياناً‭ ‬إرهابياً‮»‬،‭ ‬فينبغي‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬باعتبارها‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬تحرر‭ ‬أوسع‭ ‬تضم‭ ‬فصائل‭ ‬أخرى‭ ‬متنوعة‭ ‬الأطروحات‭ ‬والتوجهات‭.‬

ولا‭ ‬يحق‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬ترتكبها،‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬اليهودية‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭.‬

وإذا‭ ‬تغاضينا‭ ‬عن‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬طوال‭ ‬الأعوام‭ ‬الـ75‭ ‬الماضية،‭ ‬فهل‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬نتغاضى‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬منذ‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عام،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬سجلها‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬يجرمها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬يفوق‭ ‬سجل‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭.‬

يكفي‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬المستوطنات‭ ‬التي‭ ‬بنتها‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة،‭ ‬وعدد‭ ‬البيوت‭ ‬التي‭ ‬هدمتها،‭ ‬وعدد‭ ‬المعتقلين‭ ‬الذين‭ ‬زجت‭ ‬بهم‭ ‬داخل‭ ‬غياهب‭ ‬السجون،‭ ‬وعدد‭ ‬الاعتداءات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬المستوطنون،‭ ‬وعدد‭ ‬الاقتحامات‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستوطنون‭ ‬للأماكن‭ ‬المقدسة‭ ‬تحت‭ ‬حراسة‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬والشرطة،‭ ‬بل‭ ‬وإصرارهم‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وبناء‭ ‬‮«‬الهيكل‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬مكانه،‭ ‬كي‭ ‬نخلص‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مهمة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬حماس‭ ‬كانت‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الفعل،‭ ‬وأن‭ ‬فشل‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬في‭ ‬لجم‭ ‬التطرف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أغرى‭ ‬حكومتها‭ ‬الحالية‭ ‬على‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬أبشع‭ ‬أنواع‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬القسط‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬مستقبلا‭.‬

أخلص‭ ‬مما‭ ‬تقدّم‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مراقب‭ ‬منصف‭ ‬يتحلى‭ ‬بأي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الموضوعية‭ ‬والنزاهة‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬عملاً‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الدفاع‭ ‬الشرعي‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

وحتى‭ ‬إذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬السيوف‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بدأتها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬أسابيع‭ ‬ولم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد‭ ‬هي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬فمن‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬حرب،‭ ‬دفاعية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬عدوانية،‭ ‬ضوابط‭ ‬يحددها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ضرورة‭ ‬مراعاة‭ ‬التماثل‭ ‬بين‭ ‬حجم‭ ‬القوة‭ ‬المستخدمة‭ ‬عند‭ ‬ممارسة‭ ‬الفعل‭ ‬أو‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭.‬

من‭ ‬الثابت‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬أدَّت،‭ ‬وفقاً‭ ‬للمصادر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬نفسها،‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬بلغ‭ ‬مجموعها‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬2000‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬ومفقود‭ ‬وأسير،‭ ‬ونحو‭ ‬5000‭ ‬جريح،‭ ‬منهم‭ ‬نحو‭ ‬1200‭ ‬جندي‭ ‬معوّق،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬الفرقة‭ ‬العسكرية‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وكلها‭ ‬مؤشرات‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬هدفها‭ ‬الرئيسي‭ ‬كان‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬أدى‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬مستوطنون‭ ‬مغتصبون‭.‬

أما‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬السيوف‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬وفاة‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬7000‭ ‬شهيد،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬ودمرت‭ ‬أو‭ ‬أتلفت‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية،‭ ‬وأصابت‭ ‬بأضرار‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬نصف‭ ‬المباني‭ ‬السكنية‭ ‬للقطاع‭ ‬ككل،‭ ‬وأجبرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬على‭ ‬النزوح‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬جنوبه،‭ ‬ما‭ ‬يقطع‭ ‬بأنها‭ ‬عملية‭ ‬موجهة‭ ‬أصلاً‭ ‬إلى‭ ‬المدنيين،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬مقاتلي‭ ‬حماس،‭ ‬وأنها‭ ‬تستهدف‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬إخلاء‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بأكمله‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬ودفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الرحيل‭ ‬قسراً‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬مصحوبة‭ ‬بترحيل‭ ‬قسري‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وكلها‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭.‬

تشير‭ ‬المسيرة‭ ‬التاريخية‭ ‬للصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬برعت‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬أزماتها‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬تتيح‭ ‬لها‭ ‬إنجاز‭ ‬مشروعها‭ ‬الصهيوني‭ ‬التوسعي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭ ‬بعد؛‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬استغلت‭ ‬الأزمة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬دخول‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬حلبة‭ ‬الصراع‭ ‬لمساندة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وحولتها‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬78%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬نصيبها‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬التقسيم‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬56%‭.‬

ولو‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تريد‭ ‬السلام‭ ‬حقاً،‭ ‬لاستغلت‭ ‬محادثات‭ ‬الهدنة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قرار‭ ‬التقسيم‭. ‬وعام‭ ‬1967،‭ ‬استغلت‭ ‬الأزمة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬إغلاق‭ ‬مضيق‭ ‬تيران‭ ‬وقامت‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الجولان‭ ‬السورية‭ ‬وسيناء‭ ‬المصرية‭.‬

وكان‭ ‬بإمكان‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬مقايضة‭ ‬الأراضي‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬عام‭ ‬67‭ ‬بمعاهدات‭ ‬سلام‭ ‬حقيقية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بالاحتفاظ‭ ‬بـ78%‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬22%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي،‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت‭ ‬كل‭ ‬صيغة‭ ‬للسلام‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الأرض‭ ‬مقابل‭ ‬السلام‮»‬‭.‬

وتسعى‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬لتحويل‭ ‬الأزمة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬تتيح‭ ‬لها‭ ‬إبعاد‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬قسراً‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬ثم‭ ‬التفرغ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لسكان‭ ‬الضفة‭ ‬لإبعادهم‭ ‬قسراً‭ ‬إلى‭ ‬الأردن،‭ ‬ما‭ ‬سيسمح‭ ‬لها‭ ‬عملياً‭ ‬بتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مسارعة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ودول‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إسرائيلية‭ ‬تدّعي‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001،‭ ‬ثم‭ ‬مشاركة‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لرواية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬تدَّعي‭ ‬أن‭ ‬مقاتلي‭ ‬حماس‭ ‬قاموا‭ ‬باغتصاب‭ ‬النساء‭ ‬وقطع‭ ‬رقاب‭ ‬الأطفال،‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬والتمسك‭ ‬بتحقيق‭ ‬أحلامها‭ ‬التوسعية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬ولو‭ ‬جزئيا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬حماس‭ ‬وزعزعة‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

ذلك‭ ‬كله‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬أضغاث‭ ‬أحلام،‭ ‬لأن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬السائدة‭ ‬حالياً‭ ‬تبدو‭ ‬مختلفة‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بها‭ ‬مسيرة‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تاريخها،‭ ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬تنجح‭ ‬حركة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مقاومة‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬وإسقاط‭ ‬هيبة‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬تولت‭ ‬بنفسها‭ ‬التخطيط‭ ‬لها‭ ‬وتنفيذها‭ ‬بالكامل‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أيضاً،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬مطلقاً‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬هيبته‭ ‬المفقودة،‭ ‬مهما‭ ‬تمادى‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل‭. ‬وعلى‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬المتوحش‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬الأقنعة،‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وحدها،‭ ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬عصر‭ ‬أفوله‭ ‬يظهر‭ ‬إلى‭ ‬العيان‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا