«أخبار الخليج» فوق سور الصين العظيم
الصين - محمد الساعي
على مدار أسبوع، كانت «أخبار الخليج» في ضيافة الصين، هذا البلد العظيم الذي استطاع بتناغم فريد أن يدمج التاريخ بالحاضر بالمستقبل، ليقدم صورة مشرقة لإمبراطورية تجذرت في أعماق التاريخ، وتغلغلت في متاهات الحاضر، لتختط لنفسها طريقا صلدا للصدارة في المستقبل.
عندما تتجول في المعالم السياحية بمدن الصين، تلمس بجلاء في وجوه الصينيين ذلك الاعتزاز بالتاريخ العريق، وبالحضارة المشرقة، مع أمل يمازجه طموح وإصرار على بناء مستقبل أبهى.
كانت لنا في مدينتي بكين وشنغهاي جولات في أشهر المواقع السياحية بدءا من السور العظيم، وصولا الى متحف المستقبل في شنغهاي (متحف التخطيط العمراني) الذي يرسم صورة زاهية لهذه المدينة العملاقة.
بالطبع.. أول ما تحرص على زيارته عندما تجد نفسك في الصين هو سلسلة التحصينات العملاقة التي تعرف بسور الصين العظيم، أحد أغرب ما بناه الإنسان، وأحد عجائب الدنيا، بل أحد إبداعات البشرية التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي في عام 1987.
يمتد هذا السور الذي بدأ بناؤه في القرن الثالث قبل الميلاد واستمرت أعمال البناء عدة قرون، ويقدر مجموع طول الاسوار التي أنشئت على مدار السنين بحوالي 21 ألف كيلومتر، مع أبراج حراسة بين كل 200 متر تقريبا، ليقدم هذا الإنجاز البشري صورة مبهرة للتاريخ العظيم وللقوة التي تميزت بها الإمبراطورية الصينية.
وعلى الرغم من كونه مشروعا دفاعيا عسكريا قديما، فإن سور الصين عبر التاريخ بات رمزا للسلام، وأيقونة للوحدة الصينية، ومحطة لالتقاء الثقافات من كل العالم.
يعود تاريخ هذا النموذج للإبداع البشري الى أكثر من 2300 عام مضت حينما بادرت سلالات ودول بالصين ببناء أسوار تحميها من هجمات شعوب الشمال وخاصة المغول. وبعد توحيد الصين من قبل تشين شي هوانغ عام 221 قبل الميلاد تسارعت وتيرة بناء السور، وساهمت عدة أسر حاكمة في أعمال البناء ومد السور مع تضاريس الجبال والتلال التي يجتازها.
القصر الصيفي.. حديقة تجسد تاريخ أباطرة الصين
القصر الصيفي أو ما يعرف بـ(Summer Palace)، من المواقع السياحية الرئيسية في العاصمة بكين. وتحول هذا القصر الى منتزه مميز بل من أجمل الحدائق التاريخية النادرة. وكان هذا القصر مستقرا صيفيا لأسر الأباطرة وخاصة خلال حكم أسرة تشينغ، هروبا من حرارة الصيف.
بدأ بناء القصر الفريد في تصميمه وعمارته عام 1750 على سفح الجبل الغربي بضاحية بكين الغربية، ويمتد على مساحة 290 هكتارا، ويضم أكثر من ثلاثة آلاف من القاعات والأبنية والمقصورات والاجنحة والمعابد والجسور إلى جانب المناظر الجميلة والبحيرة التي تتوسط القصر والتي يمكن التنقل فيها عبر سفن سياحية صغيرة. التجول داخل هذا القصر يعطي صورة واضحة لحياة الرفاهية التي كان يعيشها أباطرة الصين قبل قرون.
وفي 1998، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) القصر الصيفي في قائمة التراث العالمي باعتباره تحفة من حدائق المناظر الطبيعية الصينية.
برج لؤلؤة الشرق في شنغهاي
ناطحة سحاب اكتمل بناؤها عام 1995 لتكون أطول برج في آسيا والثالث على مستوى العالم في ذلك الوقت بارتفاع 468 مترا. وبقي البرج هو الأعلى في الصين حتى عام 2007 حين نافسه المركز المالي الدولي لشنغهاي.
يرتفع البرج على شكل لؤلؤة تحملها ثلاثة أعمدة. ويضم عدة مرافق، منها مطاعم متفرقة من الطابق الثاني إلى الخامس عشر، ومكان للألعاب (مدينة الفضاء) وهناك مركز تسوق وفندق.
ولكن من أبرز مرافق البرج المتحف التاريخي الذي افتتح في عام 1983 باسم معرض شنغهاي للتاريخ والآثار الثقافية، ويحتوي المعرض على خمسة أقسام، ويضم نحو 30 ألف قطعة تجسد التاريخ الحديث للصين من سيارات ومعدّات قديمة ونماذج توثق الحياة اليومية للصينيين والمستعمرين أيضا منذ سنة 1843.
ومن الأنشطة الممتعة والمميزة التي تجذب الزوار الأرضية التي تدور 360 درجة، بحيث يمكن مشاهدة جميع أنحاء المدينة. وبنفس الوقت تضيف الأرضية الزجاجية التي تمكن السائح من مشاهدة الأرض مباشرة جوا من الحماسة والإثارة.. والخوف.
متحف التخطيط العمراني.. شنغهاي المستقبل
هو مركز متخصص يعرض إنجازات مدينة شنغهاي في التخطيط والتنمية الحضرية والنظرة المستقبلية للمدينة. وتلعب التكنولوجيا دورا مبهرا في تقديم هذه المفاهيم عن مدينة شنغهاي.
التنقل بين أروقة المتحف يجعلك تعيش حالة من الانبهار بين تاريخ المدينة الحديث والرؤية الطموحة لمستقبل يحلّق بالمدينة عاليا.
المركز يضم ستة طوابق، ويعرض في مجمله التخطيط الحضري والتطور في المدينة، ويظهر من خلال التكنولوجيا كافة المباني القائمة والمباني المستقبلية التي تم اعتماد تدشينها فعلا.
ويضم المركز نموذجا ضخما لمدينة شنغهاي يمثل المدينة بأكملها، بما في ذلك جميع التطورات المخطط لها.
وهناك غرفة المسرح التي تضم شاشة 360 درجة تعرض فيديو يجعلك تشعر بأنك تحلق في المشاهد ويطير عبر شنغهاي القديمة والمستقبلية.
Yu Garden حديقة إرضاء الوالدين
في قلب شنغهاي القديمة، تقع حديقة Yu Garden بجانب معبد إله المدينة.
بُنيت الحديقة في فترة حكم أسرة مينج لشنغهاي الصينية قبل أكثر من 400 عام من قبل شخص اسمه بان يوندوان بهدف توفير مكان للراحة لوالده بعد تقاعده من منصبه. وسميت Yu Yuan وهي تعني «إرضاء الوالدين». كما تسمى حديقة السلام والراحة.
تمثل الحديقة مجمعًا من الحدائق المختلفة داخل مركز واحد، كما كانت الحديقة مركزا للعديد من الأنشطة الاجتماعية مثل الحفلات الموسيقية على مسرح مخصص لذلك. واكتسبت الحديقة التي تمتد على مساحة 20 ألف متر مربع شهرتها كمعلم سياحي رئيسي بفضل التصاميم الهندسية المميزة والمناظر الخلابة. كما انها تقدم صورة جميلة لفن العمارة الصينية الكلاسيكية الفريد. ووصفت بأنها الأكبر بين حدائق شنغهاي آنذاك وخاصة مع احتوائها على مجوعة من الحدائق والبرك الفيروزية والصالات المُزخرفة والجسور المُعلّقة.
ومن أبرز معالم الحديقة صخرة اليشم (Jade Rock) التاريخية التي تزن 5 أطنان، والتي توصف بأنها الكنز الحقيقي للحديقة. وهي صخرة ترتفع حوالي 3.3 أمتار وبها 72 حفرة. والمميز فيها أنك عندما تشعل نارا في أسفلها، يظهر الدخان من جميع الثقوب. وعندما تصب الماء من الأعلى، يتدفق أيضا من كل الحفر.
المدينة المحرمة.. قصر يضم سدس آثار الصين
تمثل المدينة المحرمة ذات الألوان القرمزية القصر الامبراطوري لأباطرة الصين. وهي من المعالم التاريخية المبهرة في بكين، والتي صنفت هي الأخرى ضمن قائمة التراث الثقافي العالم.
كان هذا القصر مقرّا لإقامة الأباطرة وخاصة من أسرتي مينغ وتشينغ. بدأ بناؤها عام 1420، واستمرت أعمال البناء حوالي 16 عاما على مساحة تبلغ 720 ألف متر مربع.
يحتوي القصر على 9999 قاعة وغرفة، وحوالي مليون قطعة من التحف الفنية النادرة تظهر التاريخ والثقافة الصينية، وتمثل سدس الآثار التاريخية الموجودة في جميع أنحاء الصين.
يحيط بالمدينة المحرمة سور يبلغ ارتفاعه 10 أمتار. ويتميز كل ركن من أركان السور بمقصورات ذات تصاميم معقدة وفريدة. كما تضم المدينة أربع بوابات في الجهات الأربع.
وتمتلئ أروقة القصر بتماثيل وصور لحيوانات حقيقية وأسطورية مثل التنين الذي يرمز لدى الصينيين إلى القوة والمكانة.
واكتسبت المدينة اسم المحرمة نظرا إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي كانت تتخذ لحماية الأباطرة القاطنين فيها. ومن العلامات المميزة وجود ممر مخصص للإمبراطور على طول المدينة لا يحق حتى لأقرب المقربين له ان يمشي عليه بما في ذلك أسرته. بل يشير المؤرخون الى ان الإجراءات الأمنية كانت تشمل حتى كيفية نوم الإمبراطور، حيث كان ينام كل يوم في غرفة مختلفة، ولا يعرف سوى حرسه الخاص الغرفة التي ينام بها.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أنه شارك في بناء هذا القصر حوالي مليون عامل، حتى بات واحدا من بين أكبر 6 قصور في العالم، وأحد أكبر الآثار التاريخية المبنية من الخشب.
وأصبحت المدينة اليوم متحفا يزوره 80 ألف شخص يوميا. (تم تقليص العدد بعد الجائحة الى 30 الفا كل يوم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك