العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

خيارات إسرائيل في غزة كلها سيئة

بقلم: سميح صعب {

الخميس ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

أوقعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة،‭ ‬عندما‭ ‬حددت‭ ‬لنفسها‭ ‬هدفا‭ ‬عاليا‭ ‬بحجم‭ ‬‮«‬سحق‭ ‬حماس‮»‬‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬بنيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اجتياح‭ ‬بري‭ ‬كامل‭ ‬للقطاع‭ ‬حشدت‭ ‬له‭ ‬إسرائيل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الاحتياط،‭ ‬وبدعم‭ ‬عسكري‭ ‬وسياسي‭ ‬أمريكي‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التوغلات‭ ‬‮«‬المحدودة‮»‬‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وإعلان‭ ‬‮«‬توسيعها‮»‬‭ ‬ليل‭ ‬الجمعة‭ ‬‭ ‬السبت‭ ‬الماضي،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تُوحي‭ ‬وكأن‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭ ‬الشامل‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭.. ‬من‭ ‬قطع‭ ‬شامل‭ ‬لوسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬وخدمات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وتصعيد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للقصف‭ ‬الجوي‭ ‬والبري‭ ‬إلى‭ ‬الحصار‭ ‬المطبق‭ ‬وحرمان‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬من‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والدواء،‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحماية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والحؤول‭ ‬دون‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يبقى‭ ‬سؤال‭ ‬مدى‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حدود‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل؟‭ ‬أم‭ ‬تشرَع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزو‭ ‬شامل؟‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أعطت‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لشنّ‭ ‬عملية‭ ‬برية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬نطاقها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬لكن‭ ‬بات‭ ‬معلوما‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬التريث‭ ‬قليلا‭ ‬للإفساح‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬جهود‭ ‬دبلوماسية‭ ‬تبذلها‭ ‬قطر‭ ‬ومصر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الجنسية‭ ‬المزدوجة‭ ‬أو‭ ‬حملة‭ ‬الجنسية‭ ‬الأجنبية‭ ‬فقط‭ ‬ممن‭ ‬احتجزتهم‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬اقتحامها‭ ‬لغلاف‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬طلبت‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬إرجاء‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬اكتمال‭ ‬التعزيزات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬جاهزة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الحليفة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬توسعت‭ ‬الحرب‭ ‬وفتحت‭ ‬جبهات‭ ‬جديدة‭. ‬ومنذ‭ ‬17‭ ‬أكتوبر‭ ‬وقعت‭ ‬هجمات‭ ‬ضد‭ ‬قاعدة‭ ‬التنف‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وقاعدة‭ ‬عين‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬

ويومياً‭ ‬تُعلن‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬وصول‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتضاف‭ ‬إلى‭ ‬حاملتي‭ ‬الطائرات‭ ‬‮«‬جيرالد‭ ‬فورد‮»‬‭ ‬و«دوايت‭ ‬أيزنهاور‮»‬‭ ‬ونظام‭ ‬‮«‬ثاد‮»‬‭ ‬المتطور‭ ‬للدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬وأسراب‭ ‬من‭ ‬مقاتلات‭ ‬‮«‬إف‭-‬35‮»‬‭ ‬و‮«‬إف‭-‬16‮»‬‭ ‬و«أي‭-‬10‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬رسم‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬أمام‭ ‬طهران،‭ ‬استهدفت‭ ‬مقاتلات‭ ‬أمريكية‭ ‬منشأتين‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬قد‭ ‬وجّه‭ ‬تحذيراً‭ ‬لمرشد‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬بالاسم‭. ‬ويُشارك‭ ‬ضباط‭ ‬أمريكيون‭ ‬في‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬يعقدها‭ ‬المسؤولون‭ ‬العسكريون‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬المكلفون‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭. ‬وأعلن‭ ‬البنتاجون‭ ‬رسميا‭ ‬أن‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬المارينز‮»‬‭ ‬الجنرال‭ ‬جايمس‭ ‬جلين‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭.‬

وفي‭ ‬الإجمال،‭ ‬يستعرض‭ ‬الجنرالات‭ ‬الأمريكيون‭ ‬والإسرائيليون‭ ‬مآلات‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬بري‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬ويكثر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أمثلة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬والأبعد‭ ‬نسبياً‭ ‬لمعارك‭ ‬مشابهة‭ ‬للمعركة‭ ‬المرتقبة‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬البعض‭ ‬يُشبّه‭ ‬غزة‭ ‬بالموصل‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬تشابه‭ ‬المكانين‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬وشبكات‭ ‬الأنفاق،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬الجنرال‭ ‬المتقاعد‭ ‬ديفيد‭ ‬بيترايوس‭. ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يورد‭ ‬معركة‭ ‬مدينة‭ ‬الفلوجة‭ ‬العراقية‭ ‬أيضاً‭ ‬كمثال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعقد‭ ‬خبراء‭ ‬عسكريون‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬مدينتي‭ ‬باخموت‭ ‬وماريوبول‭ ‬الأوكرانيتين‭. ‬ليست‭ ‬الكلفة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬ستتكبدها‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬سقوط‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬هما‭ ‬العاملان‭ ‬اللذان‭ ‬يدفعان‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬كي‭ ‬تتريث‭ ‬قبل‭ ‬الاندفاع‭ ‬براً‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أصوات‭ ‬ترتفع‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬داعية‭ ‬إلى‭ ‬دمج‭ ‬العنصر‭ ‬السياسي‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭. ‬وبايدن‭ ‬نفسه‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭.‬

من‭ ‬المسلم‭ ‬به،‭ ‬إن‭ ‬حرب‭ ‬المدن‭ ‬عموماً‭ ‬مكلفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬البشرية‭. ‬فكم‭ ‬بالحري‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الأنفاق‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يبلغ‭ ‬طولها‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬الخبراء‭ ‬الغربيين‭ ‬310‭ ‬أميال‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحته‭ ‬فقط‭ ‬362‭ ‬كيلومتراً‭ ‬مربعاً‭. ‬ويصل‭ ‬عمق‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الأنفاق‭ ‬إلى‭ ‬80‭ ‬متراً،‭ ‬أي‭ ‬تقريباً‭ ‬بعمق‭ ‬نفق‭ ‬‮«‬المانش‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬وتملك‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأنفاق‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭. ‬وهي‭ ‬أمضت‭ ‬16‭ ‬عاماً‭ ‬تستعد‭ ‬لهذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬ناهيك‭ ‬بقوة‭ ‬مماثلة‭ ‬لحركة‭ ‬الجهاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬تُقدّر‭ ‬بنحو‭ ‬عشرين‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬فصائل‭ ‬ومجموعات‭ ‬أخرى‭ ‬صغيرة‭. ‬

وبحسب‭ ‬القائد‭ ‬السابق‭ ‬لسلاح‭ ‬الهندسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬القتالية‭ ‬أمنون‭ ‬سوفرين‭ ‬‮«‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفخاخ‭ ‬الملغومة‭. ‬لديهم‭ ‬أسلحة‭ ‬حرارية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديهم‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬فتكاً‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المضادة‭ ‬للدبابات‭ ‬التي‭ ‬سيحاولون‭ ‬أن‭ ‬يضربوا‭ ‬بها‭ ‬ناقلات‭ ‬الجنود‭ ‬المدرعة‭ ‬والدبابات‮»‬‭. ‬وخاضت‭ ‬إسرائيل‭ ‬معارك‭ ‬في‭ ‬جنين‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬وفي‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬ونفذت‭ ‬عمليات‭ ‬اقتحام‭ ‬ضد‭ ‬مراكز‭ ‬حضرية‭ ‬فلسطينية‭ ‬أخرى،‭ ‬بينها‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬نفسها‭. ‬لكن‭ ‬المعركة‭ ‬المقبلة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مختلفة‭ ‬كلياً‭ ‬بسبب‭ ‬الأهداف‭ ‬المحددة‭ ‬لها‭.‬

يكتب‭ ‬مراسل‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬نيوزويك‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬دان‭ ‬بيري،‭ ‬‮«‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬دخول‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬وأن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وحتى‭ ‬احتمال‭ ‬اندلاع‭ ‬أعمال‭ ‬شغب‭ ‬دامية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‮»‬‭. ‬ويصل‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬بأن‭ ‬الغزو‭ ‬البري‭ ‬‮«‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬هدية‭ ‬لحماس‭ ‬وإيران‮»‬،‭ ‬ومقارنة‭ ‬مع‭ ‬معركة‭ ‬الموصل‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬277‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬عامي‭ ‬2016‭-‬2017،‭ ‬فإن‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬بلغت‭ ‬بحسب‭ ‬أرقام‭ ‬نشرتها‭ ‬منظمات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تسعة‭ ‬آلاف‭ ‬و11‭ ‬ألفاً‭. ‬

أما‭ ‬قوات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬العراقية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخوض‭ ‬الهجوم‭ ‬البري‭ ‬بغطاء‭ ‬جوي‭ ‬أمريكي،‭ ‬فيقال‭ ‬إنها‭ ‬فقدت‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬40‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬عديدها‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وجريح‭. ‬وفي‭ ‬ماريوبول‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬يُقدر‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بعشرات‭ ‬الآلاف،‭ ‬بينما‭ ‬فقد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬جنرالين‭ ‬وآلاف‭ ‬الجنود،‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬المعركة‭ ‬إلا‭ ‬بعدما‭ ‬أمر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬المتحصنين‭ ‬في‭ ‬معامل‭ ‬آزوفستال‭ ‬بالاستسلام‭. ‬ومعركة‭ ‬باخموت‭ ‬كلّفت‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الروس‭ ‬والأوكرانيين‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬فاجنر‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬خلال‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬القتال‭. ‬وتنقل‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬تايمز‮»‬‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬الخبير‭ ‬الأسترالي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬الكولونيل‭ ‬ديفيد‭ ‬كيلكولن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬أفيرز‮»‬‭ ‬الفصلية‭ ‬حول‭ ‬اضطرار‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬معركة‭ ‬الفلوجة‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭.. ‬بسبب‭ ‬الخسائر‭ ‬المتعاظمة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المدنيين‮»‬‭.‬

ويقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬هجوماً‭ ‬برياً‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬مخاطر‭ ‬استراتيجية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ويُمكن‭ ‬أن‭ ‬يُدمّر‭ ‬شرعيتها‭ ‬الأخلاقية‮»‬‭. ‬

وبحسب‭ ‬أستاذ‭ ‬دراسات‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬الملكية‭ ‬بلندن‭ ‬لورنس‭ ‬فريدمان،‭ ‬فإن‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مواءمة‭ ‬وسائلها‭ ‬العسكرية‭ ‬مع‭ ‬أهدافها‭ ‬السياسية‮»‬‭. ‬

ويقول‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مؤهلة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬السياسي‭ ‬الطموح‭ ‬جداً‭ ‬سينتهي‭ ‬بالإحباط‭ ‬والفشل‮»‬‭. ‬ويورد‭ ‬مثالاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كيف‭ ‬انتهى‭ ‬الانتصار‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬سياسيا‭.‬

أما‭ ‬مراسل‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬النيويورك‭ ‬تايمز‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬ستيفن‭ ‬إيرلانجر‭ ‬فيرى‭ ‬أنه‭ ‬وسط‭ ‬الحشود‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬‮«‬يُطرح‭ ‬لغز‭ ‬سياسي‭ ‬حول‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لغزة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭. ‬وبعد‭ ‬الدخول،‭ ‬كيف‭ ‬ستخرج‭ ‬إسرائيل‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تُفكّك‭ ‬حماس،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬استطاعت،‭ ‬لمن‭ ‬ستُسلم‭ ‬المفاتيح؟‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حماس‭ ‬تحكم‭ ‬غزة،‭ ‬فمن‭ ‬سيفعل‮»‬؟

ويستشهد‭ ‬الكاتب‭ ‬بتحليل‭ ‬مقتضب‭ ‬للفتنانت‭ ‬جنرال‭ ‬البريطاني‭ ‬المتقاعد‭ ‬توم‭ ‬بيكيت‭ ‬الذي‭ ‬يتولى‭ ‬الرئاسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لبرنامج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خيارات‭ ‬جيدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيلي‭ ‬بري‭ ‬في‭ ‬غزة‭.. ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نجاح‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بحماس‭ ‬كمنظمة‭ ‬عسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬حماس‭ ‬ستستمر‭ ‬كضرورة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬للمقاومة‭ ‬سيستمر‭.. ‬فإما‭ ‬تحتل‭ ‬إسرائيل‭ ‬غزة‭ ‬لتحكمها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬انسحابها‭ ‬بعد‭ ‬الهجوم،‭ ‬فإنها‭ ‬ستتخلى‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬لأشخاص‭ ‬يعتبرون‭ ‬المقاومة‭ ‬بمثابة‭ ‬الوجود‮»‬‭.‬

وتنقل‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬الزميل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬أبحاث‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬روب‭ ‬لي‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬‮«‬قتال‭ ‬المدن‭ ‬بطيءٌ‭ ‬جداً،‭ ‬وطويلٌ‭ ‬ومكلفٌ‭. ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬لإنجازه‭.. ‬عندما‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬عدوٍ‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬أراضٍ‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬الوقت‭ ‬لتجهيز‭ ‬دفاعات‭ ‬جيدة،‭ ‬وليس‭ ‬مستعداً‭ ‬للاستسلام‭ ‬بسرعة،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتاً‮»‬‭. ‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المحاذير،‭ ‬هل‭ ‬يكون‭ ‬المخرج‭ ‬بتوغل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬وليس‭ ‬اجتياحاً‭ ‬كاملاً،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تراجع‭ ‬التأييد‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬للعملية‭ ‬البرية،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لكيفية‭ ‬تأمين‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭. ‬وأظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬معاريف‮»‬‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬تقريباً‭ ‬يريدون‭ ‬وقف‭ ‬أي‭ ‬اجتياح‭ ‬لغزة،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬التأييد‭ ‬لهجوم‭ ‬بري‭ ‬كبير‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬الصحيفة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬أكتوبر‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬وصحفي‭ ‬من‭ ‬لبنان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا