العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تحرير القدس وقد تحول إلى وسيلة للتضليل الإيراني!

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

مَن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المناوشات‭ ‬الخفيفة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬هي‭ ‬أمر‭ ‬نبالغ‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الجنون‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬فيه‭ ‬تمهيدا‭ ‬لحرب‭ ‬جديدة‭ ‬سيشهدها‭ ‬لبنان‭ ‬المتهالك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حروب‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬حتى‭ ‬إرادة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬بسبب‭ ‬هيمنة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬على‭ ‬مقدراته‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحزب‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬جره‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬خوفا‭ ‬عليه‭ ‬فهو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الخضوع‭ ‬لتعليمات‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬وتنفيذ‭ ‬أوامره،‭ ‬ولكن‭ ‬الحزب‭ ‬نفسه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬دمه‭ ‬سيضيع‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬كما‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬وأن‭ ‬الجميع‭ ‬وليست‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحدها‭ ‬سيقومون‭ ‬باجتثاثه‭ ‬من‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعاطف‭ ‬غربي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭.‬

لن‭ ‬تتمكن‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬جديدة‭. ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬لا‭ ‬اليوم‭ ‬ولا‭ ‬غدا‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مباشرة‭ ‬ضد‭ ‬الغرب‭ ‬وبالأخص‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

تلك‭ ‬حرب‭ ‬خاسرة،‭ ‬نتائجها‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الأمر‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬يوم‭ ‬أوقع‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تفاديها‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬قيادته‭ ‬تمتعت‭ ‬بشيء‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬وكانت‭ ‬تقديراته‭ ‬الواقعية‭ ‬صائبة‭.‬

أما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جبهة‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬ساخنة‭ ‬دائما‭ ‬بمناسبة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬فذلك‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬عامل‭ ‬إنقاذ‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬تحملها‭ ‬عن‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬الحزب‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬اللبنانيين‭ ‬بأن‭ ‬يستظلوا‭ ‬بالحماية‭ ‬الإيرانية‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يلقنهم‭ ‬درسا‭ ‬مستمرا‭ ‬في‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬وقوع‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬يكون‭ ‬سببا‭ ‬لاشتعال‭ ‬نار‭ ‬حرب،‭ ‬يعرفون‭ ‬مسبقا‭ ‬أنها‭ ‬ستقضي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬وليس‭ ‬الدولة‭ ‬وحدها‭. ‬خوف‭ ‬الشعب‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭.‬

ولكن‭ ‬تأملا‭ ‬لا‭ ‬يستغرق‭ ‬إلا‭ ‬وقتا‭ ‬قصيرا‭ ‬للحكاية‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يفكك‭ ‬عناصرها‭ ‬ويضع‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬بمفرده‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬المرء‭ ‬للتضليل‭ ‬الذي‭ ‬تتسبب‭ ‬به‭ ‬وسائل‭ ‬الدعاية،‭ ‬سواء‭ ‬التابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬أو‭ ‬المعادية‭ ‬له‭. ‬كلاهما‭ ‬تميلان‭ ‬إلى‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬تشد‭ ‬الحزب‭ ‬إلى‭ ‬حلم‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭.‬

ولا‭ ‬ينتبه‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬حمى‭ ‬السباق‭ ‬الارتجالي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬إنما‭ ‬يتم‭ ‬ترتيب‭ ‬مشاهده‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬إيرانية،‭ ‬كان‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬قد‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬أعناق‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يوم‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬كربلاء‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬تمهيدا‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭. ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬تلك‭ ‬الرؤية‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬التابع‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬والذي‭ ‬تزعمه‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬زمنا‭ ‬طويلا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقتله‭ ‬الأمريكان‭ ‬برفقة‭ ‬أبو‭ ‬مهدي‭ ‬المهندس‭. ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعله‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬تنفيذا‭ ‬لرؤية‭ ‬الإمام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬القدس؟

باختصار‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬احتل‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬بعد‭ ‬تدميرها‭. ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬إيران‭ ‬مانعا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الأمريكان‭ ‬بغزو‭ ‬العراق‭ ‬وتحطيم‭ ‬بيئته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والخدمية‭ ‬سعيا‭ ‬وراء‭ ‬حلم‭ ‬الهيمنة‭ ‬عليه‭. ‬ولولا‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تهالكه‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تتمدد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭.‬

كان‭ ‬الشعار‭ ‬الإيراني‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬لإسرائيل‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تحول‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬للعرب‮»‬‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬لم‭ ‬يوجه‭ ‬طلقة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولم‭ ‬يقتل‭ ‬إسرائيليا‭ ‬واحدا‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬له‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬تزويدها‭ ‬بالأموال‭ ‬والأسلحة‭ ‬الإيرانية‭ ‬قد‭ ‬قتلت‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬أعداء‭ ‬لإيران‭. ‬لن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬المقارنة‭.‬

حين‭ ‬دخل‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬السورية‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬الانحراف‭ ‬بجزء‭ ‬منها‭ ‬طائفيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬التهجير‭ ‬والتغيير‭ ‬الديموغرافي‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬كلما‭ ‬اقترب‭ ‬بقواعده‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬تسلم‭ ‬شحنات‭ ‬أسلحة‭ ‬إيرانية‭ ‬جديدة‭ ‬تؤدي‭ ‬لتعرضه‭ ‬لضربات‭ ‬عسكرية‭ ‬تحرق‭ ‬معسكراته‭ ‬ومخازن‭ ‬أسلحته‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المخازن‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬دمشق‭.  ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬سوريا‭ ‬ولا‭ ‬إيران‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الضربات‭. ‬لا‭ ‬إيران‭ ‬ولا‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬أما‭ ‬سوريا‭ ‬فلا‭ ‬حسابات‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة،‭ ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬دولة‭ ‬خسرت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬لم‭ ‬يدره‭ ‬نظامها‭ ‬بحكمة‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أيمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬صادقا‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭ ‬وأن‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجره‭ ‬إلى‭ ‬حرب،‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬منهكا‭ ‬منها؟

يكفي‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬مرجعيته‭ ‬التاريخية‭ ‬والدينية‭ ‬لنتأكد‭ ‬أنه‭ ‬يستعمل‭ ‬القدس‭ ‬وسيلة‭ ‬للتضليل‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬لمصلحة‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مليشيا‭ ‬إقليمية‭ ‬تستعملها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬المنطقة‭ ‬مستثنية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا