مرّ 75 عامًا هذا العام على استشهاد المناضل والمجاهد الفلسطيني الشهيد عبدالقادر الحسيني، ولا تزال ذكرى الرجل الذي عد أحد أبرز القادة العسكريين والثوار الفلسطينيين وقت النكبة، وللرجل عبارته الشهيرة، التي خاطب بها اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية، إن «التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم».
وُلد عبد القادر موسى كاظم الحسيني في إسطنبول، وتختلف المصادر بشأن تاريخ مولده بين عامَي 1908 و1910 نشأ في بيت عرف المقاومة والجهاد، حيث عُرف والده الذي شغل مناصب مهمة في الدولة العثمانية، ورأس بلدية القدس بـ«شيخ المجاهدين» في فلسطين.
درس القرآن الكريم في زاوية من زوايا القدس، ثم أنهى دراسته الأولية في مدرسة (روضة المعارف الابتدائية) بالقدس، أتم عبد القادر دراسته الثانوية بتفوق ثم التحق بعدها بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم ما لبث أن طُرد منها نظراً لنشاطه الوطني ، فما كان منه إلا الالتحاق بجامعة أخرى تسمح له بقدر من الحرية فتوجه إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها، وطيلة فترة دراسته لم يظاهر بنشاطه الوطني أملاً في الحصول على شهادة التخرج، وما إن تحقق مأربه حتى أعلن في حفل التخرج أن هذه الجامعة لعنة بكل ما تبثه من أفكار وسموم في عقول الطلاب، ما حدا بالجامعة الأمريكية في اليوم التالي إلى سحب شهادته، الأمر الذي أدى إلى تظاهرة كبيرة قام بها رابطة أعضاء أسرة الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضاً وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس عام 1932 حاملاً شهادته التي أرادوا حرمانه منها.
بحسب وكالة «الأنباء والمعلومات الفلسطينية» (وفا)، راح الحسيني الذي عاد لاحقًا إلى القدس يعمل منذ عام 1936 على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها، إذا ما تعرّضت للهجوم من القوات البريطانية. وعُد الرجل أول من بدأ الثورة الفلسطينية الكبرى في العام نفسه.
فالحسيني، وفق المصدر ذاته، أطلق النيران على ثكنة عسكرية بريطانية في قرية بيت سوريك في محافظة القدس، ما أدى إلى تحرك خلايا الثورة الفلسطينية في كل مكان وانضمام رجال المقاومة إليها.
وفي هذا الصدد، يشير المناضل في الثورة الفلسطينية عام 1936 بهجت أبو غريبة في مذكراته، إلى أن «القائد الشهيد عبد القادر الحسيني كان يقوم في القاهرة بنشاط واسع لإعادة تنظيم المقاتلين الثوريين في جيش الجهاد المقدس، التنظيم الذي سيحاول الدفاع عن القدس حتى اللحظة الأخيرة».
بدأت رحلة جهاده عام 1935 وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عدداً من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح من أجل الحرية والاستقلال كان أقوى من جميع إغراءاتهم، وتأكد له صواب اعتقاده حينما رحل الشيخ عز الدين القسام شهيداً مدافعاً عن حرية فلسطين فخطا على نفس دربه وراح منذ عام 1936 يعمل على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها إذا ما تعرضت للهجوم من القوات البريطانية.
في عام 1941 شارك الحسيني العراقيين في جهادهم ضد الإنجليز وتمكن برباطة جأشه أن يوقف تقدم القوات البريطانية مدة عشرة أيام استبسل خلالها ورفاقه في المقاومة، اعتقل ورفاقه وقضوا في الأسر العراقي ثلاث سنوات، بعدها انتقل إلى المملكة العربية السعودية، مكث فيها من الزمن عامين في ضيافة الملك عبد العزيز منذ عام 1944 حتى الفاتح من يناير عام 1946 بعدها انتقل إلى مصر.
أثناء وجوده في مصر عمد إلى وضع خطة لإعداد المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي فراح ينظم عمليات التدريب والتسليح للمقاومين وأنشأ معسكراً سرياً بالتعاون مع قوى وطنية مصرية ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية، كما قام بتدريب عناصر مصرية أيضاً للقيام بأعمال فدائية، حيث شاركت عناصره في حملة المتطوعين بحرب فلسطين.
وكذلك في حرب القناة ضد بريطانيا، كما عمد إلى التواصل والتشابك مع قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين أمين الحسيني من أجل تمويل خطته وتسهيل حركة المقاومين على كل جبهات فلسطين، كما عمد أيضاً إلى التنسيق والتواصل مع المشايخ والزعماء والقادة داخل الأراضي الفلسطينية، وأنشأ معملاً لإعداد المتفجرات إضافة إلى إقامته محطة إذاعية في منطقة رام الله درة المقاومة الفلسطينية وتشجيع المجاهدين على الجود بأنفسهم وقوتهم في سبيل نصرة الحق والحرية.
وأنشأ محطة لاسلكية في مقر القيادة في بيرزيت وعمل شفرة اتصال تضمن لهم سرية المعلومات وعدم انتقالها إلى الأعداء عبر المراسلات العادية، كما قام الحسيني أيضاً بتجنيد فريق مخابرات مهمته فقط جمع المعلومات والبيانات وخفايا وأسرار الكيان الصهيوني لضربه في عقر داره، ناهيك عن تكوينه لفرق الثأر التي طالما ردعت وأرهبت المحتلين الصهاينة وقللت من عمليات القتل الممنهجة التي أذاقوها للفلسطينيين.
استشهد عبد القادر الحسيني يوم 8 أبريل عام1948 خلال معركة القسطل، وكان قائد المعركة التي استمرت في منطقة القسطل جنوب مدينة القدس ضد العصابات الصهيونية مدة ثمانية أيام. ومعركة القسطل كانت معركة فاصلة في التاريخ الفلسطيني، وقعت خلال الفترة التي سبقت حرب 1948 (النكبة) مباشرة وكانت جزءا من التحركات العسكرية للعصابات الصهيونية في عملية نخشون، سقط فيها عبد القادر الحسيني أحد القيادات العسكرية أثناء الدفاع عن القدس. وقد جرت هذه المعركة بالقرب من قرية القسطل والتي تعتبر من مداخل مدينة القدس الدفاعية الإستراتيجية.
وكانت القسطل تشكل بداية لخطة يهودية لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين قبل إنهاء الانتداب البريطاني في 15 مايو من عام 1948، وقام القائد عبد القادر الحسيني بمواجهة هذا الهجوم بقوات فلسطينية متفرقة ومجاهدين بأسلحة قليلة الفعالية في الحروب، ولم تتلق هذه الجماعات المقاومة أي دعم من البلدان العربية التي كان بعضها لا يزال يعاني وطأة الاستعمار. لكن القائد عبد القادر أخذ الأمور على عاتقه، وفي 5 أبريل من عام 1948 توجه بقواته البسيطة نحو القسطل، واستطاع فعلا أن يحاصر القسطل وطالب الجامعة العربية بدعمه لكن لم يتلق الدعم الذي كان يريده فخاطبهم قائلا: إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى الصهاينة يحتلون فلسطين»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك