العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المرأة القائدة.. ملكة سبأ أنموذجا

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬دورة‭ ‬من‭ ‬الدورات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬المؤسسات،‭ ‬تركز‭ ‬حديثنا‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬حول‭ ‬القيادة‭ ‬وصناعة‭ ‬القائد،‭ ‬فوجدت‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬القيادة‭ ‬أن‭ ‬نخصص‭ ‬يومًا‭ ‬تدريبيًا‭ ‬للتحدث‭ ‬حول‭ ‬المرأة‭ ‬القائدة،‭ ‬والكيفية‭ ‬التي‭ ‬يمكننا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬نمنح‭ ‬المرأة‭ ‬الفرصة‭ ‬الكافية‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬قائدة‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الرجل‭. ‬فوجدت‭ ‬وأنا‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬المراجع‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬المبهرة‭ ‬للمرأة‭ ‬القائدة،‭ ‬ودعوني‭ ‬أحدثكم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النماذج‭ ‬الذكية‭ ‬جدًا،‭ ‬وهي‭ ‬الملكة‭ ‬بلقيس‭ ‬ملكة‭ ‬سبأ‭.‬

تحدثنا‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬عن‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بقدرة‭ ‬قيادية‭ ‬مذهلة،‭ ‬مكنته‭ ‬‭ ‬بفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬وتمكينه‭ ‬‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عنها‭ ‬ويمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬مقال‭ (‬نموذج‭ ‬إداري‭.. ‬أصدقت‭ ‬أم‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬الكاذبين؟‭) ‬واليوم‭ ‬سنتحدث‭ ‬عن‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭.‬

نفتح‭ ‬الستارة‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وهو‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬ملكة‭ ‬سبأ،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النمل‭ (‬قَالَتْ‭ ‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الْمَلَأُ‭ ‬إنِّي‭ ‬ألْقِيَ‭ ‬إلَيَّ‭ ‬كِتَابٌ‭ ‬كَرِيمٌ‭ (‬29‭) ‬إنَّهُ‭ ‬مِن‭ ‬سُلَيْمَانَ‭ ‬وَإنَّهُ‭ ‬بِسْمِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬الرَّحْمَنِ‭ ‬الرَّحِيمِ‭ (‬30‭) ‬ألَّا‭ ‬تَعْلُوا‭ ‬عَلَيَّ‭ ‬وَأتُونِي‭ ‬مُسْلِمِينَ‭ (‬31‭) ‬قَالَتْ‭ ‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الْمَلَأُ‭ ‬أفْتُونِي‭ ‬فِي‭ ‬أمْرِي‭ ‬مَا‭ ‬كُنتُ‭ ‬قَاطِعَةً‭ ‬أمْرًا‭ ‬حَتَّى‭ ‬تَشْهَدُونِ‭ (‬32‭) ‬قَالُوا‭ ‬نَحْنُ‭ ‬أولُو‭ ‬قُوَّةٍ‭ ‬وَأولُو‭ ‬بَأسٍ‭ ‬شَدِيدٍ‭ ‬وَالْأمْرُ‭ ‬إلَيْكِ‭ ‬فَانظُرِي‭ ‬مَاذَا‭ ‬تَأمُرِينَ‭ (‬33‭) ‬قَالَتْ‭ ‬إنَّ‭ ‬الْمُلُوكَ‭ ‬إذَا‭ ‬دَخَلُوا‭ ‬قَرْيَةً‭ ‬أفْسَدُوهَا‭ ‬وَجَعَلُوا‭ ‬أعِزَّةَ‭ ‬أهْلِهَا‭ ‬أذِلَّةً‭ ‬وَكَذَلِكَ‭ ‬يَفْعَلُونَ‭ (‬34‭) ‬وَإنِّي‭ ‬مُرْسِلَةٌ‭ ‬إلَيْهِم‭ ‬بِهَدِيَّةٍ‭ ‬فَنَاظِرَةٌ‭ ‬بِمَ‭ ‬يَرْجِعُ‭ ‬الْمُرْسَلُونَ‭ (‬35‭)) ‬ثم‭ ‬يواصل،‭ ‬ويقول‭:‬

‭(‬فَلَمَّا‭ ‬جَاءَتْ‭ ‬قِيلَ‭ ‬أهَكَذَا‭ ‬عَرْشُكِ‭ ‬قَالَتْ‭ ‬كَأنَّهُ‭ ‬هُوَ‭ ‬وأوتينا‭ ‬الْعِلْمَ‭ ‬مِن‭ ‬قَبْلِهَا‭ ‬وَكُنَّا‭ ‬مُسْلِمِينَ‭ (‬42‭) ‬وَصَدَّهَا‭ ‬مَا‭ ‬كَانَت‭ ‬تَّعْبُدُ‭ ‬مِن‭ ‬دُونِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إنَّهَا‭ ‬كَانَتْ‭ ‬مِن‭ ‬قَوْمٍ‭ ‬كَافِرِينَ‭ (‬43‭) ‬قِيلَ‭ ‬لَهَا‭ ‬ادْخُلِي‭ ‬الصَّرْحَ‭ ‬فَلَمَّا‭ ‬رأتْهُ‭ ‬حَسِبَتْهُ‭ ‬لُجَّةً‭ ‬وَكَشَفَتْ‭ ‬عَن‭ ‬سَاقَيْهَا‭ ‬قال‭ ‬إنَّهُ‭ ‬صَرْحٌ‭ ‬مُّمَرَّدٌ‭ ‬مِّن‭ ‬قَوَارِيرَ‭ ‬قَالَتْ‭ ‬رَبِّ‭ ‬إنِّي‭ ‬ظَلَمْتُ‭ ‬نَفْسِي‭ ‬وَأسْلَمْتُ‭ ‬مَعَ‭ ‬سُلَيْمَانَ‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬رَبِّ‭ ‬الْعَالَمِينَ‭ (‬44‭))‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلخص‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬صفاتها‭ ‬القيادية،‭ ‬مثل‭:‬

1‭. ‬حسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأمور،‭ ‬وإنزالها‭ ‬منازل‭ ‬الاهتمام‭ ‬وموقعها‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون؛‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬بكر‭ ‬عابد،‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ (‬الدور‭ ‬القيادي‭ ‬للمرأة‭ ‬وأثره‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مفهوم‭ ‬الحكمة‭ ‬والوسطية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭)‬،‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬القيادة‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬القرآنُ‭ ‬في‭ ‬ملكة‭ ‬سبأ؛‭ ‬حُسْنُ‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬الأمور،‭ ‬وإنزالُ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬منزلتَه‭ ‬المستحقة‭. ‬حيث‭ ‬نراها‭ ‬قد‭ ‬عظَّمت‭ ‬كتابَ‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ووصفته‭ ‬بالكريم،‭ ‬والكَرَمُ‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬البحث‭ ‬‭ ‬اسم‭ ‬جامع‭ ‬لكلِّ‭ ‬ما‭ ‬يُحمَدُ‭ ‬ويُستَحسَنُ،‭ ‬ووصفُها‭ ‬الكتاب‭ ‬بالكريم‭ ‬فيه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أوجه‭:‬

{‭ ‬أحدُها‭: ‬إنه‭ ‬كريم‭ ‬من‭ ‬جِهَة‭ ‬حُسْنِ‭ ‬مضمونه‭ ‬وما‭ ‬فيه‭.‬

{‭ ‬وثانيها‭: ‬إنه‭ ‬كريم‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬ملك‭ ‬كريم‭.‬

{‭ ‬وثالثها‭: ‬إنه‭ ‬كريم‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬مختومًا‭.‬

كذلك‭ ‬أكَّدت‭ ‬الكلامَ‭ ‬بتَكرار‭ ‬حرفِ‭ ‬التأكُيد‭ (‬إنَّ‭) ‬مرتين،‭ ‬مُا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالأمر،‭ ‬قال‭ ‬ابنُ‭ ‬عاشور‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬التحرير‭ ‬والتنوير‭ ‬‭ ‬تحرير‭ ‬المعنى‭ ‬السديد‭ ‬وتنوير‭ ‬العقل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬الكتاب‭ ‬المجيد‭): ‬‮«‬والتأكُيد‭ ‬بـ‭(‬إنَّ‭) ‬في‭ ‬الموضعين‭ ‬يُتَرْجِم‭ ‬عمَّا‭ ‬في‭ ‬كلامهما‭ ‬باللغة‭ ‬السَّبَئِيَّةِ‭ ‬مِن‭ ‬عباراتٍ‭ ‬دالَّةٍ‭ ‬على‭ ‬اهتمامها‭ ‬بمرسِل‭ ‬الكتاب،‭ ‬وبما‭ ‬تَضَمَّنهُ‭ ‬الكتابُ‭ ‬اهتمامًا‭ ‬يُؤَدَّى‭ ‬مِثْلُه‭ ‬في‭ ‬العربية‭ ‬الفصحى‭ ‬بحرف‭ ‬التأكُيدِ‭ ‬الذي‭ ‬يدُلُّ‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬مقامٍ‭ ‬لا‭ ‬شَكَّ‭ ‬فيه‮»‬‭.‬

2‭. ‬حصافة‭ ‬وعلم‭ ‬ومعرفة‭ ‬بالناس‭ ‬والملوك‭ ‬والأحداث؛‭ ‬ولم‭ ‬تصف‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بالكريم‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬علم‭ ‬وفراسة‭ ‬بالناس‭ ‬والبشر‭ ‬والملوك‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وهذه‭ ‬صفة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬القائد‭ ‬المحنك‭.‬

3‭. ‬البلاغة؛‭ ‬ولم‭ ‬تصف‭ ‬الكتاب‭ ‬بالكريم،‭ ‬ولم‭ ‬تكرر‭ (‬إنه‭) ‬مرتين‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬حصيفة‭ ‬وذات‭ ‬قدرة‭ ‬بلاغية‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬لتوضح‭ ‬لقومها‭ ‬ورعيتها‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬يديها،‭ ‬وذلك‭ ‬لتلفت‭ ‬نظرهم‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬بهدف‭ ‬تركيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬به‭. ‬

4‭. ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الرعية‭ (‬أو‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭) ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مصالحها؛‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬من‭ ‬سياق‭ ‬الآيات‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬لأنها‭ ‬ذات‭ ‬قدرة‭ ‬تحليلية‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع‭ ‬المحيط،‭ ‬خافت‭ ‬على‭ ‬رعيتها‭ ‬ومملكتها‭ ‬من‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فاجتمعت‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬ومستشاريها،‭ ‬وقامت‭ ‬بمشاورتهم‭ ‬وأخذ‭ ‬رأيهم‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭.‬

5‭. ‬الشورى؛‭ ‬ومشورتهم‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تستبد‭ ‬برأيها،‭ ‬ولم‭ ‬تتخذ‭ ‬القرار‭ ‬وحدها،‭ ‬وموضوع‭ ‬الشورى‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬والقضايا‭ ‬المهمة‭ ‬جدًا‭ ‬لدى‭ ‬القائد،‭ ‬وقد‭ ‬تحدثنا‭ ‬فيه‭ ‬كثيرًا‭ ‬جدًا‭. ‬

6‭. ‬معرفة‭ ‬الرعية‭ (‬أو‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭)‬،‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬لمواجهة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أم‭ ‬لا؟؛‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬خطابها‭ ‬واجتماعها‭ ‬مع‭ ‬الرعية‭ ‬والمستشارين‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بقدراتها‭ ‬وإمكانيات‭ ‬جيشها‭ ‬ومملكتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬ومن‭ ‬الوزراء‭ ‬وغيرهم،‭ ‬بأنهم‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬تام،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬ماهية‭ ‬سليمان؛‭ ‬فهل‭ ‬هو‭ ‬ملك‭ ‬أم‭ ‬نبي؟‭ ‬

7‭. ‬فريق‭ ‬عمل‭ (‬المستشارين‭)‬؛‭ ‬عندما‭ ‬يستشير‭ ‬القائد‭ ‬أفراد‭ ‬فريق‭ ‬العمل،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬متكامل‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استشارته،‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬لن‭ ‬يخذله‭ ‬في‭ ‬المشورة‭ ‬والرأي،‭ ‬وكذلك‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭. ‬وإلا‭ ‬فكيف‭ ‬يعمل‭ ‬القائد‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬فريق‭ ‬عمل؟

8‭. ‬أقامت‭ ‬جيشا‭ ‬منظما‭ ‬ودولة‭ ‬منظمة؛‭ ‬عندما‭ ‬استشارت‭ ‬الملكة‭ ‬بلقيس‭ ‬المستشارين‭ ‬أوضحوا‭ ‬لها‭ ‬‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬‭ ‬أنهم‭ ‬يملكون‭ ‬ذلك‭ ‬الجيش‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬هزيمته،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬قامت‭ ‬ببناء‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬القوي،‭ ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الجيوش‭ ‬القوية‭ ‬لا‭ ‬تُبنى‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬قوية‭ ‬ومنظمة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬قامت‭ ‬ببناء‭ ‬دولة‭ ‬منظمة‭ ‬وقوية‭ ‬وكذلك‭ ‬جيش‭ ‬قوي‭ ‬ومنظم،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬قدرة‭ ‬قيادية‭ ‬عالية‭ ‬المستوى‭ ‬وذات‭ ‬عقل‭ ‬منظم‭ ‬ومتحكم‭ ‬في‭ ‬الأمور‭. ‬

9‭. ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬تفكيرها؛‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬جمعت‭ ‬مستشاريها‭ ‬وقادة‭ ‬الجيش‭ ‬وكل‭ ‬فريق‭ ‬العمل،‭ ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬مباحثات‭ ‬طويلة‭ ‬وعرض‭ ‬كل‭ ‬الآراء،‭ ‬منحوها‭ ‬الثقة‭ ‬التامة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬تامة‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬المناسب‭ ‬لوطنها‭ ‬ورعيتها‭ ‬ولنفسها،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أيضًا‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬قدراتها‭ ‬العقلية‭ ‬والذهنية،‭ ‬فهي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬الأمور‭ ‬وأن‭ ‬تختار‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الأنسب‭.‬

10‭. ‬قراءة‭ ‬الواقع،‭ ‬والمحيط؛‭ ‬قامت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬توكيل‭ ‬المهمة‭ ‬لها‭ ‬بقراءة‭ ‬الواقع‭ ‬والمحيط،‭ ‬ثم‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬بأحوال‭ ‬الناس‭ ‬والملوك،‭ ‬وربما‭ ‬بقية‭ ‬البشر،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬عقلية‭ ‬وذات‭ ‬تفكير‭ ‬تحليلي،‭ ‬فأصبح‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬صراع‭ ‬عقول،‭ ‬فهي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هيه‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬بعث‭ ‬لها‭ ‬خطاب‭ ‬يدعوها‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭.‬

11‭. ‬التفكير‭ ‬في‭ (‬الهدية‭) ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬نيات‭ ‬الرجل،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬نبي‭ ‬أم‭ ‬ملك‭ ‬؟؛‭ ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أمرين‭:‬

{‭ ‬تحليل‭ ‬شخصية‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فهل‭ ‬هو‭ ‬ملك‭ ‬أم‭ ‬نبي،‭ ‬فبعض‭ ‬الملوك‭ ‬تهمهم‭ ‬الهدايا‭ ‬والأموال‭ ‬والذهب‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬ملكًا‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يقبل‭ ‬الهدايا،‭ ‬ولكن‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬نبيًّا‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يرفض‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهدايا‭ ‬ويصر‭ ‬على‭ ‬طلبه‭.‬

{‭ ‬الأمر‭ ‬الثاني‭: ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تجنب‭ ‬رعيتها‭ ‬ومُلكها‭ ‬الحرب،‭ ‬فدخول‭ ‬الحرب‭ ‬أمر‭ ‬سهل،‭ ‬ولكن‭ ‬الانتصار‭ ‬فيه‭ ‬والخروج‭ ‬منه‭ ‬أمر‭ ‬صعب‭.‬

12‭. ‬رسلها‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬الهدايا‭ ‬جواسيس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دراسة‭ ‬شخصية‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام؛‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬مدربين،‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬منها‭ ‬دراسة‭ ‬أحوال‭ ‬البشر‭.‬

13‭. ‬الذكاء؛‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬صاحب‭ ‬العلم‭ ‬بإحضار‭ ‬العرش‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬لحظة،‭ ‬أمر‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أن‭ ‬يغيروا‭ ‬الشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬للعرش،‭ ‬وبعدما‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬اللقاء،‭ ‬وتم‭ ‬اللقاء‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬قام‭ ‬باختبارها‭ ‬لدراستها‭ ‬وتحليل‭ ‬شخصيتها،‭ ‬فعرض‭ ‬عليها‭ ‬العرش،‭ ‬وسألها‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عرشها‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬نحسب‭ ‬أنها‭ ‬سكتت‭ ‬لحظات‭ ‬لتحاول‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬الموقف‭ ‬والموضوع‭ ‬في‭ ‬عقلها،‭ ‬لأن‭ ‬وجود‭ ‬العرش‭ ‬هنا‭ ‬يعد‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬المنطق‭ ‬والتحليل‭ ‬العلمي،‭ ‬فربما‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تؤمن‭ ‬بالسحر‭ ‬والخرافات‭ ‬والخزعبلات،‭ ‬ولا‭ ‬قدرات‭ ‬الجن‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لذلك‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬سكتت‭ ‬لحظات‭ ‬ولم‭ ‬تطلق‭ ‬الحكم‭ ‬مباشرة،‭ ‬فصمتها‭ ‬ذكاء،‭ ‬وردها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استوعبت‭ ‬الموضوع‭ ‬وقامت‭ ‬بتحليله‭ ‬في‭ ‬عقلها‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬فقالت‭ (‬كأنه‭ ‬هو‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬سكتت‭. ‬

14‭. ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬سريعة‭ ‬وذكية؛‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬قصر‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬القصور‭ ‬آنذاك،‭ ‬وربما‭ ‬هو‭ ‬الأجمل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تنبهر،‭ ‬وذلك‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فحتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬كان‭ ‬عقلها‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يحلل‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬ولكن‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صراع‭ ‬عقلي‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬سلام،‭ ‬فكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هو‭ ‬دخول‭ ‬الصرح،‭ ‬فانبهرت‭ ‬بصورة‭ ‬فطرية،‭ ‬واعتقدت‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تسير‭ ‬عليها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬ستدخل‭ ‬بركة‭ ‬ماء،‭ ‬فرفعت‭ ‬ملابسها‭ ‬محاولة‭ ‬لتجنب‭ ‬البلل،‭ ‬وهنا‭ ‬كشف‭ ‬لها‭ ‬سيدنا‭ ‬سليمان‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬النقي‭ ‬جدًا‭. ‬

15‭. ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ؛‭ ‬وحينئذ‭ ‬عرفت‭ ‬أنها‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬نبي‭ ‬مرسل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فآمنت،‭ ‬واعترفت‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬خطأ،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬سمات‭ ‬القادة‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬وجدناها‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬القائد،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬أي‭ ‬امرأة‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قائدة‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا