العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المسلمون.. وتداعي الأمم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لماذا‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين‭ ‬متخلفون‭ ‬عن‭ ‬ركب‭ ‬الأمم‭ ‬الهادر‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬التقدم،‭ ‬ومجالات‭ ‬التمدن؟‭!.‬

لماذا‭ ‬غيرنا‭ ‬يتقدم،‭ ‬ونحن‭ ‬نتخلف؟‭.‬

لماذا‭ ‬نحن‭ ‬مهزومون‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬حروبنا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وأعداؤنا‭ ‬ينتصرون‭ ‬في‭ ‬حروبهم‭ ‬العسكرية؟‭.‬

لماذا‭ ‬سجل‭ ‬جوائز‭ ‬نوبل‭ ‬مليئة‭ ‬بأسماء‭ ‬العلماء‭ ‬اليهود‭ ‬رغم‭ ‬قلة‭ ‬عددهم‭ ‬إحصائيًّا‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬المسلمين؟‭!.‬

أسئلة‭ ‬طالما‭ ‬شغلتنا‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين‭ ‬ولَم‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬أجوبة‭ ‬شافية‭ ‬تشفي‭ ‬غليلنا،‭ ‬وتطمئن‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وتبعث‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬صدورنا‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬كبوتنا،‭ ‬واستعادة‭ ‬وعينا‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬حولنا‭.‬

هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬نبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬أجوبة‭ ‬شافية‭ ‬ومقنعة‭ ‬تضع‭ ‬أقدامنا‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬لمآلات‭ ‬الوعي‭ ‬الحضاري‭.. ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬توقظ‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬سباتها،‭ ‬وتنهض‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬صحوة‭ ‬حضارية‭ ‬تعيد‭ ‬أمجاد‭ ‬الماضي‭ ‬السعيد،‭ ‬وتؤسس‭ ‬لنهضة‭ ‬حضارية‭ ‬جديدة‭ ‬تضع‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬ومكانتها‭ ‬الصحيحة‭ ‬لتلهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تستلهم‭ ‬إمكاناتها‭ ‬المخبوءة‭ ‬في‭ ‬رفد‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬وجودها،‭ ‬ويقوي‭ ‬أركانها‭.‬

وقبل‭ ‬محاولة‭ ‬النهوض‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نشخص‭ ‬داء‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وأسباب‭ ‬تدهور‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭ ‬قياسًا‭ ‬بالأمم‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬استعادت‭ ‬وعيها‭ ‬الحضاري،‭ ‬وأسهمت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتكون‭ ‬ركنًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬المحكم‭ ‬والمتقدم،‭ ‬وخير‭ ‬من‭ ‬يشخص‭ ‬حالة‭ ‬الأمة،‭ ‬ويصف‭ ‬لها‭ ‬الدواء‭ ‬الناجع‭ ‬هو‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لأنه‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭ ‬يملك‭ ‬أدوات‭ ‬التشخيص،‭ ‬وأسباب‭ ‬العلاج‭ ‬الصحيح،‭ ‬وشفاء‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬أدوائها‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬كفاءة‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬يستلهم‭ ‬الرشد‭ ‬من‭ ‬الوحي‭ ‬المقدس‭.. ‬يقول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يوشك‭ ‬الأمم‭ ‬أن‭ ‬تداعى‭ ‬عليكم‭ ‬كما‭ ‬تداعى‭ ‬الأكلة‭ ‬إلى‭ ‬قصعتها،‭ ‬فقال‭ ‬قائل‭: ‬ومن‭ ‬قلة‭ ‬نحن‭ ‬يومئذٍ؟‭ ‬قال‭: ‬بل‭ ‬أنتم‭ ‬يومئذٍ‭ ‬كثير،‭ ‬ولكنكم‭ ‬غثاء‭ ‬كغثاء‭ ‬السيل،‭ ‬ولينزعن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬عدوكم‭ ‬المهابة‭ ‬منكم،‭ ‬وليقذفن‭ ‬في‭ ‬قلوبكم‭ ‬الوهن،‭ ‬فقال‭ ‬قائل‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭: ‬وما‭ ‬الوهن؟‭ ‬قال‭: ‬حب‭ ‬الدنيا‭ ‬وكراهية‭ ‬الموت‮»‬‭ ‬الألباني‭. / ‬السلسلة‭ ‬الصحيحة‭.‬

هذا‭ ‬التشخيص‭ ‬لأحوال‭ ‬الأمة،‭ ‬ولأسباب‭ ‬ضعفها،‭ ‬ووهنها‭ ‬يثير‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬القلقة‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬مخرج‭ ‬يصلح‭ ‬أحوالنا،‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬نهضتنا،‭ ‬ويسدد‭ ‬خطواتنا‭ ‬على‭ ‬سواء‭ ‬السبيل‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬لنا‭ ‬الغاية‭ ‬المنشودة‭ ‬منه؟‭.‬

نعم‭ ‬بإمكان‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬ينهضوا‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ويحدثوا‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الأمة‭ ‬ما‭ ‬يعينها‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬الضعف‭ ‬والوهن،‭ ‬ليعيدوا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موقفهم‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬والحياة،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحبوا‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬إطلاقها،‭ ‬ويكرهوا‭ ‬الموت‭ ‬على‭ ‬إطلاقه‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يحبوا‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬لذاتها‭ ‬بل‭ ‬لكونها‭ ‬وسيلة‭ ‬ومطية‭ ‬يمتطيها‭ ‬الإنسان‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬يرجوها‭ ‬وهي‭ ‬الآخرة،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نكره‭ ‬الموت‭ ‬على‭ ‬إطلاقه‭ ‬،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نحب‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬القائد‭ ‬الملهم‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬الوليد‭ ‬لقائد‭ ‬الروم‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬‮«‬جئتك‭ ‬بقوم‭ ‬يحبون‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كما‭ ‬تحبون‭ ‬الحياة‭!‬‮»‬‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أبوبكر‭ ‬الصدِّيق‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬للجيش‭ ‬المتوجه‭ ‬لقتال‭ ‬العدو‭: ‬‮«‬احرصوا‭ ‬على‭ ‬الموت‭ ‬توهب‭ ‬لكم‭ ‬الحياة‭!‬‮»‬‭.‬

نعم‭ ‬تستطيع‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬وعيها‭ ‬الحضاري،‭ ‬وأن‭ ‬تبعث‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لأنها‭ ‬تملك‭ ‬مقومات‭ ‬هذا‭ ‬النهوض،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانات‭: ‬عقيدة‭ ‬صحيحة‭ ‬راسخة،‭ ‬ووعي‭ ‬حضاري‭ ‬متجدد،‭ ‬وقيم‭ ‬أصيلة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬في‭ ‬توازن‭ ‬عظيم‭ ‬وعجيب‭ ‬لا‭ ‬ترفض‭ ‬الجديد‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬جديد،‭ ‬ولا‭ ‬تتمسك‭ ‬بالقديم‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬قديم‭ ‬وإرث‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬بل‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬القديم‭ ‬ما‭ ‬يحافظ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أصالتها‭ ‬ووجودها،‭ ‬ومن‭ ‬الجديد‭ ‬ما‭ ‬يعينها‭ ‬على‭ ‬الرؤية‭ ‬المستقبلية‭ ‬الواعدة‭ ‬والحكيمة‭. ‬

والعجيب‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬وصلنا‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭. (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬عن‭ ‬تداعي‭ ‬الأمم‭ ‬علينا‭ ‬أسباب‭ ‬الشفاء،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الضعف‭ ‬والوهن‭ ‬حب‭ ‬الدنيا‭ ‬كغاية،‭ ‬وكراهية‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نستلهم‭ ‬العلاج‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬أسباب‭ ‬المرض،‭ ‬فيكو‭ ‬ن‭ ‬لنا‭ ‬موقف‭ ‬مغاير‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬أن‭ ‬نكره‭ ‬الحياة‭ ‬كغاية،‭ ‬وأن‭ ‬نحب‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وبهذا‭ ‬يعتدل‭ ‬ميزان‭ ‬الإيمان،‭ ‬وتستقيم‭ ‬خطوات‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الحق،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها‭ ‬من‭ ‬الريادة‭ ‬والقيادة،‭ ‬وتعيد‭ ‬للحق‭ ‬هيبته،‭ ‬ويزهق‭ ‬الباطل‭ ‬إن‭ ‬الباطل‭ ‬كان‭ ‬‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬‭ ‬زاهقًا‭.‬

إن‭ ‬التقدم‭ ‬إرادة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التخلف‭ ‬إرادة،‭ ‬وكذلك‭ ‬النصر‭ ‬إرادة‭ ‬والهزيمة‭ ‬إرادة،‭ ‬فإذا‭ ‬أخذ‭ ‬المسلمون‭ ‬بأسباب‭ ‬النصر‭ ‬والتقدم‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬يرجونه‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬وانتصار،‭ ‬وإذا‭ ‬هم‭ ‬فرطوا‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولم‭ ‬يُفَعِلوا‭ ‬ما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬تخلفوا‭ ‬وهزموا،‭ ‬وتأملوا‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وهو‭ ‬يقرر‭ ‬حقيقة‭ ‬إيمانية‭ ‬لا‭ ‬تتخلف‭ ‬وهي‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬ينصركم‭ ‬الله‭ ‬فلا‭ ‬غالب‭ ‬لكم‭ ‬وإن‭ ‬يخذلكم‭ ‬فمن‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬ينصركم‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬وعلى‭ ‬الله‭ ‬فليتوكل‭ ‬المؤمنون‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬160‭.‬

حين‭ ‬يكل‭ ‬المسلمون‭ ‬أمرهم‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬ويتخذون‭ ‬الأسباب‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬منتصرون،‭ ‬ولن‭ ‬يغلبهم‭ ‬غالب‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوته‭ ‬واستعداده،‭ ‬وتميزه‭ ‬بالعدد‭ ‬والعدة‭ ‬لأن‭ ‬النصر‭ ‬بيد‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬والقانون‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وأعدائهم‭ ‬هو‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬إن‭ ‬تنصروا‭ ‬الله‭ ‬ينصركم‭ ‬ويثبت‭ ‬أقدامكم‭) ‬محمد‭ / ‬7‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا