العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

روسيا ملاذ شباب الجمهوريات السوفيتية السابقة

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬انهيار‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬وتفككه‭ ‬وانقسامه‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬جمهورية‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عاشت‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬خصوصا‭ ‬جمهوريات‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬اعتمادا‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬المركز‭ ‬ضمن‭ ‬الميزانية‭ ‬الاتحادية‭ ‬لبلاد‭ ‬السوفييت‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬أغلب‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وغياب‭ ‬الأمن‭ ‬وسيطرة‭ ‬المافيا‭ ‬وانتشار‭ ‬الفساد‭ ‬الإداري‭ ‬والمالي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انسداد‭ ‬الأفق‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬عالية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الدولة‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والحماية‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وحتى‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬الأخرى‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬تضررت‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الانهيار‭ ‬المدوي‭ ‬والسريع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬جمهوريات‭ ‬متعددة‭ ‬الأعراق‭ ‬والقوميات‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬السوفيتية‭ ‬إلى‭ ‬إن‭ ‬عادت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬وتجاوزت‭ ‬أغلب‭ ‬الجمهوريات‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬البطالة‭ ‬ظلت‭ ‬أكبر‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬شعوب‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة،‭ ‬ولذلك‭ ‬رأى‭ ‬أغلب‭ ‬الشباب‭ ‬العاطل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬ملاذا‭ ‬لهم‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬شبح‭ ‬البطالة‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عجز‭ ‬دولهم‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭ ‬مستغلين‭ ‬التسهيلات‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬لمواطني‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬للتنقل‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭ ‬ويسر‭ ‬ودون‭ ‬تعقيدات‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬جمهورية‭ ‬من‭ ‬جمهوريات‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق،‭ ‬ولذلك‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭ ‬ملايين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬وخصوصا‭ ‬جمهوريات‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأماكن‭ ‬ويشغلون‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الروسي‭ ‬ويعزف‭ ‬عنها‭ ‬المواطنون‭ ‬الروس‭ ‬لتكون‭ ‬محصورة‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭.‬

وللهجرة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اتقان‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬لتسهيل‭ ‬عملية‭ ‬العيش‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أعدادا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬يلتحقون‭ ‬بالمدارس‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬لتكون‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬وسيلة‭ ‬أساسية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬ومدن‭ ‬روسيا‭ ‬المختلفة‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الشواغر‭ ‬والوظائف‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الروسي‭ ‬خصوصا‭ ‬وإن‭ ‬روسيا‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬وعدد‭ ‬سكانها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬147‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬وتشهد‭ ‬حركة‭ ‬عمرانية‭ ‬كبيرة‭ ‬وعملية‭ ‬تحسين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لمختلف‭ ‬المدن‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عزوف‭ ‬الشباب‭ ‬الروس‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬ليحتلها‭ ‬شباب‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬وخصوصا‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬جمهوريات‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البناء‭ ‬والإنشاءات‭ ‬وسائقي‭ ‬الشاحنات‭ ‬وسائقي‭ ‬سيارات‭ ‬الأجرة‭ ‬والعاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفندقة‭ ‬والمطاعم‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬مواطنا‭ ‬روسيا‭ ‬يشغل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬قصرا‭ ‬على‭ ‬الوافدين‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وتشير‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬7‭ ‬ملايين‭ ‬شخص‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬السوق‭ ‬الروسية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬أعداد‭ ‬أكبر‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬للعمل‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية‭ ‬بصدد‭ ‬تقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التسهيلات‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬وحتى‭ ‬الجماعات‭ ‬والأحزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ضد‭ ‬استخدام‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬وجهة‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬الحاجة‭ ‬الشديد‭ ‬للعمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الروسي‭.‬

زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬إيجابية‭ ‬على‭ ‬العمال‭ ‬الأجانب‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬رواتبهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬مشكلة‭ ‬السكن‭ ‬وارتفاع‭ ‬الإيجارات‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبيرة‭ ‬مثل‭ ‬موسكو‭ ‬وسانت‭ ‬بطرسبورج‭ ‬مما‭ ‬يضطر‭ ‬العمال‭ ‬للسكن‭ ‬في‭ ‬شقق‭ ‬صغيرة‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭.‬

إن‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬تسهم‭ ‬بكل‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الإنشائية‭ ‬والعمرانية‭ ‬الروسية‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الخدمات‭ ‬ولا‭ ‬تشكل‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الروسي‭ ‬وكل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬سوف‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬الجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محدودية‭ ‬سكان‭ ‬روسيا‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وازدهار‭ ‬الحركة‭ ‬الإنشائية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬واحتياجات‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا