العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

غزة الأبية ليست «نو مانز لاند»

إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬مدى‭ ‬الانحطاط‭ ‬والهمجية‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والغرب،‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ما‭ ‬علينا‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬نتابع‭ ‬التصورات‭ ‬التي‭ ‬يناقشونها‭ ‬ويطرحونها‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬غزة،‭ ‬أي‭ ‬مصيرها‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الحالية‭.‬

الصهاينة‭ ‬والقادة‭ ‬الغربيون‭ ‬يطرحون‭ ‬يوميا‭ ‬أفكارا‭ ‬وتصورات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬مسلمات‭ ‬ومن‭ ‬المفروض‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬يرضخ‭ ‬لها‭ ‬ويقبلها‭ ‬بلا‭ ‬نقاش‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬ذروة‭ ‬الهمجية‭.‬

الفكرة‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬يطرحونها‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬بحكم‭ ‬غزة‭.‬

حماس‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭. ‬الصهاينة‭ ‬والغربيون‭ ‬يريدون‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬وطردها‭ ‬نهائيا‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬مستقبلا‭ ‬فقط‭ ‬لأنها‭ ‬ارتكبت‭ ‬جريمة‭ ‬مروعة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭. ‬الجريمة‭ ‬أنها‭ ‬مارست‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬يكفله‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الخاضع‭ ‬للاحتلال‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬المحتل‭ ‬الغاصب‭ ‬بكل‭ ‬السبل‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭. ‬جريمتها‭ ‬أنها‭ ‬لقنت‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬درسا‭ ‬موجعا‭.‬

أن‭ ‬يقرر‭ ‬الصهاينة‭ ‬والغرب‭ ‬بأنفسهم‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬وألا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬قمة‭ ‬الاحتقار‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وقمة‭ ‬الاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬الغاب‭ ‬والقوة‭ ‬والإرهاب‭.‬

وكل‭ ‬التصورات‭ ‬التي‭ ‬يطرحونها‭ ‬لمستقبل‭ ‬غزة‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬وتحمل‭ ‬نفس‭ ‬المعنى‭. ‬

أحد‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬السيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬عزة،‭ ‬وتتولى‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬السيطرة‭ ‬السياسية‭.‬

طرح‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬يعني‭ ‬أنهم‭ ‬يريدون‭ ‬إضفاء‭ ‬شرعية‭ ‬على‭ ‬احتلال‭ ‬غاشم‭ ‬لا‭ ‬شرعية‭ ‬له،‭ ‬ويريدون‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وأن‭ ‬تتولى‭ ‬مسئولية‭ ‬حماية‭ ‬الاحتلال‭.‬

خيار‭ ‬آخر‭ ‬تم‭ ‬طرحه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬مسئولية‭ ‬إدارة‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

بهذا‭ ‬الخيار‭ ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تقر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬بل‭ ‬بالمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬كله،‭ ‬وأن‭ ‬تتولى‭ ‬أيضا‭ ‬حماية‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬وهذا‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭.‬

أحد‭ ‬الخيارات‭ ‬أيضا‭ ‬وضع‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬الدولية‭. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬وضع‭ ‬القطاع‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬الغربية‭ ‬أساسا‭. ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬يراد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غزة‭ ‬تحت‭ ‬الإدارة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬المباشرة‭ ‬الغربية‭ ‬الصهيونية‭.‬

الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬غزة‭ ‬ويتحدثون‭ ‬عن‭ ‬مصيرها‭ ‬ومستقبلها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬أرضا‭ ‬بلا‭ ‬صاحب‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬بـ«نو‭ ‬مانز‭ ‬لاند‭ ‬No‭- ‬Man’s‭- ‬Land‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬التعبير‭ ‬ظهر‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬ويعني‭ ‬الأرض‭ ‬المهجورة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يسكنها‭ ‬أحد‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬صاحب‭ ‬ولا‭ ‬سيادة‭ ‬لأحد‭ ‬عليها‭.‬

لكن‭ ‬غزة‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬نو‭ ‬مانز‭ ‬لاند‮»‬‭. ‬غزة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وطن‭ ‬عربي‭ ‬اسمه‭ ‬فلسطين‭.. ‬غزة‭ ‬يسكنها‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬حر‭ ‬أبي‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬حافل‭.. ‬غزة‭ ‬أهلها‭ ‬صامدون‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬المجازر‭ ‬ورغم‭ ‬صور‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬سيقررون‭ ‬مصيرها‭ ‬ومستقبلها‭.‬

المهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬الهمجي‭ ‬بين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأمريكا‭ ‬وباقي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬غزة،‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬أمرين‭ ‬رئيسيين‭:‬

الأول‭: ‬إن‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭ ‬اجتمعت‭ ‬إرادته‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬صفا‭ ‬واحدا‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬سعيه‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الآن‭ ‬ومستقبلا‭.‬

والثاني‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬يكشف‭ ‬الزيف‭ ‬الكامل‭ ‬لادعاء‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬بأنها‭ ‬تؤيد‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقبلا‭. ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ادعاؤهم‭ ‬صحيحا‭ ‬لما‭ ‬طرحوا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التصورات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬غزة‭. ‬غزة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬مستقبل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭.‬

حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬إنهم‭ ‬أغلقوا‭ ‬ملف‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولن‭ ‬يسمحوا‭ ‬بقيامها‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الخيار‭ ‬لهم‭ ‬والأمر‭ ‬بيدهم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا