العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ضرورة ترشيد منظومة الهدايا والمناسبات

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ١٧ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬اتسع‭ ‬نطاقها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وأصبحت‭ ‬لا‭ ‬تطاق‭ ‬ولا‭ ‬تحتمل‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬ظاهرة‭ ‬كثرة‭ ‬الهدايا‭ ‬والمناسبات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬معنى‭ ‬أو‭ ‬مضمون‭ ‬إلا‭ ‬إهدار‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬صعبة‭.‬

فإذا‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نختلف‭ ‬على‭ ‬حاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الفرح‭ ‬والاستقبال‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬المهمة‭ ‬مثل‭ ‬النجاح‭ ‬والزواج‭ ‬وأعياد‭ ‬الميلاد‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬المعروفة‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الوهمية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬مثل‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬أو‭ ‬انتهاء‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية‭ ‬أو‭ ‬إنهاء‭ ‬مرحلة‭ ‬دراسية‭ ‬معينة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭  ‬أو‭ ‬مناسبة‭ ‬الطلاق‭  ‬حيث‭ ‬تدعو‭ ‬المطلقة‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬حفل‭ ‬كبير‭ ‬تقام‭ ‬فيه‭ ‬الأفراح‭ ‬والليالي‭ ‬الملاح‭ ‬وتوزع‭ ‬فيه‭ ‬الهدايا‭ ‬وترفع‭ ‬فيه‭ ‬الزغاريد‭ ‬وتبث‭ ‬فيه‭ ‬الأغاني‭ ‬ويتم‭ ‬تصوير‭ ‬ذلك‭ ‬وبثه‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتتفاخر‭ ‬المطلقة‭ ‬بما‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬هدايا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬السعيدة‭ ‬الغريبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬العجيب‭.‬

كما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬كذلك‭ ‬كثرة‭ ‬الهدايا‭ ‬المطلوب‭ ‬توفيرها‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬النساء‭ ‬والبنات‭ ‬تحديدا‭ ‬فكل‭ ‬فتاة‭ ‬لها‭ ‬جدول‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعد‭ ‬لها‭ ‬الهدايا‭ ‬الثمينة‭ ‬فتقدمها‭ ‬هكذا‭ ‬اعتباطًا‭.‬

فإذا‭ ‬كنا‭ ‬نتقبل‭ ‬أو‭ ‬نتفهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬هذه‭ ‬المجاملات‭ ‬مثل‭ ‬الورود‭ ‬البسيطة‭ ‬غير‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬بطاقات‭ ‬التهنئة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الرمزية‭ ‬فإن‭ ‬الخطر‭ ‬بات‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬لما‭ ‬أصبحت‭ ‬الهدايا‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكال‭ ‬الذهب‭ ‬والفضة‭ ‬والساعات‭ ‬الثمينة‭ ‬والهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن‭ ‬والأموال‭ ‬التي‭ ‬تنفق‭ ‬هكذا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬فائدة‭ ‬أو‭ ‬مبرر‭ ‬أو‭ ‬جدوى‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يتطلب‭ ‬ميزانية‭ ‬وموازنة‭ ‬لمصروفات‭ ‬البيت‭ ‬والعائلة‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الموظف‭ ‬البسيط‭ ‬ينفق‭ ‬على‭ ‬أهله‭ ‬وبيته‭ ‬300‭ ‬دينار‭ ‬شهريا‭ ‬فإن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬مبالغ‭ ‬أخرى‭ ‬للمناسبات‭ ‬والهدايا‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬محرجا‭ ‬لأنه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التفاخر‭ ‬والادعاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬النساء‭ ‬والبنات‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬فإذا‭ ‬قصرت‭ ‬إمكانيات‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الأموال‭ ‬اللازمة‭ ‬لهذه‭ ‬الهدايا‭ ‬الباهظة‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حرج‭ ‬أمام‭ ‬زوجته‭ ‬وبناته‭ ‬وإنهم‭ ‬سيشعرون‭ ‬بالحرج‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يشاركوا‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬دعوتهم‭ ‬إليها‭ ‬ولم‭ ‬يباركوا‭ ‬لمن‭ ‬دعوهم‭ ‬والسبب‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬تلك‭ ‬الهدايا‭.‬

ولأن‭ ‬المقاربة‭ ‬تفيد‭ ‬ذوي‭ ‬العقول‭ ‬الراجحة‭ ‬فإن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬يحتفلون‭ ‬بمناسبات‭ ‬عديدة‭ ‬ولكن‭ ‬الهدايا‭ ‬التي‭ ‬يقدمونها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬هي‭ ‬هدايا‭ ‬رمزية‭ ‬وبسيطة‭ ‬قد‭ ‬تأخذ‭ ‬شكل‭ ‬بطاقة‭ ‬التهنئة‭ ‬أو‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬باقة‭ ‬ورد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬البسيطة‭ ‬المقدور‭ ‬عليها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬الشخص‭ ‬أي‭ ‬تكاليف‭ ‬كبيرة‭ ‬تسبب‭ ‬له‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬ميزانيته‭.‬

أما‭ ‬نحن‭ ‬فظاهرة‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬مزعج‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المناسبات‭ ‬ترتبط‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬الأعم‭ ‬بالأعياد‭ ‬الدينية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مناسبات‭ ‬الزواج‭ ‬والإنجاب‭ ‬وبذلك‭ ‬يكون‭ ‬عددها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭  ‬فلا‭ ‬تكون‭ ‬مرهقة‭ ‬والمشكلة‭ ‬الثانية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬الغريبة‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬الهدايا‭ ‬وتكلفتها‭ ‬فأصبحت‭ ‬الهدايا‭ ‬الرمزية‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬بل‭ ‬ومدعاة‭ ‬للسخرية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬تجلب‭ ‬المشاكل‭ ‬وتتسبب‭ ‬في‭ ‬الخلافات‭ ‬أو‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الزعل‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬العقل‭ ‬يقول‭ ‬بضرورة‭ ‬توفير‭ ‬المناسبات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عددها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬لدينا‭ ‬مناسبة‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬الزيارات‭ ‬الشخصية‭ ‬والعائلية‭ ‬العادية‭ ‬لها‭ ‬هداياها‭ ‬الخاصة‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬العائلة‭ ‬فيها‭ ‬20‭ ‬طفلا‭ ‬فمعناها‭ ‬20‭ ‬حفلة‭ ‬عيد‭ ‬ميلاد‭ ‬و20‭ ‬هدية‭ ‬ومعناها‭ ‬تكاليف‭ ‬مادية‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬توفيرها‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المحدودة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬العائلات‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المناسبات‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬عيد‭ ‬الزواج‭ ‬وعيد‭ ‬الأسرة‭ ‬وعيد‭ ‬الأم‭ ‬وعيد‭ ‬الأب‭ ‬والقائمة‭ ‬تطول‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا