العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إسرائيل دولة حرب والعنف لغتها

بقلم: فاروق يوسف

السبت ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

أمام‭ ‬اعتراف‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بحق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬صارت‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬محو‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬كفاح‭ ‬مضن،‭ ‬استمر‭ ‬عقودا‭. ‬لقد‭ ‬استغلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬وقعها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وبالأخص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تخليهم‭ ‬عن‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬لتزيد‭ ‬من‭ ‬رقعة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تحتلها‭ ‬وتبني‭ ‬مستوطنات‭ ‬جديدة‭ ‬ولم‭ ‬تقدم‭ ‬واقعيا‭ ‬أي‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬سلام‭ ‬عادل،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬دولة‭ ‬حرب،‭ ‬تغير‭ ‬قواتها‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬الذي‭ ‬آمل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقيموا‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭ ‬عليه‭.‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬حاصرت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مقر‭ ‬الرئيس‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬احترام‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬مما‭ ‬تسميه‭ ‬تنازلات‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭ ‬التوسعي‭ ‬الاستيطاني‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وقعوه‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وبإشراف‭ ‬دولي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬خديعة‭ ‬وأنهم‭ ‬لن‭ ‬يحصدوا‭ ‬من‭ ‬التنازلات‭ ‬التي‭ ‬قدموها‭ ‬سوى‭ ‬الريح‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬وقعوها‭ ‬لن‭ ‬يقف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم،‭ ‬بل‭ ‬سيفعل‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تماما‭ ‬وسيخذلهم‭.‬

لقد‭ ‬تُرك‭ ‬الرئيس‭ ‬عرفات‭ ‬يومها‭ ‬وحيدا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مات‭. ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬خروجهم‭ ‬بشيء‭ ‬ذي‭ ‬قيمة،‭ ‬يستحق‭ ‬الذكر‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬بدت‭ ‬وكأنها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬الطرشان‭. ‬ولهذا‭ ‬انتهت‭ ‬المفاوضات‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬تواطأ‭ ‬الطرفان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والفلسطيني‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إعلانه‭ ‬تحاشيا‭ ‬لاندلاع‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬أخرى‭. ‬

واقعيا‭ ‬كانت‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬وإدارة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محتلة‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكف‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عن‭ ‬اجتياحها‭ ‬بذريعة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تزعمها‭ ‬منذ‭ ‬موت‭ ‬الرئيس‭ ‬عرفات‭ ‬مهندس‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬ثقة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالسلطة‭ ‬التي‭ ‬أوكلوا‭ ‬لها‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضيتهم‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬دولتهم‭. ‬لقد‭ ‬تبين‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬أفقدتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬خارج‭ ‬الإشراف‭ ‬الإداري‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬غطاء‭ ‬لاحتلال‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أشد‭ ‬خطرا‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬المعلن،‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬اعتراف‭ ‬مبطن‭ ‬بحق‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬التمدد‭ ‬وإنشاء‭ ‬مستوطنات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬يُفترض‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬المستقبلية‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬صاروا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬المنشودة‭ ‬لن‭ ‬ترى‭ ‬النور‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬السلطة‭ ‬قائمة‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬صنعته‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ساعدتها‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السلطة‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬مرت‭ ‬ثلاثون‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬انخفضت‭ ‬مستويات‭ ‬الأمل‭ ‬لدى‭ ‬فلسطينيي‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬فالدولة‭ ‬التي‭ ‬بشر‭ ‬بها‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬صارت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬غرفة‭ ‬إنعاش‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬أقامته‭ ‬إسرائيل‭ ‬بديلا‭ ‬للحلم‭ ‬الفلسطيني‭.‬

هل‭ ‬ستأسف‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأنها‭ ‬دفعت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬خيار‭ ‬العنف؟‭ ‬سأقول‭ ‬ثانية‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬حرب،‭ ‬أنشأتها‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭ ‬لتكون‭ ‬كذلك‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مَن‭ ‬اغتصبت‭ ‬أرضه‭ ‬وشردته‭ ‬ودمرت‭ ‬مستقبله‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬غصن‭ ‬الزيتون‭ ‬الذي‭ ‬رفعه‭ ‬عرفات‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

ما‭ ‬صار‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬قاعدة‭ ‬للتفاهم‭ ‬معهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الكثيرين‭ ‬منهم‭ ‬يأسا‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬إيمانا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقفوا‭ ‬وراء‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭. ‬ولكنها‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬عملت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ترسيخه‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬تنازلت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬عن‭ ‬ثوابت‭ ‬كثيرة‭ ‬باسمه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقبض‭ ‬شيئا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬حول‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬مأساة‭ ‬مستمرة‭. ‬هناك‭ ‬تستمر‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تريدها‭ ‬إسرائيل‭ ‬قاعدة‭ ‬لعلاقتها‭ ‬بالفلسطينيين‭.‬

وكما‭ ‬أرى‭ ‬فإن‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬فصولها‭ ‬مستمرة،‭ ‬قتلا‭ ‬وتشريدا‭ ‬وتدميرا‭ ‬وخرابا،‭ ‬لن‭ ‬تشكل‭ ‬بداية‭ ‬لانفتاح‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬استمرار‭ ‬العنف‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬معالجته‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬للمسألة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬مسلسل‭ ‬طويل‭ ‬تراه‭ ‬إسرائيل‭ ‬منسجما‭ ‬مع‭ ‬وجودها،‭ ‬دولة‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬معها‭ ‬محاولات‭ ‬السلام‭ ‬العربي‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا