العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عن سيناريوهات ما بعد الحرب

بقلم: نهاد أبو غوش

الاثنين ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

تبدي‭ ‬عديد‭ ‬الدوائر‭ ‬السياسية‭ ‬الغربية‭ ‬اهتمامها‭ ‬بمستقبل‭ ‬غزة‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تظهر‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬والتهجير‭ ‬والتدمير‭ ‬التي‭ ‬تقترفها‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬يوميا‭ ‬وعلى‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد‭.  ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬الاهتمامات‭ ‬مفهومة‭ ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وداعما‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الصعد‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والمالية‭ ‬والدعائية‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬مفهوما‭ ‬هو‭ ‬انهماك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬العالمية‭ ‬ومعها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬بذلك‭ ‬بينما‭ ‬المقتلة‭ ‬مستمرة‭ ‬ويمكن‭ ‬وقفها‭ ‬أو‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬الكارثية،‭ ‬وكأنه‭ ‬بات‭ ‬مسلما‭ ‬بأن‭ ‬الترجمة‭ ‬العملية‭ ‬للشعار‭ ‬الزائف‭ ‬‮«‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتهجيره‭ ‬وتدمير‭ ‬بيوته‭ ‬ومرافقه‭.‬

الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للاستغراب‭ ‬والدهشة‭ ‬مشاركة‭ ‬سياسيين‭ ‬وأكاديميين‭ ‬عرب‭ ‬وفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬سيناريوهات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ (‬أي‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬إكمال‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأهدافها‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حماس‭)‬،‭ ‬وكأن‭ ‬الحديث‭ ‬يجري‭ ‬عن‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬أو‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭.‬

في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السيناريوهات‭ ‬إياها،‭ ‬تعرض‭ ‬الدوائر‭ ‬الفاشية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬عدة‭ ‬خيارات‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تسليم‭ ‬غزة‭ ‬لسلطة‭ ‬مدنية‭ ‬محلية‭ (‬غير‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬ممثلي‭ ‬العائلات‭ ‬والحمائل‭ ‬الغزاوية‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬لهيئة‭ ‬دولية‭ ‬كالأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬ويبدو‭ ‬خيار‭ ‬عودة‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لولاية‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬الأقل‭ ‬تفضيلا‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬يصر‭ ‬مسؤولوها‭ ‬على‭ ‬ترداد‭ ‬عبارة‭ ‬أن‭ ‬لجيشهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬والخروج‭ ‬متى‭ ‬شاء‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات،‭ ‬وهي‭ ‬صيغة‭ ‬تماثل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المصنفة‭ (‬ب‭) ‬في‭ ‬الضفة‭.‬

ويجدر‭ ‬بنا‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬مُفلترا‭ ‬ومنمّقا‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يوظفون‭ ‬تصريحاتهم‭ ‬ضمن‭ ‬حملتهم‭ ‬الحربية،‭ ‬ومحاولات‭ ‬اكتساب‭ ‬تعاطف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تحديدا،‭ ‬بل‭ ‬علينا‭ ‬الانتباه‭ ‬لما‭ ‬يتفوّه‭ ‬به‭ ‬يوميا‭ ‬وزراء‭ ‬وأعضاء‭ ‬كنيست‭ ‬وجنرالات‭ ‬في‭ ‬الاحتياط‭ ‬ومحللون‭ ‬وصحفيون،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الرغبة‭ ‬برؤية‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬بشر‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الجنرال‭ ‬جيورا‭ ‬آيلاند،‭ ‬أو‭ ‬قصف‭ ‬غزة‭ ‬بقنبلة‭ ‬ذرية‭ ‬كما‭ ‬طالب‭ ‬الوزير‭ ‬عميحاي‭ ‬الياهو،‭ ‬إلى‭ ‬تكبيد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ثمن‭ ‬ما‭ ‬فعلوا‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬باقتطاع‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬كما‭ ‬دعا‭ ‬الوزير‭ ‬جدعون‭ ‬ساعر‭.‬

التركيز‭ ‬على‭ ‬بديهية‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬المعني‭ ‬بتقرير‭ ‬مستقبله،‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭ ‬عاطفي‭ ‬أو‭ ‬إنشائي،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬لغو‭ ‬زائد‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭. ‬فشعب‭ ‬صاحب‭ ‬تجربة‭ ‬سياسية‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬ولديه‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬وأشكال‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬ما‭ ‬يغنيه‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وصاية‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬غريبا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬قريبا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬أفكار‭ ‬ومشاريع‭ ‬توحي‭ ‬أن‭ ‬شعبنا‭ ‬لم‭ ‬يبلغ‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬بعد‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬شؤونه‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬أو‭ ‬مؤقت،‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬ونتائجه،‭ ‬وكان‭ ‬الأحرى‭ ‬بهؤلاء‭ ‬المعنيين‭ ‬بمستقبل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أن‭ ‬يبذلوا‭ ‬جهودهم‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬المذابح‭ ‬والمجازر‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمدنيين‭ ‬تحت‭ ‬سمع‭ ‬العالم‭ ‬وبصره‭.‬

وما‭ ‬دام‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬هم‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬شؤونهم‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬آلاف‭ ‬الأشخاص‭ ‬العالقين‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض‭ ‬فمنهم‭ ‬شهداء‭ ‬ومنهم‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬أحياء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬بمستقبلهم‭ ‬ومستقبل‭ ‬غزة،‭ ‬وكذلك‭ ‬حال‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضين‭ ‬والمسعفين‭ ‬وعمال‭ ‬الإنقاذ‭ ‬والإغاثة‭ ‬الذين‭ ‬أنهكهم‭ ‬التعب‭ ‬والإعياء‭ ‬فوصلوا‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬وهم‭ ‬يقومون‭ ‬بواجباتهم‭ ‬الإنسانية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬أبناء‭ ‬شعبهم‭ ‬وسط‭ ‬شروط‭ ‬مستحيلة،‭ ‬ولا‭ ‬يملكون‭ ‬الآن‭ ‬ترف‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الساسة‭ ‬والمفكرون‭ ‬في‭ ‬صالوناتهم‭ ‬ومكاتبهم‭ ‬الوثيرة‭. ‬ونفس‭ ‬الحق‭ ‬يملكه‭ ‬مئات‭ ‬آلاف‭ ‬النازحين‭ ‬الذي‭ ‬ينصبّ‭ ‬تركيزهم‭ ‬حاليا‭ ‬على‭ ‬لملمة‭ ‬أسرهم‭ ‬المشتتة،‭ ‬أو‭ ‬تأمين‭ ‬كسرة‭ ‬خبز‭ ‬أو‭ ‬شربة‭ ‬ماء‭ ‬أو‭ ‬سقف‭ ‬يغطي‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وأطفالهم‭.‬

في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬سيناريوهات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إفلات‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأفعالها‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬اقترفتها،‭ ‬فثمة‭ ‬شهادات‭ ‬موثقة‭ ‬ودامغة‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهي‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬واستهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬بشكل‭ ‬مقصود‭ ‬ودون‭ ‬تمييز‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬المقاتلين،‭ ‬وجريمة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتهجير،‭ ‬وجريمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الجماعية‭ ‬بحرمان‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬والغذاء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والدواء‭ ‬والوقود‭. ‬فقد‭ ‬رصدت‭ ‬ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬منظمة‭ ‬أممية‭ ‬عاملة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬ووثقتها،‭ ‬وهناك‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬كريم‭ ‬خان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يُعرف‭ ‬عنه‭ ‬أبدا‭ ‬انحيازه‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬معاداته‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬توفّر‭ ‬دلائل‭ ‬وبينات‭ ‬قوية‭ ‬لقيام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭. ‬لدينا‭ ‬إذاً‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬والمحاكم‭ ‬الوطنية‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص‭ ‬بجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الدولية،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستدرج‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬لن‭ ‬تزيد‭ ‬بشكل‭ ‬نوعي‭ ‬ولا‭ ‬كمي‭ ‬عما‭ ‬تعرضنا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬كثيرة‭ ‬سابقة،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬الذكر‭ ‬أمام‭ ‬هول‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬شعبنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

‭ ‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا