العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

العدوان على غزة.. ونقاط مهمة في مفاهيم النصر والهزيمة

بقلم: السنوسي محمد السنوسي *

الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬الجولات‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬وتصورات؛‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬والتصورات‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المعركة‭ ‬نفسها،‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تزييف‭ ‬أو‭ ‬تحريف‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬نتوقف‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬النقاط‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬النصر‭ ‬والهزيمة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬استمرار‭ ‬العدوان‭ ‬الهمجي‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

1‭) ‬الأيام‭ ‬دول‭:‬

وأول‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بمفاهيم‭ ‬النصر‭ ‬والهزيمة،‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الأيام‭ ‬دُوَل،‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬لأحد‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬النصر‭ ‬أو‭ ‬الهزيمة؛‭ ‬وإنما‭ ‬نشهد‭ ‬انتصارًا‭ ‬تارة،‭ ‬ونصاب‭ ‬بغيره‭ ‬تارة‭ ‬أخرى؛‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَتِلْكَ‭ ‬الْأَيَّامُ‭ ‬نُدَاوِلُهَا‭ ‬بَيْنَ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬وَلِيَعْلَمَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬وَيَتَّخِذَ‭ ‬مِنكُمْ‭ ‬شُهَدَاءَ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الظَّالِمِينَ‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬140‭). ‬وهذه‭ ‬المداولة‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬تعطي‭ ‬الأمل‭ ‬لأصحاب‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يستعيدوا‭ ‬عافيتهم‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬عليهم‭ ‬الغلبة‭.. ‬كما‭ ‬تدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الحذر‭ ‬واليقظة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬الجولة‭. ‬اقرأ‭ ‬أيضا‭: ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭.. ‬قلب‭ ‬الزواج‭ ‬الناجح‭ ‬د‭. ‬إبراهيم‭ ‬الأنصاري‭: ‬هذا‭ ‬واجب‭ ‬المسلمين‭ ‬تجاه‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬وسُنّة‭ ‬المداولة‭ ‬تستدعي‭ ‬سُننًا‭ ‬وقيما‭ ‬أخرى؛‭ ‬مثل‭ ‬البذل،‭ ‬والتضحية،‭ ‬والصبر‭ ‬والمصابرة،‭ ‬والمرابطة،‭ ‬والمدافعة‭.‬

2‭) ‬النصر‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭:‬

المؤمن‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ -‬شأن‭ ‬أي‭ ‬نعمة‭ ‬أخرى‭- ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى؛‭ ‬صاحب‭ ‬الفضل‭ ‬والتفضل؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يسعى‭ ‬المؤمن‭ ‬للاستعانة‭ ‬بربه‭ ‬تعالى،‭ ‬والركون‭ ‬إلى‭ ‬جنبه،‭ ‬وعدم‭ ‬الاغترار‭ ‬بالقوة‭ ‬المادية‭ ‬مهما‭ ‬بلغت،‭ ‬ولا‭ ‬بالأعداد‭ ‬مهما‭ ‬كثرت؛‭ ‬بل‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬عنه‭ ‬شيئًا‭ ‬إن‭ ‬حُرم‭ ‬التوفيق،‭ ‬وزَينت‭ ‬له‭ ‬نفسُه‭ ‬ما‭ ‬بيده‭ ‬من‭ ‬قوة‭. ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَمَا‭ ‬جَعَلَهُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬بُشْرَى‭ ‬وَلِتَطْمَئِنَّ‭ ‬بِهِ‭ ‬قُلُوبُكُمْ‭ ‬وَمَا‭ ‬النَّصْرُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬مِنْ‭ ‬عِندِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَزِيزٌ‭ ‬حَكِيمٌ‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬10‭). ‬أي‭: ‬لم‭ ‬يجعل‭ ‬الله‭ ‬إردافَ‭ ‬الملائكة‭ ‬بعضها‭ ‬بعضًا‭ ‬وتتابعها‭ ‬بالمصير‭ ‬إليكم،‭ ‬أيها‭ ‬المؤمنون،‭ ‬مددًا‭ ‬لكم؛‭ ‬إلا‭ ‬بشارة‭ ‬لكم،‭ ‬تبشرِّكم‭ ‬بنصر‭ ‬الله‭ ‬إياكم‭ ‬على‭ ‬أعدائكم‭.. ‬وَلِتَسْكُنَ‭ ‬قلوبُكم‭ ‬بمجيئها‭ ‬إليكم،‭ ‬وتوقن‭ ‬بنصرة‭ ‬الله‭ ‬لكم‭.. ‬وما‭ ‬تُنصرون‭ ‬على‭ ‬عدوكم،‭ ‬أيها‭ ‬المؤمنون،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ينصركم‭ ‬الله‭ ‬عليهم،‭ ‬لا‭ ‬بشدة‭ ‬بأسكم‭ ‬وقواكم،‭ ‬بل‭ ‬بِنَصْرِ‭ ‬الله‭ ‬لكم؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬بيده‭ ‬وإليه‭.‬

3‭) ‬النفس‭ ‬ميدان‭ ‬أول‭:‬

فالنفس‭ ‬هي‭ ‬ميداننا‭ ‬الأول،‭ ‬إن‭ ‬تغلبنا‭ ‬عليها،‭ ‬بالتهذيب‭ ‬والتزكية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬نستجمع‭ ‬عوامل‭ ‬النصر‭ ‬الأخرى‭.. ‬فإنّ‭ ‬مَن‭ ‬ضعف‭ ‬أمام‭ ‬نفسه،‭ ‬فسيكون‭ ‬أكثر‭ ‬ضعفًا‭ ‬أمام‭ ‬عدوه‭.. ‬والمؤمن‭ ‬لا‭ ‬يخوض‭ ‬المعركة‭ ‬بالأسباب‭ ‬المادية‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬باستعداده‭ ‬النفسي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬والتحلي‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق‭. ‬ومن‭ ‬تمام‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬أيضًا،‭ ‬أن‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬دائمة‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬يغالبها‭ ‬وتغالبه،‭ ‬حتى‭ ‬تستقيم‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وينتقل‭ ‬من‭ ‬النفس‭ ‬اللوامة‭ ‬إلى‭ ‬المطمئنة‭. ‬

4‭) ‬الأسباب‭ ‬بقدر‭ ‬الاستطاعة‭:‬

من‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬المؤمنين‭ ‬أنهم‭ ‬مطالبون‭ ‬باتخاذ‭ ‬الأسباب‭ ‬وفق‭ ‬استطاعتهم،‭ ‬ولم‭ ‬يحملهم‭ ‬فوق‭ ‬ذلك؛‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬وَأَعِدُّوا‭ ‬لَهُم‭ ‬مَّا‭ ‬اسْتَطَعْتُم‭ ‬مِّن‭ ‬قُوَّةٍ‭ ‬وَمِن‭ ‬رِّبَاطِ‭ ‬الْخَيْلِ‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬60‭). ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الرازي‭: ‬‮«‬اعلم‭ ‬أنه‭ ‬تعالى‭ ‬لما‭ ‬أوجب‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬أن‭ ‬يُشَرِّدَ‭ ‬مَنْ‭ ‬صَدَرَ‭ ‬منه‭ ‬نقضُ‭ ‬العهد،‭ ‬وأن‭ ‬ينبذ‭ ‬العهد‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬خاف‭ ‬منه‭ ‬النقض؛‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬بالإعداد‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الكفار‭. ‬قيل‭: ‬إنه‭ ‬لما‭ ‬اتفق‭ ‬أصحابُ‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬بدر‭ ‬أن‭ ‬قصدوا‭ ‬الكفار‭ ‬بلا‭ ‬آلة‭ ‬ولا‭ ‬عدة؛‭ ‬أمرهم‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬مثله،‭ ‬وأن‭ ‬يعدوا‭ ‬للكفار‭ ‬ما‭ ‬يُمْكِنُهُمْ‭ ‬من‭ ‬آلة‭ ‬وعدة‭ ‬وقوة؛‭ ‬والمراد‭ ‬بالقوة‭ ‬هنا‭: ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬سببا‭ ‬لحصول‭ ‬القوة‮»‬‭.‬

5‭) ‬وحدة‭ ‬الصف‭: ‬

من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لتحصيل‭ ‬النصر،‭ ‬وحدة‭ ‬الصف؛‭ ‬فإن‭ ‬ضعف‭ ‬الصف‭ ‬يسهّل‭ ‬للعدو‭ ‬مهمته،‭ ‬ويُضعف‭ ‬النفوس‭ ‬المجتمعة‭ ‬على‭ ‬الحق،‭ ‬ويَبذر‭ ‬بينها‭ ‬بذرة‭ ‬الشقاق‭ ‬التي‭ ‬تكبر‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬خرقًا‭. ‬ولهذا‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بهذه‭ ‬الوحدة،‭ ‬ونهانا‭ ‬عما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوهن‭ ‬والتشتت،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يُقَاتِلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِهِ‭ ‬صَفًّا‭ ‬كَأَنَّهُم‭ ‬بُنْيَانٌ‭ ‬مَّرْصُوصٌ‮»‬‭ (‬الصف‭: ‬4‭)‬،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬وَأَطِيعُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَرَسُولَهُ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَنَازَعُوا‭ ‬فَتَفْشَلُوا‭ ‬وَتَذْهَبَ‭ ‬رِيحُكُمْ‭ ‬وَاصْبِرُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬مَعَ‭ ‬الصَّابِرِينَ‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬46‭). ‬فتمزق‭ ‬الصف‭ ‬يصيب‭ ‬الأمة‭ ‬بـ‮«‬الغثائية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬حذرنا‭ ‬منها‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تنفع‭ ‬معها‭ ‬وفرة‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬المادية،‭ ‬ولا‭ ‬كثرة‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬العددية‭!! ‬عن‭ ‬ثَوْبَانَ،‭ ‬قَالَ‭: ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬يُوشِكُ‭ ‬الأُمَمُ‭ ‬أَنْ‭ ‬تَدَاعَى‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬كَمَا‭ ‬تَدَاعَى‭ ‬الأَكَلَةُ‭ ‬إِلَى‭ ‬قَصْعَتِهَا‮»‬‭. ‬قَالَ‭ ‬قَائِلٌ‭: ‬يَا‭ ‬رَسُولَ‭ ‬اللَّهِ،‭ ‬وَمِنْ‭ ‬قِلَّةٍ‭ ‬يَوْمَئِذٍ؟‭ ‬قَالَ‭: ‬‮«‬لَا،‭ ‬بَلْ‭ ‬أَنْتُمْ‭ ‬كَثِيرٌ،‭ ‬وَلَكِنَّكُمْ‭ ‬غُثَاءٌ‭ ‬كَغُثَاءِ‭ ‬السَّيْلِ،‭ ‬وَلَيَنْزِعَنَّ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬صُدُورِ‭ ‬عَدُوِّكُمُ‭ ‬الْمَهَابَةَ‭ ‬مِنْكُمْ،‭ ‬وَلَتَعْرِفُنَّ‭ ‬فِي‭ ‬قُلُوبِكُمُ‭ ‬الْوَهْنُ‮»‬‭. ‬قَالَ‭ ‬قَائِلٌ‭: ‬يَا‭ ‬رَسُولَ‭ ‬اللَّهِ،‭ ‬وَمَا‭ ‬الْوَهْنُ؟‭ ‬قَالَ‭: ‬‮«‬حُبُّ‭ ‬الدُّنْيَا،‭ ‬وَكَرَاهِيَةُ‭ ‬الْمَوْتِ‮»‬‭ (‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬وأبو‭ ‬داود‭).‬

6‭) ‬النفس‭ ‬الطويل‭:‬

معارك‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬النفس‭ ‬الطويل،‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬معها‭ ‬ذوو‭ ‬النفس‭ ‬القصير؛‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬الغلبة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬وليلة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬واحدة‭.. ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬مغالبة‭ ‬مستمرة،‭ ‬وقد‭ ‬تستمر‭ ‬الجولة‭ ‬الواحدة‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬أو‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬عديدة‭.. ‬ولحكمةٍ‭ ‬ما،‭ ‬تأخر‭ ‬فرض‭ ‬الجهاد‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقد‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬شوقٍ‭ ‬لمدافعة‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أذى؛‭ ‬حتى‭ ‬تستكمل‭ ‬النفوس‭ ‬بناءها‭ ‬الإيماني‭ ‬وتستعد‭ ‬له‭ ‬خير‭ ‬استعداد‭. ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬نزل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أُذِنَ‭ ‬لِلَّذِينَ‭ ‬يُقَاتَلُونَ‭ ‬بِأَنَّهُمْ‭ ‬ظُلِمُوا‭ ‬وَإِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلَى‭ ‬نَصْرِهِمْ‭ ‬لَقَدِيرٌ‮»‬‭ (‬الحج‭: ‬39‭). ‬قال‭ ‬العَوفي،‭ ‬عَنِ‭ ‬ابْنِ‭ ‬عَبَّاسٍ‭: ‬نَزَلَتْ‭ ‬فِي‭ ‬مُحَمَّدٍ‭ ‬وَأَصْحَابِهِ‭ ‬حِينَ‭ ‬أُخْرِجُوا‭ ‬مِنْ‭ ‬مَكَّةَ‭. ‬وَقَالَ‭ ‬غَيْرُ‭ ‬وَاحِدٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬السَّلَفِ‭: ‬هَذِهِ‭ ‬أَوَّلُ‭ ‬آيَةٍ‭ ‬نَزَلَتْ‭ ‬فِي‭ ‬الْجِهَادِ‭.‬

7‭) ‬الحذر‭ ‬واليقظة‭: ‬

فإن‭ ‬العدو‭ ‬لا‭ ‬ينام،‭ ‬ويتخذ‭ ‬كل‭ ‬الطرق،‭ ‬ويتحين‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬مناسبة‭ ‬له‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬نهانا‭ ‬عن‭ ‬الغفلة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المعركة؛‭ ‬فإن‭ ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قبلها،‭ ‬أوجب‭ ‬وآكد؛‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَدَّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬كَفَرُوا‭ ‬لَوْ‭ ‬تَغْفُلُونَ‭ ‬عَنْ‭ ‬أَسْلِحَتِكُمْ‭ ‬وَأَمْتِعَتِكُمْ‭ ‬فَيَمِيلُونَ‭ ‬عَلَيْكُم‭ ‬مَّيْلَةً‭ ‬وَاحِدَةً‮»‬‭ (‬النساء‭: ‬102‭). ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الكريم‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬الخوف،‭ ‬وهو‭ ‬ترقب‭ ‬العدو‭ ‬لحال‭ ‬المسلمين،‭ ‬عساهم‭ ‬يجدون‭ ‬منفذًا‭ ‬ينفذون‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬صفوفهم،‭ ‬أو‭ ‬ثغرة‭ ‬يدخلون‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬غفلة‭ ‬ينتهزونها؛‭ ‬فكان‭ ‬الحذر‭ ‬أن‭ ‬تسد‭ ‬عليهم‭ ‬كل‭ ‬المنافذ‭ ‬التي‭ ‬ينفذون‭ ‬منها‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربهم؛‭ ‬فلا‭ ‬يصح‭ ‬للمسلمين‭ ‬أن‭ ‬يغفلوا‭ ‬بالعبادة‭ ‬عن‭ ‬الجهاد،‭ ‬ولا‭ ‬يتركوا‭ ‬العبادة‭.‬

8‭) ‬عدم‭ ‬استعجال‭ ‬المعارك‭: ‬

فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬استعجال‭ ‬المعارك‭ ‬قبل‭ ‬أوانها،‭ ‬وقبل‭ ‬الاستعداد‭ ‬التام‭ ‬لها؛‭ ‬فإن‭ ‬المعارك‭ ‬ذات‭ ‬بأس‭ ‬وشدة‭ ‬وفتنة؛‭ ‬واستعجالها‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية،‭ ‬ويمكِّن‭ ‬للباطل‭.. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬فُرضت‭ ‬المعركة‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬مواجهتها،‭ ‬والثبات‭ ‬أمامها،‭ ‬وتجديد‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ناصر‭ ‬المستضعفين‭ ‬والمتوكلين‭.. ‬عَنْ‭ ‬عَبْدِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬بْنِ‭ ‬عَمْرٍو‭ ‬قَالَ‭: ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬صَلَّى‭ ‬اللهُ‭ ‬عَلَيْهِ‭ ‬وَسَلَّمَ‭: ‬‮«‬لَا‭ ‬تَتَمَنَّوْا‭ ‬لِقَاءَ‭ ‬الْعَدُوِّ،‭ ‬وَسَلُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬الْعَافِيَةَ؛‭ ‬فَإِذَا‭ ‬لَقِيتُمُوهُمْ‭ ‬فَاثْبُتُوا،‭ ‬وَاذْكُرُوا‭ ‬اللَّهَ،‭ ‬وَإِنْ‭ ‬أَجْلَبُوا‭ ‬وَصَاحُوا‭ ‬فَعَلَيْكُمْ‭ ‬بِالصَّمْتِ‮»‬‭.‬

وإِنَّمَا‭ ‬نَهَى‭ ‬عَنْ‭ ‬تَمَّنِي‭ ‬لِقَاءِ‭ ‬الْعَدُوِّ‭ ‬لِمَا‭ ‬فِيهِ‭ ‬مِنْ‭ ‬صُورَةِ‭ ‬الْإِعْجَابِ‭ ‬وَالاتْكَالِ‭ ‬عَلَى‭ ‬النُّفُوسِ‭ ‬وَالْوُثُوقِ‭ ‬بِالْقُوَّةِ‭ ‬وَقِلَّةِ‭ ‬الِاهْتِمَامِ‭ ‬بِالْعَدُوِّ‭ ‬وَكُلُّ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬يُبَايِنُ‭ ‬الِاحْتِيَاطَ‭ ‬وَالْأَخْذَ‭ ‬بِالْحَزْمِ‭ ‬وَقِيلَ‭ ‬يُحْمَلُ‭ ‬النَّهْيُ‭ ‬عَلَى‭ ‬مَا‭ ‬إِذَا‭ ‬وَقَعَ‭ ‬الشَّكُّ‭ ‬فِي‭ ‬الْمَصْلَحَةِ‭ ‬أَوْ‭ ‬حُصُولِ‭ ‬الضَّرَرِ‭ ‬وَإِلَّا‭ ‬فَالْقِتَالُ‭ ‬فَضِيلَةٌ‭ ‬وَطَاعَةٌ‭ ‬وَيُؤَيِّدُ‭ ‬الْأَوَّلَ‭ ‬تَعْقِيبُ‭ ‬النَّهْيِ‭ ‬بِقَوْلِهِ‭ ‬وَسَلُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬الْعَافِيَةَ‭.‬

9‭) ‬النصر‭ ‬صبر‭ ‬ساعة‭: ‬

نعم،‭ ‬فالصبر‭ ‬مطلوب‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬كلها،‭ ‬وهو‭ ‬عند‭ ‬المعارك‭ ‬أشد‭ ‬طلبًا؛‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬ومشقة؛‭ ‬فالصبر‭ ‬فيها‭ ‬أوجب‭ ‬والثبات‭ ‬آكد‭. ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬إِذَا‭ ‬لَقِيتُمْ‭ ‬فِئَةً‭ ‬فَاثْبُتُوا‭ ‬وَاذْكُرُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬كَثِيرًا‭ ‬لَّعَلَّكُمْ‭ ‬تُفْلِحُونَ‮»‬‭ (‬الأنفال‭: ‬45‭). ‬أي‭ ‬إذا‭ ‬لقيتم‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المشركين‭ ‬فاثبتوا‭. ‬والثبات‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬بقوة‭ ‬القلب‭ ‬وشدة‭ ‬اليقين،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لنفاذ‭ ‬البصيرة،‭ ‬والتحقق‭ ‬بالله،‭ ‬وشهود‭ ‬الحادثات‭ ‬كلها‭ ‬منه،‭ ‬فعند‭ ‬ذلك‭ ‬يستسلم‭ ‬لله،‭ ‬ويرضى‭ ‬بحكمه،‭ ‬ويتوقع‭ ‬منه‭ ‬حسن‭ ‬الإعانة،‭ ‬ولهذا‭ ‬أحالهم‭ ‬على‭ ‬الذكر‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬وَاذْكُرُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬كَثِيرًا‮»‬‭.‬

10‭) ‬الواجب‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬المعركة‭: ‬

في‭ ‬إدراك‭ ‬مفاهيم‭ ‬النصر‭ ‬والهزيمة‭ ‬هناك‭ ‬مسلمة‭ ‬أن‭ ‬نتيجة‭ ‬المعركة‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نصرًا‭ ‬أو‭ ‬هزيمة‭.. ‬والمسلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحواله‭ ‬يلتزم‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يأتي‭ ‬ما‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.. ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬النصر؛‭ ‬فالواجب‭ ‬الشكرُ،‭ ‬وردُّ‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭.. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الأخرى؛‭ ‬فالواجب‭ ‬الصبرُ‭ ‬ومحاسبة‭ ‬النفس،‭ ‬وعدم‭ ‬الجزع‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬المسئولية‭. ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬أَوَلَمَّا‭ ‬أَصَابَتْكُم‭ ‬مُّصِيبَةٌ‭ ‬قَدْ‭ ‬أَصَبْتُم‭ ‬مِّثْلَيْهَا‭ ‬قُلْتُمْ‭ ‬أَنَّى‭ ‬هَذَا‭ ‬قُلْ‭ ‬هُوَ‭ ‬مِنْ‭ ‬عِندِ‭ ‬أَنفُسِكُمْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلَى‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬قَدِيرٌ‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬165‭). ‬بهذه‭ ‬النقاط‭ ‬العشر‭ ‬تتضح‭ ‬لنا‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة‭ ‬ومفاهيم‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬النصر‭ ‬وموجبات‭ ‬الهزيمة‭.. ‬مما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندركه‭ ‬جيدًا،‭ ‬ونجعله‭ ‬موضعَ‭ ‬تأملٍ‭ ‬واعتبارٍ‭ ‬وتطبيق‭.‬

‭ ‬* باحث‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا