العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإدارة الخــضــراء ضـمـانـة للأمن البـيـئي

بقلم: د. فاطمة ناصر {

الاثنين ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬العلوم‭ ‬الإدارية‭ ‬مدخل‭ ‬جديد‭ ‬للإدارة‭ ‬يسمى‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬وتهدف‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬الجماعية‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬المجتمع‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنظمات‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬تركز‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬وتعزيز‭ ‬سلوكيات‭ ‬قيادية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬هي‭ ‬إدارة‭ ‬ذات‭ ‬رؤية‭ ‬إنسانية‭ ‬واتجاه‭ ‬إيجابي،‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الناس‭ ‬والحوار‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬وفهم‭ ‬رغباتهم‭ ‬وتوقعاتهم،‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬ورفاهيتهم،‭ ‬وحماية‭ ‬الموارد‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬الإنسان‭ ‬ومصلحته‭ ‬وجودة‭ ‬حياته‭. ‬

ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬للمشاكل‭ ‬البيئية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬والنقص‭ ‬المتزايد‭ ‬في‭ ‬الموارد،‭ ‬والذي‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬وعي‭ ‬الإنسان‭ ‬بالإدارة‭ ‬الخضراء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬البحث‭ ‬والدراسة‭ ‬المتعمقة‭ ‬لإيجاد‭ ‬طرق‭ ‬ناجحة‭ ‬لحماية‭ ‬البيئة‭ ‬وتطوير‭ ‬مفهوم‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬والاقتصاد‭ ‬المستدام‭ ‬المتوازن‭. ‬ولأنها‭ ‬تمثل‭ ‬قضية‭ ‬مهمة،‭ ‬وهي‭ ‬الاستدامة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بدور‭ ‬الممارسات‭ ‬البيئية‭ ‬الخضراء،‭ ‬وخلق‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬الحديثة‭ ‬تبني‭ ‬الممارسات‭ ‬الصديقة‭ ‬للبيئة؛‭ ‬والتي‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬التفكير‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬وتشكيله‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬نواحي‭ ‬الحياة‭ ‬واتجاهاتها‮»‬‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يؤرق‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬هي‭ ‬القضايا‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬اهتمامات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬بجميع‭ ‬أنماطه،‭ ‬حيث‭ ‬تنظر‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬استدامة‭ ‬الموارد‭ ‬وحمايتها‭ ‬باعتبارها‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعالمية‭ ‬والمحلية‭ ‬تزايدت‭ ‬جهود‭ ‬الدول،‭ ‬ومنها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نحو‭ ‬توجيه‭ ‬أنظمتها‭ ‬التعليمية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتعليم‭ ‬الأخضر،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسميات‭ ‬كالمدارس‭ ‬الخضراء‭ ‬والصفوف‭ ‬الخضراء‭ ‬والمناهج‭ ‬الخضراء،‭ ‬وهو‭ ‬مجال‭ ‬خصب‭ ‬تعمل‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬وخاصة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدمة‭ ‬بالاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬قدّر‭ ‬الإمكان،‭ ‬بل‭ ‬والأكثر‭ ‬غنى‭ ‬لتوفير‭ ‬موارد‭ ‬إضافية‭ ‬للتعليم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأمثل‭ ‬للموارد‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭ ‬المتاحة‭.‬

لذا‭ ‬فقد‭ ‬تطورت‭ ‬المفاهيم‭ ‬المرتبطة‭ ‬باللون‭ ‬الأخضر‭ ‬تطورًا‭ ‬واسعًا،‭ ‬لتشمل‭ ‬مجالات‭ ‬الطاقة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬والإدارة،‭ ‬حيثً‭ ‬بدأ‭ ‬مفهوم‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬يجذب‭ ‬اهتمام‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬التنموية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬استقطب‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومات‭ ‬الحريصة‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالإنسانية‭ ‬وحماية‭ ‬البيئة‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الموجودة،‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬الأمثلة‭ ‬نجاحًا‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي‭ ‬هي‭ ‬التجربة‭ ‬الإماراتية‭  ‬الرائدة،‭ ‬التي‭ ‬تسير‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الخطط‭ ‬التنموية‭ ‬والمستدامة،‭ ‬والتي‭ ‬اعتمدت‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬شعاراً‭ ‬لها،‭ ‬لتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬الخدمات‭ ‬وأعلى‭ ‬مستويات‭ ‬التميز‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬جوانب‭ ‬العمل،‭ ‬وتعميم‭ ‬ثقافة‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الموظفين،‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬الإدارية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعزّز‭ ‬الثقة‭ ‬بجهود‭ ‬حكومة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬متقدّم،‭ ‬عبر‭ ‬الطرق‭ ‬الخضراء‭ ‬المستدامة‭.‬

وكذلك‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭ ‬فإن‭ ‬التجربة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والوظائف‭ ‬الخضراء،‭ ‬‮«‬فقد‭ ‬لفتت‭ ‬منهجية‭ ‬الجوغاد‭ (‬Jugaad‭)‬،‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الواقع‭ ‬والتعامل‭ ‬معه،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬إنجاز‭ ‬الكثير‭ ‬بالقليل‭ ‬المتاح،‭ ‬وتخفيض‭ ‬التكاليف‭ ‬والنفقات‭ ‬وعمليات‭ ‬الشراء‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭. ‬ولأنّ‭ ‬العالم‭ ‬بكامله‭ ‬أدرك‭ ‬أهمية‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬والمستدامة،‭ ‬فقد‭ ‬استحدثت‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬أعوام،‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ ‬بـ«الوظائف‭ ‬الخضراء‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تتمحور‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬حول‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وتستجيب‭ ‬للتحديات‭ ‬العالمية‭ ‬المعنية‭ ‬بحماية‭ ‬البيئة،‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتهدف‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬مفاهيم‭ ‬الاستدامة،‭ ‬وإضفاء‭ ‬الصبغة‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬العمل،‭ ‬وخلق‭ ‬بيئات‭ ‬عمل‭ ‬نموذجية‭ ‬وكفؤة‭ ‬وآمنة‮»‬‭.‬

إن‭ ‬تطبيق‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء‭ ‬يتطلب‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬وجهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬سلوك‭ ‬الموظفين‭ ‬نحو‭ ‬المبادرات‭ ‬والقيم‭ ‬البيئية،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬للدعم‭ ‬والمشاركة‭ ‬التي‭ ‬تمارسه‭ ‬القيادات‭ ‬العليا‭ ‬الواعية‭  ‬ذا‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬لغرس‭ ‬القيم‭ ‬الخضراء‭ ‬وتعزيز‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬سلامة‭ ‬وأمن‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ويحدث‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيان‭ ‬مهام‭ ‬الموظفين‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬تضمين‭ ‬رؤية‭ ‬ورسالة‭ ‬وقيم‭ ‬المؤسسة‭ ‬لتكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لتنمية‭ ‬سلوك‭ ‬المواطنة‭ ‬البيئية‭ ‬لدى‭ ‬الموظفين،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تدريبهم‭ ‬وتمكينهم،‭ ‬وإدراج‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬والمهام‭ ‬لرفع‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استدامة‭ ‬ونشر‭ ‬المعرفة‭ ‬وتحفيزهم‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬الثقافة‭ ‬الخضراء‭ ‬وخضرنة‭ ‬السلوك‭ ‬الإداري‭ ‬والوظيفي‭ ‬لزيادة‭ ‬المشاركة‭ ‬بفاعلية‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬الداعمة‭ ‬للبيئة‭ ‬ومتطلبات‭ ‬حمايتها‭.‬

وختامًا‭: ‬إن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬والمناخ‭ ‬ليس‭ ‬رفاهية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬للحل‭ ‬وتطور‭ ‬وتنمية‭ ‬الأصول‭ ‬الطبيعية‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬والطاقة‭ ‬والغذاء،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬الدعوة‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬البيئي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬الأداء‭ ‬ورفع‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬كوادر‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬المستدامة،‭ ‬ولديها‭ ‬معرفة‭ ‬بيئية‭ ‬ومواقف‭ ‬إيجابية‭ ‬نحو‭ ‬البيئة،‭ ‬ووضع‭ ‬خطط‭ ‬مستقبلية‭ ‬وفق‭ ‬استراتيجية‭ ‬للتنمية‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والمؤسسات؛‭ ‬لذا‭ ‬نرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر‭ ‬تتوجه‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬الممارسات‭ ‬الصديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬وخلق‭ ‬ثقافة‭ ‬الإدارة‭ ‬الخضراء،‭ ‬والعمل‭ ‬بشكل‭ ‬فعلي‭ ‬وصارم‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬التشريعات‭ ‬والقوانين،‭ ‬لتنظيم‭ ‬عملية‭ ‬التحوّل‭ ‬باتجاه‭ ‬المدن‭ ‬الخضراء‭ ‬استجابة‭ ‬للتوقعات‭ ‬العالمية‭ ‬والوطنية‭. ‬

{ مختصة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الدراسات

البيئية‭ ‬وآليات‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا