إن الله سبحانه وتعالى يخلق ويختار وما كان لأحد الخيرة سواه، فالله اختص لنفسه أشياء ونسب إلى نفسه أشياء نسبة تشريف وما ذاك إلا لحكمة أرادها الله، قال في كتابه: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) ومما اختص الله سبحانه بالتشريف والبركة تلك البلاد الواسعة الرقعة الطيبة البقعة واسطة البلاد وسرّتها ووجهتها وغرتها بلاد بيت المقدس (فلسطين)، هذا الاسم الذي يحتل في كل قلب مكانة مقدسة، وما ذكرت فلسطين إلا واهتز قلب المسلم الموحد شوقاً إلى تلك البلاد وما ذاك إلا للقداسة التي ربطها الله لهذا المكان في كتابه الكريم وما نطق به محمد صلى الله عليه وسلم.
فالله تعالى يقول في سورة الإسراء منزها نفسه: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) وقوله سبحانه: (ولسليمان الريح تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) وقال تعالى على لسان موسى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين). وقال تعالى: (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين).
وهناك آيات كثيرة في هذا المقام، ليس المقام لذكرها، ويقول عليه الصلاة والسلام: «تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام» ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «وعقر دار المؤمنين الشام» ويقول كذلك عليه الصلاة والسلام: «لازال أهل الغرب (أهل الشام) ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة».
إن هذه الفضائل التي ذكرنا طرفًا منها لتعمق في قلب المسلم موعود الله في هذه الأرض المباركة وأنها الموروث الحقيقي لعباد الله الذين يسعون إلى الإصلاح في الأرض، كما قال الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين).
فالأرض هي فلسطين ولعله ليس من المبالغة أن نقول إن أكثر البقاع التي حدث فيها الصراع بين الديانات.
وهي الأرض المباركة في الشام وبالأخص فلسطين وذلك لأن كل ديانة عندها من الموروث الديني والنصوص الدينية ما يشيد بقداسة هذه البلاد، وهذا ما يدل دلالة واضحة على دفة الصراع التي تحركها الخلفية الدينية وإن أي محاولة لإقصاء الدين عن المعركة هي محاولة مضللة للرأي العام فالدين له حضور قوي في إدارة رحى الصراع.
والمسلمون عندما يخوضون المعركة مع اليهود يستمدون قيمة ما يبذلون من أجله من النصوص السابقة في الكتاب والسنة، وعندما ترسخ تلك القداسة في القلوب كأرض رباط وجهاد يزداد عند ذلك خيار المقاومة وإن استرداد هذه الأرض ليس إلا تنفيذاً لأمر الله الذي أمر أن يعلن توحيده على ظهرها وألا يشرك به شيئاً، وأن أي محاولة للتجزئة لهذه الأرض أو إقرار للعدو بها أمر مرفوض.
وللأسف إن هناك من يمارس تغييب دور الدين في الصراع مع اليهود، مع أننا نرى اليهود يستحضرون الدين بقوة في صراعهم معنا فهم يستخدمون شعارات ومصطلحات مستقاة من صميم دينهم مثل (أرض الميعاد) و(عاصمة المسيح المنتظر) و (جبل الهيكل) وكذلك (نجمة داود السداسية) والتي تحمل رسما هندسيا لقاعدة بناء الهيكل الثالث المزعوم.
كل هذه الخصوصية الدينية لهذه البلاد ترتبط بها تكاليف شرعية وواجبات دينية تلزم أعناق المسلمين فرادى وجماعات ومجتمعات لنصرة من استنصروهم في الدين فأوجبوا عليهم تلك النصرة عينياً وكفائياً جهاداً بالنفس والمال، هذا مع ما يلزم المسلمين جميعاً من النفير خفافاً وثقالاً إذا داهم العدو أي عرض للمسلمين، فما الحال إذا كانت البلاد هي البلاد المقدسة المباركة في فلسطين.
إن هناك ضرورة لفهم الأهمية الدينية والتاريخية لفلسطين وللقضية الفلسطينية بهدف الإسهام في إيجاد الوعي التام لأبعاد الصراع في القضية وحتى لا تندفع العواطف متخلية عن العقل والفكر الذي يؤصله الجانب العلمي، وهنا أهمية أن يعرف المسلم عن أي شيء يقاتل وتحت أي إرادة يقاتل .
ولو اطلعت على حال الشعوب الإسلامية عند فورة غضبها للانتهاكات الممارسة في فلسطين من قبل الصهاينة لوجدت تلك الغضبة التي يغضبونها سرعان ما تهمد وما ذاك إلا لعدم الوعي بقداسة تلك البلاد وميزتها التي ميزها الله والتي يجب علينا أن نعمل من أجل تخليصها من رجس الاحتلال الصهيوني بكل الأسباب والطرق دون كلل ولا ملل، وأن نبني الداخل بناءً محكماً حتى نكون على أساسه قادرين لأن نتصدى لأي تشققات وهذا من أكبر أسباب القدرة على استرداد المقدسات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك