العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صراع المفاهيم بين الفلسطينيين وسلطة الاحتلال

بقلم: د. جيمس زغبي

الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بعد‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬شهرين‭ ‬على‭ ‬نشوب‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وغزة،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬للحديث‭ ‬عنها‭.‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬اكتشفه‭ ‬البابا‭ ‬فرانسيس‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬عندما‭ ‬وصف‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬تجاوز‭ ‬الحرب،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬استخدام‭ ‬الإرهاب‭ ‬لتبرير‭ ‬الإرهاب‮»‬‭.‬

وبحسب‭ ‬بعض‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬التقوا‭ ‬بالبابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬بتصريحاته‭ ‬العلنية،‭ ‬فقد‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬الماء‭ ‬والوقود‭ ‬والدواء‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬‭.‬

وأدانت‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬اليهودية‭ ‬بشدة‭ ‬كلمات‭ ‬البابا،‭ ‬واتهمته‭ ‬بـ«التشهير‭ ‬الدموي‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬اليهودي‭. ‬وطالبوه‭ ‬بالتراجع‭ ‬أو‭ ‬التوضيح،‭ ‬وشكك‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬المسيحي‭ ‬اليهودي‭.‬

قد‭ ‬يميل‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬انتقاد‭ ‬سلوك‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بالحوار‭ ‬بين‭ ‬تقليدين‭ ‬دينيين،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬هنا‭ ‬بالعقل‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسلطة‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬معين‭ ‬للكلمات‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬سعت‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬اليهودية‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬تعريف‭ ‬انتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬معاداة‭ ‬للسامية‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭.‬

قبل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الإضافات‭ ‬الأحدث‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬الإصرار‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬كتعريفات‭ ‬مقبولة‭ ‬للمصطلحات،‭ ‬يجدر‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬السابقة‭.‬

لنبدأ‭ ‬بالعبارة‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬الموحدة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬‮«‬العاصمة‭ ‬الأبدية‭ ‬لإسرائيل‮»‬‭. ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬عادلاً‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬بالمعنى‭ ‬اللاهوتي،‭ ‬لكن‭ ‬إضافة‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مقسمة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬المزيج‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬تعقيدًا‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬ضمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬28‭ ‬قرية‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬وشرق‭ ‬وجنوب‭ ‬القدس،‭ ‬وعرّفتها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬وطالبت‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بها‭ ‬بأكملها‭ ‬كعاصمتها‭ ‬الموحدة‭.‬

يصر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬النكبة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لسنة‭ ‬1948‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬قط،‭ ‬وأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لم‭ ‬يُطردوا‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬تهجيرهم،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬امتثلوا‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر‭ ‬لمطلب‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب‭ ‬بالرحيل‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأذى‭ ‬عندما‭ ‬هاجمت‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬إسرائيل‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬محض‭ ‬افتراء‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬يصر‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬نقل‭ ‬سكاني‮»‬‭ ‬بسيط‭ ‬‭ ‬حيث‭ ‬يغادر‭ ‬اليهود‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليستقروا‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ويغادر‭ ‬العرب‭ ‬فلسطين‭ ‬ليستقروا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

ثم‭ ‬هناك‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬لإسرائيل‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الوجود‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬بالفعل،‭ ‬وقد‭ ‬اعترفت‭ ‬بها‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ (‬باستثناء‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭). ‬ما‭ ‬يشكك‭ ‬فيه‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ليس‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إنما‭ ‬يرفضون‭ ‬الاعتراف‭ ‬بإسرائيل‭ ‬كما‭ ‬تعرف‭ ‬نفسها‭: ‬‮«‬دولة‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬وحده‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‮»‬‭.‬

وتشمل‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬استخدامها‭ ‬‮«‬الفصل‭ ‬العنصري‮»‬‭ ‬و«التطهير‭ ‬العرقي‮»‬‭ ‬وحتى‭ ‬‮«‬الاحتلال‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬المصطلحين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬محددان‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

يشير‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الفصل‭ ‬العنصري‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬تتمتع‭ ‬فيه‭ ‬السلطة‭ ‬المسيطرة‭ ‬بمجموعتين‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬مجموعة‭ ‬على‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬جادلت‭ ‬حتى‭ ‬جماعات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬حكمت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭.‬

يتضمن‭ ‬‮«‬التطهير‭ ‬العرقي‮»‬‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬لمجموعة‭ ‬تابعة‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراض‭ ‬المجموعة‭ ‬المهيمنة‭. ‬ويقول‭ ‬منتقدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬مستشهدين‭ ‬بالمستوطنات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬كدليل‭ ‬حديث‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬سوف‭ ‬يتراجعون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التأكيد،‭ ‬ويصرون‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬يتصرفون‭ ‬‮«‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النفس‮»‬‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭.‬

ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الاحتلال‮»‬‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬الأقل‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭. ‬وتصر‭ ‬إسرائيل‭ ‬إما‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬هي‭ ‬إرثها‭ ‬الكتابي‭ ‬التوراتي‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬لديه‭ ‬أي‭ ‬مطالبة‭ ‬مشروعة‭ ‬بها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المناطق‭ ‬المعنية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭ ‬‮«‬مناطق‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬أيًّا‭ ‬من‭ ‬الحزبين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬يسمح‭ ‬مطلقاً‭ ‬باستخدام‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬احتلال‮»‬‭ ‬بالظهور‭ ‬في‭ ‬برامجه‭ ‬الانتخابية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

هذه‭ ‬مجرد‭ ‬أمثلة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬معاني‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬يصر‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬قبولها‭ ‬وتكريسها‭ ‬واقعا،‭ ‬وقدر‭ ‬الصراع‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬رحاه‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ليضيف‭ ‬المزيد‭.‬

ووفقا‭ ‬لبعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدركه‭ ‬البابا‭ ‬فرانسيس‭  ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المقبول‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلحات‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬لوصف‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القصف‭ ‬العشوائي‭ ‬للمناطق‭ ‬المكتظة‭ ‬بالسكان،‭ ‬والتشريد‭ ‬الجماعي‭ ‬للمستوطنات‭. ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬وحرمان‭ ‬السكان‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬والوقود‭ ‬والطاقة‭ ‬والدواء‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭. ‬

ولا‭ ‬تصر‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬على‭ ‬إملاء‭ ‬تعريف‭ ‬واستخدام‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تتهم‭ ‬أيضًا‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستخدمونها‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭.‬

وكما‭ ‬أوضح‭ ‬البابا‭ ‬فرانسيس،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬والصحيح‭ ‬إظهار‭ ‬التعاطف‭ ‬والاهتمام‭ ‬بسلامة‭ ‬وأمن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬المعرضين‭ ‬للخطر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬المميت‭. ‬

ولكي‭ ‬يتمكن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬مستقبل‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬ويزدهر،‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬كسر‭ ‬قبضة‭ ‬التعريفات‭ ‬المفروضة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالسلام‭ ‬والعدالة‭.‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا