العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من يستطيع رؤية الدولة الفلسطينية خارج النفق؟

بقلم: فاروق يوسف

الأربعاء ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

حين‭ ‬أسقطت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬ميثاقها‭ ‬الفقرات‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬به‭ ‬فإنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬حلم‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬صار‭ ‬قريبا‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬مسوغات‭ ‬ذلك‭ ‬اليقين‭ ‬فإن‭ ‬معظمه‭ ‬قد‭ ‬ارتبط‭ ‬بما‭ ‬توهمه‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ضمانات‭ ‬دولية،‭ ‬تبين‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬وأن‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬المناصر‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬وأن‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬لم‭ ‬تتمتع‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حملات‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تمنعها‭ ‬حدود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخطر‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬بمحاصرة‭ ‬الرئيس‭ ‬عرفات‭ ‬في‭ ‬مقاطعته،‭ ‬وهي‭ ‬مركز‭ ‬حكمه‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬قد‭ ‬سعى‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬صبر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسترد‭ ‬واقعا‭ ‬افترض‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬تسنده‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جولات‭ ‬المفاوضات‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوسيط‭ ‬الأمريكي‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬مساعيه‭ ‬ارتدت‭ ‬عليه‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬يُنظر‭ ‬إليه‭ ‬بطريقة‭ ‬خاطئة‭ ‬باعتباره‭ ‬الرجل‭ ‬الضعيف‭ ‬الذي‭ ‬ينتظر‭ ‬كثيرون‭ ‬موعد‭ ‬مغادرته‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭ ‬ليعتليه‭ ‬شخص‭ ‬أكثر‭ ‬حزما‭. ‬ومن‭ ‬السابق‭ ‬لأوانه‭ ‬تأكيد‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الموعود‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المتاهة‭ ‬التي‭ ‬دخل‭ ‬إليها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬متعارفا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬النهائي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬قرار‭ ‬فلسطيني‭ ‬مستقل‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بطريقة‭ ‬مستترة‭ ‬فك‭ ‬ارتباط‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالعرب‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعبوا‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬من‭ ‬قضيتهم‭ ‬مزادا‭.‬

كان‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الفقرات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استبعادها‭ ‬من‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬وثيقة‭ ‬استقلال‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬قرأها‭ ‬الرئيس‭ ‬عرفات‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الـ19‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالجزائر‭.‬

عام‭ ‬1993‭ ‬وقع‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬واعترفوا‭ ‬بموجبه‭ ‬بإسرائيل‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬العالمي‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬ولم‭ ‬ينالوا‭ ‬استقلالهم‭. ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬باعتبارهم‭ ‬شعبا‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬هي‭ ‬تحت‭ ‬احتلالها،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬احتلالها‭ ‬حين‭ ‬تشعر‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬مصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتبني‭ ‬عليها‭ ‬مستوطنات‭ ‬جديدة‭.‬

لم‭ ‬ينصر‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬محاولتهم‭ ‬المطالبة‭ ‬بتطبيق‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬الأذن‭ ‬التي‭ ‬تنصت‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬صماء‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالصوت‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الأحيان‭ ‬معتدلا‭. ‬كان‭ ‬العنف‭ ‬المفرط‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدنيين‭ ‬مقبولا‭ ‬أما‭ ‬حين‭ ‬يضحي‭ ‬إنسان‭ ‬بحياته‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬اليأس‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الريبة‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬دوافعه‭ ‬الإرهابية‭. ‬

في‭ ‬أكثر‭ ‬حلقات‭ ‬الصراع‭ ‬انحطاطا‭ ‬لم‭ ‬يوجه‭ ‬أحد‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كونها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬حرمان‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولته‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أرضه‭ ‬التاريخية‭. ‬ربما‭ ‬يكمن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الصهاينة‭ ‬يكرهون‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭. ‬ربما‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬عقدته‭ ‬إزاء‭ ‬اليهود‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اختراع‭ ‬دولتهم‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حكاية‭ ‬اسمها‭ ‬فلسطين،‭ ‬صار‭ ‬يعتبرها‭ ‬قديمة‭ ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬طي‭ ‬صفحاتها‭ ‬غير‭ ‬مرة‭.‬

ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬أن‭ ‬فلسطينيي‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يأملون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬حلمهم‭ ‬في‭ ‬الاستقلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬المنشودة‭. ‬ولكن‭ ‬سيُقال‭ ‬لك‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الموجود‮»‬‭. ‬جملة‭ ‬سمعتها‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬وهي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬اليأس‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬غضبا‭ ‬على‭ ‬الذات‭. ‬لقد‭ ‬خسر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬زمنا‭ ‬عزيزا‭ ‬في‭ ‬مشاريع،‭ ‬تبين‭ ‬لهم‭ ‬أنها‭ ‬لصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬فيهم‭ ‬طرفا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬شيئا‭ ‬يستحق‭ ‬الذكر‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلهم‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬أخطأوا،‭ ‬حين‭ ‬وضعوا‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أولا‭ ‬وثانيا‭ ‬حين‭ ‬اعتبروا‭ ‬إسرائيل‭ ‬عدوا‭ ‬صادقا‭. ‬أن‭ ‬تثق‭ ‬اليوم‭ ‬بحماس‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تثق،‭ ‬ليست‭ ‬تلك‭ ‬المسألة‭. ‬فحماس‭ ‬هي‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬تمارس‭ ‬شتى‭ ‬صنوف‭ ‬الاستهتار‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬برعاية‭ ‬دولية‭.‬

لا‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬كان‭ ‬بمستوى‭ ‬الثقة‭ ‬ولا‭ ‬إسرائيل‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬اختراقا‭ ‬لوجودها‭ ‬الاستيطاني‭ ‬وتعترف‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بإقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭ ‬التي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬للعرب‭ ‬أن‭ ‬اعتبروها‭ ‬ميزانا‭ ‬عادلا‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا