تصوير- محمد عبدالله
على أطراف مدينة المحرق القديمة، يسكن آخر البنائين والمرممين البحرينيين، الحاج أحمد حسين البناء، الذي ورث المهنة عن أبيه عن جده. انخرط في المهنة وهو في الثانية عشرة من عمره. ومارسها بمعية والده وعمه، تنقلا بين البحرين والسعودية، وبالتحديد مدينتي الخبر والظهران.
شارك الحاج أحمد في ترميم العديد من المباني والمواقع التراثية – وقت كان بناءا يتبع إدارة الآثار والمتاحف، خلال فترة إشراف الشيخة هيا بنت علي آل خليفة على ترميم المواقع التراثية- في فترة الثمانينات، وبقي في المهنة حتى العام 2003، وقت ترك الوظيفة للتقاعد.
تتوزع المواقع التاريخية التي شارك في ترميمها الحاج أحمد في مناطق متفرقة في المملكة وتقع في مناطق المحرق والرفاع والجسرة وسار وباربار، من بينها بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وبيت الجسرة وقلاع البحرين وعراد والرفاع ومسجد الخميس وبيت سيادي ومسجد سيادي ومعبد باربار ومعابد سار، إلى جانب العيون التاريخية، من بينها عين أم السجور التاريخية التي تقع في قرية الدراز.
يستذكر الحاج أحمد مشاركته في ترميم بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة – يقع في مدينة المحرق القديمة- بمعية بنائون بحرينيون آخرون خلال ثمانينات القرن الماضي وبمشاركة من بعثة تونسية، حيث تم إرجاع جدران المنزل الإسمنتية إلى جبسية، ليستعيد الطابع القديم. استغرق الترميم ما يقارب عام كامل او أكثر ليتحول بعدها إلى متحف للزائرين. ويتذكر الحاج أحمد مساهمته في ترميم بيت القهوة المحاذي لبيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أيضا.
تجدر الإشارة إلى أن حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أقام في نفس البيت وجعل منه مقراً لمجلس نوّاب حكومته. وهو يتكوّن من 4 باحات، بكل واحدة منها عدد من الغرف التي تعكس الحياة الملكية في القرن 19.
أما قلعة البحرين فاستمر الحاج أحمد في ترميمها لما يقارب 10-15 سنة، حيث تم الاكتفاء باستبدال الحصى وتثبيته بواسطة الجبس فقط، وهي الطريقة الأكثر قدما في عمليات البناء التقليدية التي تستثنى عملية المسح، لتظهر معالم الجداران.
خلال عمليات الترميم التي كانت تجريها إدارة الآثار، كانت يتشارك مع الحاج أحمد 4 بناءون بحرينيين آخرون، انضموا للإدارة خلال ثمانينات القرن الماضي كموظفين يقومون بعمليات الترميم لكل المواقع التاريخية في البحرين، ومن بينهم علي سلمان وناجي بوشرار وعبدالله الحايكي.
ويقول الحاج أحمد "يتم اختيار البنائون البحرينيون من قبل الإدارة من أجل الحفاظ على تفاصيل البناء التقليدية المحلية. يشرف عليهم مهندسون أجانب أو بحرينيين. كنا نزاول عملنا من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية ظهرا، ونستخدم في عمليات الترميم الجبس السعودي والحصى البحري أو الحصى المستخرج من عمليات هدم المباني القديمة".
مهنة البناء
بدأ الحاج أحمد ممارسة المهنة كمعاون مع والده، يقوم بتنفيذ أوامر الأستاذ الذي يرشد البنائون لمهامهم ويتنقل بين كافة مناطق البحرين بدءا من المحرق، مسقط رأسه وحتى الرفاع. وبعد ما يقرب 8 سنوات بعد أن وصل لمرحلة الإتقان، بدأ أحمد بممارسة دور الأستاذ بعد أن "طلعت لي أجنحة" وفقا تعبيره. في سن 20 سنة، انفصل أحمد عن والده وبدأ يشرف على بناء المنازل. ويقول الحاج أحمد "كانت تكلفة بناء البيت الواحد خلال فترة السبعينات تتراوح ما بين 12-15 ألف روبية. تستغرق عملية البناء لكل بيت ما بين 4 أشهر وحتى سنة واحدة. وهي نفسها المدة المستغرقة لعملية بناء بيوت التجار وعلية القوم، إلا أن البنائون كانوا يبيتون في موقع البناء لأشهر متواصلة. حيث يتركون منازلهم طوال 6 أيام متواصلة، بدءا من صباح السبت وحتى مساء الخميس، ليعودوا إلى منازلهم في ليل الخميس ويبيتون فيها". ويروي الحاج "يمنح البناء أجرا يوميا يصل إلى 20 روبية، وخلال 6 أيام عمل نحو 120 روبية. أما العامل فأجره اليومي نحو 7 روبيات". تستمر ساعات العمل – كما هو متعارف عليه خلال تلك الفترة- بدءا من الساعة السادسة صباحا حتى أذان المغرب.
الجد أحمد
يتحدث الحاج أحمد، جده الذي يحمل نفس إسمه، أحمد محمد البناء وعمل في نفس المهنة، البناء والنقش، ويبين "كان ماهرا في النقش التراثي للمنازل. بنى قصور الحكام، من بينها قصر الرفاع وقصر الصخير وبيت أم جان.
يستذكر الحاج أحمد جزء من تفاصيل الحياة اليومية لوالده وأقربائه في مواقع العمل. فبسبب ضعف السيولة المالية قبل اكتشاف النفط، استخدم الحاج المرحوم أحمد بن ضيف البناء عملة يومية للعمالة، خلال عشرينات القرن الماضي وما قبلها، وبعد مضي أسبوع كامل، يسترجع العملة ويمنح العمال أموالهم. تتضمن العملة المصنوعة من التنك ختما يحمل اسم البناء نفسه. وهي عادة لجأ لها العديد من البنائون في فريج البناي بمدينة المحرق القديمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك