العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى الشعوب الغربية والشرقية.. مع التحية

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٧ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

دعونا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬نتفق‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬واحد‭ ‬ومهم‭ ‬وهو‭ (‬اننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬نبغضكم‭ ‬ولا‭ ‬نكرهكم‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬أوصل‭ ‬إليكم‭ ‬وأبلغكم‭ ‬اننا‭ ‬في‭ ‬عداء‭ ‬معكم‭ ‬هم‭ ‬زعماؤكم‭ ‬وبعض‭ ‬مفكريكم،‭ ‬وكل‭ ‬مناهجكم‭ ‬التعليمية‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلامكم،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬قاموا‭ ‬بغرز‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬أدمغتكم‭ ‬وهي‭ ‬أننا‭ ‬نكرهكم‭ ‬ونرجو‭ ‬لكم‭ ‬الفناء‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يوجدوا‭ ‬عدوا‭ ‬لكم‭ ‬وبذلك‭ ‬فإنكم‭ ‬سوف‭ ‬تُسلمون‭ ‬لزعمائكم‭ ‬وتوافقونهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يفعلون،‭ ‬توافقونهم‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬القوات‭ ‬والجيوش‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬العراق‭ ‬واليوم‭ ‬فلسطين‭ ‬وأنتم‭ ‬تدفعون‭ ‬الضرائب‭ ‬تلو‭ ‬الضرائب‭ ‬لدعم‭ ‬وقتل‭ ‬العدو‭ ‬المبهم‭ ‬والوحش‭ ‬الكاسر‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يغزو‭ ‬حياتهم‭ ‬ويعيدكم‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬الظلام،‭ ‬هكذا‭ ‬أوصلوا‭ ‬وجودنا‭ ‬إلى‭ ‬عقولكم‭.‬

ولكن‭ ‬تعالوا‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدقائق‭ ‬لنبين‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬نحن،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭.‬

ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬فإننا‭ ‬نرجو‭ ‬ألا‭ ‬تنظروا‭ ‬وتتفحصوا‭ ‬حال‭ ‬المسلمين‭ ‬اليوم،‭ ‬فهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬حالاتهم،‭ ‬لا‭ ‬تقيسوا‭ ‬الإسلام‭ ‬بهم،‭ ‬فجزء‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬يعيش‭ ‬توابع‭ ‬لفكركم‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬الشرقي،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬منكم‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬فليذهب‭ ‬ويقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭.‬

اقرأوا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬دعوا‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬تسري‭ ‬في‭ ‬عروقكم‭ ‬وشرايينكم،‭ ‬دعوها‭ ‬تغسل‭ ‬قلوبكم‭ ‬وتمس‭ ‬شغاف‭ ‬مشاعركم،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬عقولكم،‭ ‬عندئذ‭ ‬ستجدون‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬أسئلتكم‭ ‬التي‭ ‬كنتم‭ ‬تعانون‭ ‬منها‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حياتكم،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬جئتم،‭ ‬ولماذا‭ ‬أنتم‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وما‭ ‬وظيفتكم‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬المصير،‭ ‬وكل‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬تؤرقكم‭. ‬

لا‭ ‬غموض‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬فالإسلام‭ ‬دين‭ ‬بسيط‭ ‬وسهل‭. ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬دين‭ ‬مشاعر‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬عقول‭ ‬أيضًا،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬غربي‭ ‬وشرقي‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬أقر‭ ‬وآمن‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لأنه‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬قرأ‭ ‬آيات‭ ‬في‭ ‬تكون‭ ‬الجنين،‭ ‬أو‭ ‬آيات‭ ‬في‭ ‬الفلك‭ ‬والفضاء،‭ ‬أو‭ ‬آيات‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬أو‭ ‬آيات‭ ‬في‭ ‬تركيب‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الغرب‭ ‬أخذ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وأعلن‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يهزم‭ ‬القرآن،‭ ‬وعندما‭ ‬قرأ‭ ‬وتمعن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الآيات‭ ‬العظيمة‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬تخضع‭ ‬لهذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭.‬

الإسلام‭ ‬‭ ‬أيها‭ ‬السادة‭ ‬‭ ‬دين‭ ‬النظافة،‭ ‬فهو‭ ‬ينظف‭ ‬العقيدة‭ ‬والنفوس‭ ‬من‭ ‬ظلام‭ ‬العبودية‭ ‬لغير‭ ‬الله‭ ‬سبحانه،‭ ‬فالإسلام‭ ‬هو‭ ‬الدين‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬التجرد‭ ‬التام‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬الهوى‭ ‬والخوف‭ ‬والمادية‭ ‬الصرفة،‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬ألا‭ ‬نخاف‭ ‬المستقبل،‭ ‬وألا‭ ‬نخاف‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬منزلته،‭ ‬ألا‭ ‬نخاف‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬الفقر،‭ ‬لأن‭ ‬الأرزاق‭ ‬مقسمة‭ ‬منذ‭ ‬سيدنا‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬ما‭ ‬تتمناه‭ ‬اليوم‭ ‬فإنك‭ ‬حتمًا‭ ‬ستأخذ‭ ‬حقك‭ ‬ونصيبك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬وشيء‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬تتوقعه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬الرضا‭ ‬والسعادة‭ ‬الداخلية‭.‬

أتدرون‭ ‬أيها‭ ‬السادة‭ ‬إن‭ ‬نظافة‭ ‬البدن‭ ‬والجسم‭ ‬فرض‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬المسلم،‭ ‬فعلى‭ ‬الأقل‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬مطالب‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬أن‭ ‬يغتسل‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وأن‭ ‬يتوضأ‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬لكل‭ ‬صلاة،‭ ‬أتعتقدون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأجسام‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬غسلها‭ ‬بهذه‭ ‬الكيفية‭ ‬وبهذا‭ ‬التكرار‭ ‬سوف‭ ‬يتراكم‭ ‬عليها‭ ‬الغبار‭ ‬والميكروبات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمراض،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاعتناء‭ ‬بالملابس‭ ‬والشعر‭ ‬والأسنان‭ ‬وكل‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭.‬

في‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬عندنا‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل،‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬تلك،‭ ‬لأن‭ ‬نسبه‭ ‬أو‭ ‬نسبها‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬فلان‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬ففي‭ ‬الإسلام‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بلال‭ ‬الحبشي،‭ ‬وصهيب‭ ‬الرومي‭ ‬وسلمان‭ ‬الفارسي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الصديق‭ ‬وعمر‭ ‬الفاروق‭ ‬القرشيان،‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬جميعًا‭ ‬يقفون‭ ‬صفًا‭ ‬واحدة‭ ‬متراصًا‭ ‬أثناء‭ ‬الصلاة‭ ‬خلف‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬فإن‭ ‬بلال‭ ‬الحبشي‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سادة‭ ‬قريش‭ ‬والعرب،‭ ‬أتدرون‭ ‬لماذا‭ ‬؟‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يقاس‭ ‬المرء‭ ‬بحبل‭ ‬تواصله‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وبما‭ ‬يقدم‭ ‬للمجتمع‭ ‬من‭ ‬خدمات‭.‬

حتى‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬رجل‭ ‬دين،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يبيع‭ ‬صكوك‭ ‬الغفران‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬مفاتيح‭ ‬الجنة،‭ ‬ففي‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أصلاً‭ ‬صكوك‭ ‬غفران،‭ ‬فالعلاقة‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬سواء‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الصحراء،‭ ‬أنت‭ ‬والله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فلا‭ ‬وسيط‭ ‬ولا‭ ‬باب‭ ‬ولا‭ ‬عراقيل‭ ‬ولا‭ ‬عوائق،‭ ‬أطرق‭ ‬الباب‭ ‬‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ذنوبك‭ ‬أو‭ ‬خوفك‭ ‬أو‭ ‬حاجتك‭ ‬‭ ‬وأدخل‭ ‬وقل‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬وأنت‭ ‬جالس‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬جلالته،‭ ‬فهو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يسمع‭ ‬ويستجيب،‭ ‬فرجل‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬له‭ ‬بيننا‭. ‬

يُعد‭ ‬الإسلام‭ ‬الدين‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أكرم‭ ‬المرأة،‭ ‬أخرجها‭ ‬من‭ ‬ظلامات‭ ‬الجهالة‭ ‬والإهمال،‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬والعلم‭ ‬والفكر،‭ ‬أتدرون‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬جامعة‭ ‬أنشئت‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬لتعليم‭ ‬النساء‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1821‭ ‬ميلادية،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬نزاع‭ ‬شديد‭ ‬وتفكير‭: ‬هل‭ ‬المرأة‭ ‬تستحق‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬ولكن‭ ‬أتريدون‭ ‬أن‭ ‬تعرفوا‭ ‬متى‭ ‬أنشئت‭ ‬أول‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬لتعليم‭ ‬النساء،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬عام‭ ‬841‭ ‬ميلادية،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬أمريكا‭ ‬بحوالي‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭. ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬أم‭ ‬تكرم،‭ ‬فلا‭ ‬تدخل‭ ‬الجنة‭ ‬إلا‭ ‬بقبول‭ ‬رضاها،‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬بنت‭ ‬وأخت‭ ‬وزوجة‭ ‬وملكة‭ ‬حياة‭ ‬وأسرة‭. ‬الإسلام‭ ‬أكرم‭ ‬المرأة‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬حضارة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬الحاضر‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬إنسانة‭ ‬تستحق‭ ‬الاحترام‭ ‬والتبجيل،‭ ‬أو‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬دائمًا‭: ‬هل‭ ‬المرأة‭ ‬إنسان؟‭ ‬أتصدقون‭ ‬هذا؟

وفي‭ ‬الحضارة‭ ‬الغريبة‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬تُعد‭ ‬سلعة‭ ‬تباع‭ ‬وتشترى،‭ ‬كالرقيق،‭ ‬ألا‭ ‬تصدقون‭ ‬ما‭ ‬أقول،‭ ‬أنظروا‭ ‬حواليكم،‭ ‬واسألوا‭ ‬أنفسكم‭ ‬ما‭ ‬أكثر‭ ‬سلعة‭ ‬معروضة‭ ‬للبيع؟‭ ‬فكروا‭ ‬بعقولكم‭.‬

الأسرة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬‭ ‬أيها‭ ‬السادة‭ ‬‭ ‬قضية‭ ‬مهمة،‭ ‬لا،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬لأنها‭ ‬لبنة‭ ‬مجتمع‭ ‬متكامل،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬الصالح‭ ‬الحاضن‭ ‬لحياة‭ ‬الشخص،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬للأم‭ ‬والأب‭ ‬مكانة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتزعزع‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفرد،‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬مستواه،‭ ‬فقد‭ ‬أمرنا‭ ‬ديننا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬يديهما‭ ‬ورأسيهما‭ ‬كلما‭ ‬دخلنا‭ ‬عليهما‭ ‬البيت،‭ ‬وحتى‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬أرجلهما‭ ‬إن‭ ‬أمكن‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نوفي‭ ‬حقوقهما،‭ ‬لذلك‭ ‬أمرنا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ألا‭ ‬نرفع‭ ‬أصواتنا‭ ‬في‭ ‬حضرتهما‭ ‬وإن‭ ‬غضبنا‭ ‬من‭ ‬تصرفاتهما‭ ‬ألا‭ ‬نقول‭ ‬لهما‭ ‬كلمة‭ (‬أف‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أصغر‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬التذمر،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬التذمر‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وليس‭ ‬الغضب‭ ‬فحسب،‭ ‬فهل‭ ‬لديكم‭ ‬في‭ ‬مجتمعكم‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬الشرقي‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك؟

في‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إنسان‭ ‬جائع‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬مأوى،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬لديكم‭ ‬بفاقدي‭ ‬المأوى‭ (‬Homeless‭)‬،‭ ‬فالإنسان‭ ‬حتمًا‭ ‬سيجد‭ ‬له‭ ‬مأوى‭ ‬وعملا،‭ ‬وربما‭ ‬راتب،‭ ‬أتدرون‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الفاروق‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬رواتب‭ ‬لغير‭ ‬المسلمين‭ ‬المتقاعدين‭ ‬وكبار‭ ‬السن،‭ ‬هل‭ ‬لديكم‭ ‬في‭ ‬حضارتكم‭ ‬ذلك؟‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬اليوم‭ ‬بوزارة‭ ‬المالية‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬المحتاجين‭ ‬حتى‭ ‬يمنحوهم‭ ‬المكافآت‭ ‬والبيوت‭ ‬وما‭ ‬يحتاجون،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬فاضت‭ ‬أموال‭ ‬الزكاة‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬مال‭ ‬الزكاة‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬الدولة‭ ‬المسلمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬قد‭ ‬استكفوا‭ ‬فلم‭ ‬يعودوا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬بيت‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬أمر‭ ‬بشراء‭ ‬الشعير‭ ‬وسكبه‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الجبال‭ ‬لتأكل‭ ‬الطيور‭ ‬والحيوانات،‭ ‬هل‭ ‬وجدتم‭ ‬حضارة‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬الإسلام؟‭   ‬

في‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬نفرض‭ ‬عقيدتنا‭ ‬أو‭ ‬فكرنا‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬فمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬فهو‭ ‬أخ‭ ‬لنا‭ ‬له‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬لنا‭ ‬وعليه‭ ‬مثلما‭ ‬علينا‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬فله‭ ‬دينه،‭ ‬ألا‭ ‬ترون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المسلمين،‭ ‬فالإسلام‭ ‬لا‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬اعتناقه،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ينافي‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭ ‬والدين،‭ ‬فالإسلام‭ ‬يحترم‭ ‬الأديان‭ ‬وحريات‭ ‬الناس‭ ‬وفكرهم‭ ‬بل‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬أيًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭. ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الإسلام‭ ‬يحرم‭ ‬الاختلاط‭ ‬بالحضارات‭ ‬والعقائد‭ ‬والأفكار‭ ‬لما‭ ‬تمكّن‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬الأوائل‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬الحضارة‭ ‬الهندية‭ ‬والصينية‭ ‬بل‭ ‬وتطويرها‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬علومها‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغتها،‭ ‬وتفجير‭ ‬مكنوناتها،‭ ‬وتحويلها‭ ‬وترجمتها‭ ‬وتعديلها‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬مفاهيم‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة،‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬ودمشق‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬وفرنسا‭ ‬قدمنا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬والفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بصورتها‭ ‬النقية‭. ‬

الإسلام‭ ‬‭ ‬أيها‭ ‬السادة‭ ‬‭ ‬لم‭ ‬ينتشر‭ ‬بالسيف‭ ‬حسبما‭ ‬تم‭ ‬إبلاغكم،‭ ‬وغرس‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬عقولكم،‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬دموي‭ ‬وإرهابي،‭ ‬وإنما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬وانتشر‭ ‬في‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬بأخلاق‭ ‬القرآن‭ ‬وتشريعاته‭ ‬وبأخلاق‭ ‬المسلمين‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجهاد‭ ‬الذي‭ ‬تخافون‭-  ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تعاليمه‭ ‬واضحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها،‭ ‬وكانت‭ ‬الأوامر‭ ‬للجنود‭ ‬ألا‭ ‬يقتلوا‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬النساء‭ ‬أو‭ ‬المواطنين‭ ‬والمدنيين‭ ‬أو‭ ‬الأسرى،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الجهاد‭ ‬ليس‭ ‬القتل‭ ‬والقتال،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيصال‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬الى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض‭ ‬والشعوب‭ ‬والبشر،‭ ‬ولكن‭ ‬قادتكم‭ ‬كانوا‭ ‬يرفضون‭ ‬ذلك،‭ ‬أتدرون‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬تعرفتم‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬فإنكم‭ ‬سترفضون‭ ‬أي‭ ‬فكر‭ ‬وثقافة‭ ‬وتشريع‭ ‬آخر،‭ ‬لأن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الدين‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني،‭ ‬مهما‭ ‬قيل‭ ‬لكم‭ ‬أو‭ ‬زيفه‭ ‬الكلام‭ ‬الإعلامي‭ ‬المسموم‭ ‬الذي‭ ‬يبث‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬دولكم‭.‬

أيها‭ ‬السادة‭ ‬والسيدات،‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أطيل‭ ‬عليكم،‭ ‬وإنما‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أدعوكم‭ ‬فقط‭ ‬لقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬اقرأوا‭ ‬كلماته‭ ‬وآياته،‭ ‬افهموا‭ ‬فكره‭ ‬وعباراته،‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬تستوعبوا‭ ‬مفاهيمه‭ ‬وأطروحاته،‭ ‬عندئذ‭ ‬ستفهمون‭ ‬أن‭ ‬إعلامكم‭ ‬ومناهجكم‭ ‬التعليمية‭ ‬وزعماءكم‭ ‬يكذبون‭ ‬عليكم،‭ ‬ولا‭ ‬نفرض‭ ‬عليكم‭ ‬الإسلام‭ ‬فهذا‭ ‬شأنكم‭ ‬وحريتكم،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬نرجوه‭ ‬منكم‭ ‬أن‭ ‬تتركوا‭ ‬للأفراد‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭.‬

فمن‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬الحقيقة‭ ‬فسيجدها‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬فهذا‭ ‬شأنه‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا