العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدور الأمريكي من غزة إلى أوكرانيا

بقلم: د. جيمس زغبي

الثلاثاء ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لقد‭ ‬ظلت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬خارج‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الجرائد‭ ‬الأمريكية‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬تعد‭ ‬قصة‭ ‬قديمة‭ ‬تراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬بسبب‭ ‬الفظائع‭ ‬المرعبة‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬عادت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬العناوين‭ ‬الرئيسية‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬التطورات‭ ‬هناك،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬إضافي‭ ‬بقيمة‭ ‬61‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لإعادة‭ ‬تعزيز‭ ‬ترسانة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المتضائلة‭.‬

ويعود‭ ‬تردد‭ ‬الكونجرس‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭. ‬لم‭ ‬يؤيد‭ ‬بعض‭ ‬المشرعين‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬الآن‭ ‬بمثابة‭ ‬مأزق‭ ‬مميت‭ ‬مستمر‭ ‬منذ‭ ‬عامين‭. ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬الجمهوريين‭ ‬أن‭ ‬الضرورة‭ ‬الملحة‭ ‬وراء‭ ‬طلب‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬المساعدة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬فرصة‭ ‬للضغط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬تأمين‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭.‬

ويسعى‭ ‬جمهوريون‭ ‬آخرون‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بخفض‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يدعو‭ ‬بعض‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تخصيص‭ ‬الأموال‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬المحلي‭ ‬ذاته‭.‬

لقد‭ ‬أدى‭ ‬الجدل‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬حول‭ ‬طلب‭ ‬بايدن‭ ‬للمساعدة‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالفعل‭ ‬برئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الجمهوري‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يسبب‭ ‬الآن‭ ‬صداعًا‭ ‬لخليفته‭. ‬إن‭ ‬الحل‭ ‬غير‭ ‬مؤكد،‭ ‬لكن‭ ‬الأقليات‭ ‬المصوتة‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬الجمهوري‭ ‬والديمقراطي‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتمويل‭ ‬المستمر‭ ‬للحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬منذ‭ ‬عامين‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ويعكس‭ ‬تحفظ‭ ‬المشرعين‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشأن‭ ‬أفضل‭ ‬السبل‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬أجرت‭ ‬مؤسسة‭ ‬زغبي‭ ‬للأبحاث‭ ‬دراسة‭ ‬استقصائية‭ ‬للمواقف‭ ‬تجاه‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬سبع‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬لقد‭ ‬وجدنا‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬البلدان‭ ‬تبرما‭ ‬متزايداً‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬الحرب‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التفاوض‭.‬

ويقول‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬خمسة‭ ‬مشاركين‭ ‬أمريكيين‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مسؤولة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬كما‭ ‬العقبة‭ ‬الرئيسية‭ ‬أمام‭ ‬السلام،‭ ‬وهي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬يتقاسمها‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬والجمهوريون‭ ‬بالتساوي‭. ‬

ويشعر‭ ‬سبعة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬أمريكيين‭ ‬بالقلق‭ ‬إزاء‭ ‬تكاليف‭ ‬الحرب‭ ‬ويريدون‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬لإنهائها،‭ ‬وهو‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬الجمهوريين‭ ‬وستة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬ديمقراطيين‭. ‬ويرى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الجمهوريين‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬أضعفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي‭.‬

ويزعم‭ ‬معارضو‭ ‬استمرار‭ ‬التمويل‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكثف‭ ‬جهودها‭ ‬وتدفع‭ ‬الفاتورة‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬متجاهلة‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬أوروبا‭. ‬فأولا،‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬أي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬لمطابقة‭ ‬مستوى‭ ‬التمويل‭ ‬الأمريكي‭ ‬الداعم‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

إن‭ ‬التيار‭ ‬الشعبوي‭ ‬المتنامي‭ ‬ذا‭ ‬الميول‭ ‬اليمينية‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬يتسم‭ ‬بميل‭ ‬قوي‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬والانعزالية‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬انخفض‭ ‬الدعم‭ ‬الأوروبي‭ ‬لزيادة‭ ‬شحنات‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمساعدات‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

وبينما‭ ‬يُظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬مؤسسة‭ ‬زغبي‭ ‬أن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬الأوروبيين‭ ‬يواصلون‭ ‬تحميل‭ ‬روسيا‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحرب‭ ‬ويدعمون‭ ‬العقوبات،‭ ‬فإن‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الطاقة،‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬والعقوبات‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬أثرت‭ ‬سلباً‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأوروبي‭.‬

ويقول‭ ‬ثمانية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬10‭ ‬أشخاص‭ ‬الآن‭ ‬إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬قلقهم‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬ولأن‭ ‬تكاليف‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬مرتفعة‭ ‬للغاية،‭ ‬يجب‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الأرواح‭ ‬والموارد‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انقسام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬حول‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وتزايد‭ ‬تساؤلات‭ ‬أوروبا‭ ‬حول‭ ‬تكاليفها،‭ ‬فقد‭ ‬ضاعف‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬دعمه‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬باعتبارهما‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬المميزة‭ ‬لإدارته‭.‬

قام‭ ‬الرئيس‭ ‬مؤخراً‭ ‬بكتابة‭ ‬مقال‭ ‬يحاول‭ ‬فيه‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬الحروب‭ ‬ضد‭ ‬بوتين‭ ‬وحماس‭ ‬باعتبارها‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬جيلنا‭. ‬وقد‭ ‬ارتدى‭ ‬بايدن‭ ‬عباءة‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد،‭ ‬وتدثر‭ ‬جلباب‭ ‬رونالد‭ ‬ريغان‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إمبراطورية‭ ‬الشر،‭ ‬وجورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬الذي‭ ‬يتحدى‭ ‬محور‭ ‬الشر‭ ‬الذي‭ ‬اخترعه،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬أمريكا‭ ‬قوة‭ ‬الخير‭ ‬ضد‭ ‬قوى‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬ضرورية‭ ‬لتأمين‭ ‬مستقبل‭ ‬البشرية‭.‬

إنها‭ ‬صيغة‭ ‬مشكوك‭ ‬فيها‭. ‬حماس‭ ‬ليست‭ ‬روسيا،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬أوكرانيا‭. ‬ولا‭ ‬يشكل‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬التحدي‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمثله‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬للغرب‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬هي‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

ومن‭ ‬ثم،‭ ‬فإن‭ ‬مجموعة‭ ‬متنامية‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬حربا‭ ‬بلا‭ ‬نهاية‮»‬‭ ‬أخرى‭ ‬ــ‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬تحديا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وإدارة‭ ‬بايدن‭.‬

وبينما‭ ‬كانت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬خارج‭ ‬عناوين‭ ‬الأخبار،‭ ‬أخرت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬القرارات‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬الكونجرس‭ ‬والبيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بشأن‭ ‬المستقبل‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأمور‭ ‬الميزانية‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العام،‭ ‬فإن‭ ‬يوم‭ ‬الحساب‭ ‬أصبح‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬كان‭. ‬

 

رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا