العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا سيحدث لو انتهت الحرب في غزة؟

بقلم: فاروق يوسف

الأربعاء ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

هل‭ ‬يرفض‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أن‭ ‬يحكموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬حقا؟‭ ‬سؤال‭ ‬غرائبي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬سنوات‭ ‬الكفاح‭ ‬وحشود‭ ‬الشهداء‭ ‬وملايين‭ ‬المشردين‭ ‬وطرق‭ ‬الآلام‭ ‬التي‭ ‬عُبدت‭ ‬بالآهات‭ ‬والكوارث‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬إذًا‭ ‬القياس‭ ‬على‭ ‬كلام‭ ‬الرئيس‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬العودة‭ ‬بغزة‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تسنى‭ ‬له‭ ‬ذلك‭. ‬ولن‭ ‬يؤخذ‭ ‬كلام‭ ‬عباس‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬فراغ‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬انسحبت‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬وهما‭ ‬أمران‭ ‬لن‭ ‬يحدثا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬مرئي‭.‬

يسبق‭ ‬أبو‭ ‬مازن‭ ‬الأحداث‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يمهد‭ ‬لها‭. ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬العارفين‭ ‬بخبايا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬سياسيا‭. ‬فـ«حماس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬غزة‭ ‬إنما‭ ‬تقاتل‭ ‬اليوم‭ ‬بشراسة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬المستقل‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أجنحة‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬السياسية‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬يائسة‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬سلطة‭ ‬رام‭ ‬الله‭. ‬ذلك‭ ‬يأس‭ ‬يشاركها‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ممَن‭ ‬لا‭ ‬يلتقون‭ ‬مع‭ ‬خطها‭ ‬العقائدي‭.‬

لذلك‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬غزة‭ ‬بوجود‭ ‬حماس‭. ‬إعادة‭ ‬ضم‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬أشبه‭ ‬بإعادة‭ ‬احتلالها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭. ‬عملية‭ ‬مكلفة‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭.‬

غزة‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭. ‬وفي‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬أنتجت‭ ‬موقفا‭ ‬عربيا‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تخطيه‭ ‬والتراجع‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البدء‭ ‬بمحادثات‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬مدينة‭ ‬وقبور‭ ‬ضحايا‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬مشاركين‭ ‬في‭ ‬النزاع؛‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬جنون‭ ‬إسرائيل‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬المحادثات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬سيرفع‭ ‬شعار‭ ‬إعمار‭ ‬غزة‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬في‭ ‬المرات‭ ‬السابقة‭. ‬

فالحرب‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬بسبب‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬الغربي‭ ‬المصطف‭ ‬وراء‭ ‬الهمجية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

المؤكد‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬جنونها،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬فقدته‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬بينة‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مخطط‭ ‬حماس‭ ‬سيقودها‭ ‬إلى‭ ‬مستنقع‭ ‬لن‭ ‬تخرج‭ ‬منه‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬سيهديها‭ ‬إلى‭ ‬سبل‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬إزعاج‭ ‬دائم‭.‬

ولكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬مريبا‭ ‬حين‭ ‬أضعفت‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تبدي‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يرعاها‭.‬

ليست‭ ‬إسرائيل‭ ‬بريئة‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬خبيث‭ ‬لعبته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألّا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬جبهة‭ ‬فلسطينية‭ ‬موحدة‭ ‬تقف‭ ‬أمامها‭. ‬لذلك‭ ‬ظنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬انشقاق‭ ‬حماس‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬خارج‭ ‬سيطرة‭ ‬السلطة‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحتها‭. ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬نهائي‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولتهم‭ ‬المستقلة‭.‬

السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬خياليا‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬هو‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬انهارت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬تصر‭ ‬إسرائيل‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬بالحرب‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها؟‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬السؤال‭ ‬بمَن‭ ‬يحكم‭ ‬غزة،‭ ‬إسرائيل‭ ‬والسلطة‭ ‬غير‭ ‬راغبتين‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬بمَن‭ ‬سيدير‭ ‬شؤون‭ ‬مليوني‭ ‬إنسان،‭ ‬فقد‭ ‬أغلبهم‭ ‬بيوتهم‭ ‬التي‭ ‬هدمها‭ ‬القصف‭ ‬وانقطعت‭ ‬مصادر‭ ‬رزقهم‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لديهم‭ ‬ما‭ ‬يسند‭ ‬أسباب‭ ‬عيشهم‭ ‬من‭ ‬غذاء‭ ‬ودواء‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مستوياتها‭ ‬الدنيا‭. ‬

إن‭ ‬وجود‭ ‬حشد‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مليونين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬الهائمين‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هويتهم‭ ‬تفرض‭ ‬انتماءهم‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬اعترف‭ ‬العالم‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بوجودها‭. ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬سوف‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭ ‬مصير‭ ‬الضحايا‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬ضاغطا‭. ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬مَن؟

هناك‭ ‬مَن‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬دولية‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬هدية‭ ‬مسمومة‭. ‬ولكن‭ ‬غزة‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬عيشها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صارت‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭. ‬

غير‭ ‬أنّ‭ ‬حياة‭ ‬حقيقية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُقام‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭. ‬كان‭ ‬الحصار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أسوأ‭ ‬أسلحة‭ ‬الحرب‭ ‬وأكثرها‭ ‬رداءة‭. ‬لقد‭ ‬وضعها‭ ‬ذلك‭ ‬الحصار‭ ‬أمام‭ ‬شعب‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬زوالها‭. ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬الإدارة‭ ‬الدولية‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬لإسرائيل‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا