العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

دروس من معركة الصمود الأسطوري لأهالي غزة الشرفاء

بقلم: الشيخ خميس النقيب*

الجمعة ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إنه‭ ‬واقعٌ‭ ‬مرير‭ ‬في‭ ‬عالمٍ‭ ‬مُتَّشِح‭ ‬بالظلم‭ ‬والخِذلان،‭ ‬مجرد‭ ‬من‭ ‬الإنسانية،‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬والقسط،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ‬وعصم،‭ ‬الناس‭ ‬للأسف‭ ‬في‭ ‬غابة،‭ ‬القوي‭ ‬يأكل‭ ‬الضعيف،‭ ‬والمجرم‭ ‬يتَّهم‭ ‬الشريف،‭ ‬والغني‭ ‬يلتهم‭ ‬الفقير،‭ ‬الضحية‭ ‬أمسى‭ ‬جلَّادًا،‭ ‬والجلاد‭ ‬أصبح‭ ‬ضحية،‭ ‬واختلط‭ ‬الحابل‭ ‬بالنابل،‭ ‬الدماء‭ ‬تسيل،‭ ‬والجثث‭ ‬تتساقط،‭ ‬والأرواح‭ ‬تتصاعد،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬حرمة‭ ‬الدم‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬عظيمة،‭ ‬بل‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬الكعبة‭: ‬‮«‬والذي‭ ‬نفس‭ ‬محمد‭ ‬بيده،‭ ‬لَحُرْمَةُ‭ ‬المؤمن‭ ‬أعظم‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬حرمةً‭ ‬منك؛‭ ‬ماله‭ ‬ودمه،‭ ‬وأن‭ ‬نظنَّ‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬خيرًا»؛‭ (‬رواه‭ ‬ابن‭ ‬ماجه،‭ ‬وصححه‭ ‬الألباني‭).‬

‭ ‬للأسف‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يصرفوا‭ ‬المسلمين‭ ‬عن‭ ‬دماء‭ ‬إخوانهم‭ ‬الزكية‭ ‬التي‭ ‬تسيل‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وغزة‭ ‬الأبية،‭ ‬فهل‭ ‬تجدي‭ ‬الصرخات؟‭ ‬هل‭ ‬ينفع‭ ‬النحيب؟‭ ‬هل‭ ‬تنجح‭ ‬الصيحات؟‭ ‬هل‭ ‬يفلح‭ ‬الشَّجْب‭ ‬فحسب؟‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يرضي‭ ‬هذ‭ ‬رسول‭ ‬الإسلام،‭ ‬إنما‭ ‬يرضيه‭ ‬اتِّباع‭ ‬سُنَّتِهِ،‭ ‬ونصرة‭ ‬دعوته،‭ ‬وفهم‭ ‬شريعته،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬جهاد‭ ‬بالنفس‭ ‬والنفيس‭.‬

‭ ‬نحن‭ ‬نشاهد‭ ‬كلَّ‭ ‬يوم‭ ‬الجثث‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬وتحت‭ ‬الأرض،‭ ‬أطفال،‭ ‬نساء،‭ ‬شيوخ،‭ ‬كلهم‭ ‬مدنيون،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الجهاد‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وفي‭ ‬جموع‭ ‬فلسطين،‭ ‬بل‭ ‬ماتت‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬أما‭ ‬هم‭ ‬فقد‭ ‬ارتقَوا‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬الجِنان،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬مع‭ ‬النبيين‭ ‬والصديقين‭ ‬والشهداء‭ ‬والصالحين‭... ‬كيف؟‭ ‬إنهم‭ (‬أَحْيَاءٌ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬رَبِّهِمْ‭ ‬يُرْزَقُونَ‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬169‭).‬

‭ ‬رسالة‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬عصيب‭ ‬لكل‭ ‬الأطراف،‭ ‬للمجاهدين‭ ‬والمترددين‭ ‬والمشككين‭ ‬والمخذِّلين‭.‬

‭ ‬جند‭ ‬الأقصى‭: ‬صامدون،‭ ‬يزهدون‭ ‬فيما‭ ‬عند‭ ‬الناس،‭ ‬ويرغبون‭ ‬فيما‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬يتوقون‭ ‬إلى‭ ‬جنته،‭ ‬ويُهرعون‭ ‬إلى‭ ‬رضوانه،‭ ‬إنهم‭ ‬يتخفَّفون‭ ‬من‭ ‬أثقال‭ ‬الدنيا،‭ ‬ويتخلصون‭ ‬من‭ ‬جواذب‭ ‬الأرض،‭ ‬وينطلقون‭ ‬صوب‭ ‬الآخرة‭ ‬في‭ ‬سعادة‭ ‬غامرة،‭ ‬لسان‭ ‬حالهم‭ ‬يهتف‭: ‬وا‭ ‬فرحتاه،‭ ‬غدًا‭ ‬نلقى‭ ‬الأحِبَّة؛‭ ‬محمدًا‭ ‬وصَحْبَه‭.‬

‭ ‬جند‭ ‬الأقصى‭: ‬صامدون،‭ ‬فهم‭ ‬يعملون‭ ‬لمعادهم‭ ‬كما‭ ‬يعملون‭ ‬لمعاشهم،‭ ‬ويعملون‭ ‬لغدهم‭ ‬كما‭ ‬يعملون‭ ‬ليومهم،‭ ‬ويعملون‭ ‬لآخرتهم‭ ‬كما‭ ‬يعملون‭ ‬لدنياهم؛‭ (‬فَآتَاهُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬ثَوَابَ‭ ‬الدُّنْيَا‭ ‬وَحُسْنَ‭ ‬ثَوَابِ‭ ‬الْآخِرَةِ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الْمُحْسِنِينَ‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬148‭).‬

‭ ‬جند‭ ‬الأقصى‭: ‬صامدون،‭ ‬تجدهم‭ ‬فيضًا‭ ‬من‭ ‬العطاء،‭ ‬أقوياء‭ ‬في‭ ‬البناء،‭ ‬ثابتين‭ ‬عند‭ ‬اللقاء،‭ ‬أبطالًا‭ ‬حين‭ ‬تدلهمُّ‭ ‬الخطوب،‭ ‬صامدين‭ ‬حين‭ ‬تشتعل‭ ‬الحروب،‭ ‬لا‭ ‬ييأسون‭ ‬حين‭ ‬يقنط‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬يَمَلُّون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬حين‭ ‬يفتُر‭ ‬العاملون،‭ ‬يصنعون‭ ‬من‭ ‬الشمعة‭ ‬نورًا،‭ ‬ومن‭ ‬الحزن‭ ‬سرورًا،‭ ‬وهم‭ ‬متفائلون‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬شاكرون‭ ‬لنعمائه،‭ ‬صابرون‭ ‬في‭ ‬بأسهم،‭ ‬قانعون‭ ‬بعطاء‭ ‬ربهم‭ ‬لهم،‭ ‬مؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬لهذا‭ ‬الكون‭ ‬إلهًا‭ ‬قدَّر‭ ‬مقاديره‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يخلُق‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض‭ ‬بخمسين‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭.‬

جند‭ ‬الأقصى‭: ‬صامدون،‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬متاع‭ ‬الدنيا‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬فإنه‭ ‬قصير،‭ ‬ومهما‭ ‬كثر‭ ‬فإنه‭ ‬قليل‭: (‬قُلْ‭ ‬مَتَاعُ‭ ‬الدُّنْيَا‭ ‬قَلِيلٌ‭ ‬وَالْآخِرَةُ‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬لِمَنِ‭ ‬اتَّقَى‭ ‬وَلَا‭ ‬تُظْلَمُونَ‭ ‬فَتِيلًا‭) -‬النساء‭: ‬77-‭.‬

‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬الآخرة‭ ‬هي‭ ‬الخالدة،‭ ‬هي‭ ‬الباقية؛‭ (‬بَلْ‭ ‬تُؤْثِرُونَ‭ ‬الْحَيَاةَ‭ ‬الدُّنْيَا‭ - ‬وَالْآخِرَةُ‭ ‬خَيْرٌ‭ ‬وَأَبْقَى‭) (‬الأعلى‭: ‬16،‭ ‬17‭).‬

‭ ‬جند‭ ‬الأقصى‭: ‬صامدون،‭ ‬يتحركون‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬بهذا‭ ‬الفَهم،‭ ‬ويعيشون‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬بهذا‭ ‬الفقه،‭ ‬تبقى‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬أيديهم‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فيجعلونها‭ ‬مزرعة‭ ‬لآخرتهم،‭ ‬ومرضاة‭ ‬لربهم،‭ ‬لقد‭ ‬وعى‭ ‬المجاهدون‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬الحبيبة‭ - ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬الأبية‭ - ‬ذلك‭ ‬جيدًا،‭ ‬فلم‭ ‬يعملوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصلحة‭ ‬شخصية‭ ‬ولا‭ ‬منفعة‭ ‬مادية،‭ ‬ولا‭ ‬شهوة‭ ‬حسية،‭ ‬وإنما‭ ‬يعملون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعمار‭ ‬الحياة؛‭ ‬حبًّا‭ ‬لذات‭ ‬الله،‭ ‬واتباعًا‭ ‬لرسول‭ ‬الله؛‭ (‬قُلْ‭ ‬إِنْ‭ ‬كُنْتُمْ‭ ‬تُحِبُّونَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬فَاتَّبِعُونِي‭ ‬يُحْبِبْكُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬وَيَغْفِرْ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬ذُنُوبَكُمْ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬غَفُورٌ‭ ‬رَحِيمٌ‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬31‭).‬

‭ ‬نعم،‭ ‬جند‭ ‬الأقصى‭ ‬الصامدون‭ ‬علموا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬جعل‭ ‬النصر‭ ‬بيده؛‭ (‬وَمَا‭ ‬النَّصْرُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬مِنْ‭ ‬عِنْدِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬الْعَزِيزِ‭ ‬الْحَكِيمِ‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬126‭)‬،‭ ‬واختصهم‭ ‬به؛‭ (‬وَكَانَ‭ ‬حَقًّا‭ ‬عَلَيْنَا‭ ‬نَصْرُ‭ ‬الْمُؤْمِنِينَ‭) (‬الروم‭: ‬47‭)‬،‭ ‬لكنه‭ ‬علَّق‭ ‬هذا‭ ‬النصر‭ ‬وشَرَطَه‭ ‬بعمل‭ ‬المؤمنين‭ ‬أنفسهم؛‭ (‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬إِنْ‭ ‬تَنْصُرُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬يَنْصُرْكُمْ‭ ‬وَيُثَبِّتْ‭ ‬أَقْدَامَكُمْ‭) (‬محمد‭: ‬7‭).‬

جند‭ ‬فلسطين‭: ‬علِموا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أرسل‭ ‬رسولهم‭ ‬بالسيف،‭ ‬وجعل‭ ‬رزقه‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬رمحه‭: ((‬بُعِثْتُ‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الساعة‭ ‬بالسيف،‭ ‬حتى‭ ‬يُعبَدَ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له،‭ ‬وجُعِلَ‭ ‬رزقي‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬رمحي،‭ ‬وجُعِلَ‭ ‬الذل‭ ‬والصَّغار‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬خالف‭ ‬أمري،‭ ‬ومن‭ ‬تشبَّه‭ ‬بقوم‭ ‬فهو‭ ‬منهم‭))‬؛‭ (‬صحيح‭ ‬الجامع‭).‬

‭ ‬لذلك‭ ‬انطلقوا‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬ما‭ ‬بقوا،‭ ‬إلى‭ ‬المجد‭ ‬التليد،‭ ‬يحققون‭ ‬للأمة‭ ‬الوعد‭: (‬فَإِذَا‭ ‬جَاءَ‭ ‬وَعْدُ‭ ‬أُولَاهُمَا‭ ‬بَعَثْنَا‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬عِبَادًا‭ ‬لَنَا‭ ‬أُولِي‭ ‬بَأْسٍ‭ ‬شَدِيدٍ‭ ‬فَجَاسُوا‭ ‬خِلَالَ‭ ‬الدِّيَارِ‭ ‬وَكَانَ‭ ‬وَعْدًا‭ ‬مَفْعُولًا‭) (‬الإسراء‭: ‬5‭)‬،‭ ‬ويحذرونها‭ ‬الوعيد‭: (‬وَنُفِخَ‭ ‬فِي‭ ‬الصُّورِ‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬يَوْمُ‭ ‬الْوَعِيدِ‭ - ‬وَجَاءَتْ‭ ‬كُلُّ‭ ‬نَفْسٍ‭ ‬مَعَهَا‭ ‬سَائِقٌ‭ ‬وَشَهِيدٌ‭ - ‬لَقَدْ‭ ‬كُنْتَ‭ ‬فِي‭ ‬غَفْلَةٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬هَذَا‭ ‬فَكَشَفْنَا‭ ‬عَنْكَ‭ ‬غِطَاءَكَ‭ ‬فَبَصَرُكَ‭ ‬الْيَوْمَ‭ ‬حَدِيدٌ‭) (‬ق‭: ‬20‭ - ‬22‭).‬

‭ ‬لقد‭ ‬أخبر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يبتلي‭ ‬عباده‭ ‬بالمحن؛‭ ‬ليتبيَّنَ‭ ‬الصادق‭ ‬من‭ ‬الكاذب،‭ ‬والمرابط‭ ‬من‭ ‬المخادع،‭ ‬والجازع‭ ‬من‭ ‬الصابر،‭ ‬والساخط‭ ‬من‭ ‬الشاكر،‭ ‬والمؤمن‭ ‬من‭ ‬الكافر،‭ ‬وهذه‭ ‬سُنَّته‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬عباده؛‭ ‬لأن‭ ‬السراء‭ ‬لو‭ ‬استمرت‭ ‬لأهل‭ ‬الإيمان،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬معها‭ ‬ضراء،‭ ‬لحصل‭ ‬الاختلاط‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فساد،‭ ‬وحكمة‭ ‬الله‭ ‬تقتضي‭ ‬تمييز‭ ‬أهل‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الشر‭.‬

‭ ‬الابتلاء‭ ‬سُنَّة‭ ‬من‭ ‬سنن‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الكون؛‭ ‬قال‭ ‬ربنا‭: (‬وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ‭ ‬بِشَيْءٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْخَوْفِ‭ ‬وَالْجُوعِ‭ ‬وَنَقْصٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْأَمْوَالِ‭ ‬وَالْأَنْفُسِ‭ ‬وَالثَّمَرَاتِ‭ ‬وَبَشِّرِ‭ ‬الصَّابِرِينَ‭ -‬الَّذِينَ‭ ‬إِذَا‭ ‬أَصَابَتْهُمْ‭ ‬مُصِيبَةٌ‭ ‬قَالُوا‭ ‬إِنَّا‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬وَإِنَّا‭ ‬إِلَيْهِ‭ ‬رَاجِعُونَ‭ - ‬أُولَئِكَ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬صَلَوَاتٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬رَبِّهِمْ‭ ‬وَرَحْمَةٌ‭ ‬وَأُولَئِكَ‭ ‬هُمُ‭ ‬الْمُهْتَدُونَ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭ - ‬157‭).‬

‭ ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭! ‬ما‭ ‬أعظم‭ ‬ردَّ‭ ‬الأمور‭ ‬والأقدار‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬وبذل‭ ‬الذل‭ ‬والتوبة،‭ ‬والانكسار‭ ‬والأوبة؛‭ ‬ليرفع‭ ‬الضراء،‭ ‬ويُديم‭ ‬السَّرَّاء‭!‬

‭ ‬يبتلي‭ ‬ليرفع‭ ‬العبد‭ ‬درجات،‭ ‬أو‭ ‬ليكفر‭ ‬عنه‭ ‬السيئات،‭ ‬وكلا‭ ‬الأمرين‭ ‬خير‭ ‬للمؤمن‭ ‬المحتسب‭.‬

‭ ‬أخبر‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬أنه‭ ‬سيبتلي‭ ‬عباده‭ (‬بِشَيْءٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْخَوْفِ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭) ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يبثُّوه‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الرباط،‭ ‬لكن‭ ‬هيهات‭ ‬هيهات،‭ (‬وَالْجُوعِ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬بشيء‭ ‬يسير‭ ‬منهما؛‭ ‬لأنه‭ ‬لو‭ ‬ابتلاهم‭ ‬بالخوف‭ ‬كله،‭ ‬أو‭ ‬الجوع،‭ ‬لَهَلَكُوا،‭ ‬والمحن‭ ‬تمحِّص‭ ‬لا‭ ‬تُهلِك،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هاشم‭ ‬بفلسطين‭ ‬جرَّاء‭ ‬الحصار‭ ‬المضروب‭ ‬منذ‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ (‬وَنَقْصٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْأَمْوَالِ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المتآمرين‭ ‬والمحاصرين،‭ (‬وَالْأَنْفُسِ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬ذهاب‭ ‬الأحباب‭ ‬من‭ ‬الأولاد،‭ ‬والأقارب،‭ ‬والأصحاب،‭ ‬بل‭ ‬ذهاب‭ ‬أُسَرٍ‭ ‬بكاملها،‭ ‬وعائلات‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ (‬وَالثَّمَرَاتِ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬الحبوب،‭ ‬وثمار‭ ‬الزيتون،‭ ‬والأشجار‭ ‬كلها،‭ ‬والخُضَر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أجهز‭ ‬عليه‭ ‬الصهاينة‭ ‬وأعوانهم‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬الأرض،‭ ‬ومحو‭ ‬البلاد،‭ ‬وقتل‭ ‬العباد‭.‬

والناس‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الابتلاءات‭ ‬نوعان‭: ‬جازعون‭ ‬خارج‭ ‬الميدان‭ ‬أيديهم‭ ‬مرتعشة،‭ ‬وقلوبهم‭ ‬منافقة،‭ ‬ومواقفهم‭ ‬مفعمة‭ ‬بالخِذلان،‭ ‬وصابرون‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الميدان،‭ ‬فلسطين‭ ‬الوفية‭ ‬وغزة‭ ‬الأبية،‭ ‬الجازع‭ ‬حصلت‭ ‬له‭ ‬مصيبتان؛‭ ‬فَقْدُ‭ ‬المحبوب،‭ ‬وفوات‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬منها،‭ ‬وفقدان‭ ‬الأجر‭ ‬بعدم‭ ‬امتثال‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬بالصبر،‭ ‬ففاز‭ ‬بالخسارة‭ ‬والحرمان،‭ ‬ونقص‭ ‬ما‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬الإيمان،‭ ‬وفاته‭ ‬الصبر‭ ‬والرضا‭ ‬والشكران،‭ ‬وحصل‭ ‬له‭ ‬السخط‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬شدة‭ ‬النقصان‭.‬

‭ ‬وأما‭ ‬من‭ ‬وفَّقه‭ ‬الله‭ ‬للصبر‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬المصائب،‭ ‬فحبس‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬التسخُّط،‭ ‬قولًا‭ ‬وفعلًا،‭ ‬واحتسب‭ ‬أجرها‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬وعلم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يدركه‭ ‬من‭ ‬الأجر‭ ‬بصبره‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬المصيبة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬المصيبة‭ ‬تكون‭ ‬نعمة‭ ‬في‭ ‬حقه؛‭ ‬لأنها‭ ‬صارت‭ ‬طريقًا‭ ‬لحصول‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬له‭ ‬وأنفع‭ ‬منها؛‭ ‬فقد‭ ‬امتثل‭ ‬أمر‭ ‬الله،‭ ‬وفاز‭ ‬بالثواب؛‭ ‬فلهذا‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وَبَشِّرِ‭ ‬الصَّابِرِينَ‭) (‬البقرة‭: ‬155‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬بشرهم‭ ‬بأنهم‭ ‬يوفون‭ ‬أجرهم‭ ‬بغير‭ ‬حساب‭.‬

‭ ‬والثابتون‭ ‬الصابرون‭ - ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وغير‭ ‬فلسطين‭ - ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬فازوا‭ ‬بالبشارة‭ ‬العظيمة،‭ ‬والمنحة‭ ‬الكبيرة؛‭ ‬ثم‭ ‬وصفهم‭ ‬بقوله‭: (‬الَّذِينَ‭ ‬إِذَا‭ ‬أَصَابَتْهُمْ‭ ‬مُصِيبَةٌ‭) (‬البقرة‭: ‬156‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يؤلم‭ ‬القلب‭ ‬أو‭ ‬البدن‭ ‬أو‭ ‬كليهما‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬ذكره‭.‬

‭ ‬شعارهم‭: (‬َقالُوا‭ ‬إِنَّا‭ ‬لِلَّهِ‭) (‬البقرة‭: ‬156‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬مملوكون‭ ‬لله،‭ ‬مدبَّرون‭ ‬تحت‭ ‬أمره‭ ‬وتصريفه،‭ ‬فليس‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأموالنا‭ ‬شيء،‭ ‬فإذا‭ ‬ابتلانا‭ ‬بشيء‭ ‬منها،‭ ‬فقد‭ ‬تصرف‭ ‬أرحم‭ ‬الراحمين،‭ ‬بمماليكه‭ ‬وأموالهم،‭ ‬فلا‭ ‬اعتراض‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬كمال‭ ‬عبودية‭ ‬العبد‭ ‬علمُه‭ ‬بأن‭ ‬وقوع‭ ‬البلية‭ ‬من‭ ‬المالك‭ ‬الحكيم،‭ ‬الذي‭ ‬أرحم‭ ‬بعبده‭ ‬من‭ ‬نفسه،‭ ‬فيوجب‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬والشكر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬تدبيره‭ ‬لِما‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬لعبده،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬بذلك،‭ ‬فكون‭ ‬العبد‭ ‬لله،‭ ‬وراجعًا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬أسباب‭ ‬الصبر،‭ ‬ومن‭ ‬عوامل‭ ‬النصر‭.‬

‭(‬أُولَئِكَ‭) (‬البقرة‭: ‬157‭) ‬الموصوفون‭ ‬بالصبر‭ ‬المذكور،‭ (‬عَلَيْهِمْ‭ ‬صَلَوَاتٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬رَبِّهِمْ‭) (‬البقرة‭: ‬157‭)‬؛‭ ‬أي‭: ‬ثناء‭ ‬وتنويه‭ ‬بحالهم،‭ (‬وَرَحْمَةٌ‭) (‬البقرة‭: ‬157‭) ‬عظيمة،‭ ‬ومن‭ ‬رحمته‭ ‬إياهم‭ ‬أن‭ ‬وفَّقهم‭ ‬للصبر‭ ‬الذي‭ ‬ينالون‭ ‬به‭ ‬كمال‭ ‬الأجر،‭ (‬وَأُولَئِكَ‭ ‬هُمُ‭ ‬الْمُهْتَدُونَ‭) (‬البقرة‭: ‬157‭) ‬الذين‭ ‬عرفوا‭ ‬الحق،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضع،‭ ‬علمهم‭ ‬بأنهم‭ ‬لله،‭ ‬وأنهم‭ ‬إليه‭ ‬راجعون،‭ ‬وعمِلوا‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬هنا‭ ‬صبرهم‭ ‬لله‭.‬

إنه‭ ‬عالم‭ ‬تخدَّرت‭ ‬فيه‭ ‬الضمائر،‭ ‬وسقطت‭ ‬فيه‭ ‬القيم،‭ ‬وانهارت‭ ‬فيه‭ ‬المبادئ،‭ ‬وتلاشت‭ ‬فيه‭ ‬الأخلاق،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬رحم‭ ‬ربي‭ ‬وعصم‭.‬

أعراض‭ ‬تُنتهَك،‭ ‬وأموال‭ ‬تُغتصَب،‭ ‬وشباب‭ ‬يغترب،‭ ‬وقامات‭ ‬تغيب،‭ ‬حقوق‭ ‬تُصادَر،‭ ‬دماء‭ ‬وأشلاء،‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ساعة،‭ ‬نيران‭ ‬تبرق،‭ ‬ونفوس‭ ‬تُزهَق،‭ ‬وأرواح‭ ‬تُحلِّق،‭ ‬لا‭ ‬دواء‭ ‬ولا‭ ‬غذاء،‭ ‬ولا‭ ‬كساء‭ ‬ولا‭ ‬إيواء،‭ ‬حتى‭ ‬المياه‭ ‬غابت‭ ‬عنهم،‭ ‬الجزار‭ ‬السفاح‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بآلته‭ ‬العسكرية،‭ ‬فيضرب‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار،‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬المرضى‭ ‬والأصحاء،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬يضرب‭ ‬المستشفيات،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬نغُطُّ‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬رحم‭ ‬الله‭.‬

الغرب‭ ‬يساعد‭ ‬الصهاينة‭ ‬المجرمين‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الباطن،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬وفي‭ ‬طليعته‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬على‭ ‬ذبح‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فهل‭ ‬لأهل‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬مناصرين‭ ‬يضمدون‭ ‬جراحهم،‭ ‬ويمسحون‭ ‬دموعهم،‭ ‬ويسُدُّون‭ ‬جوعهم؟

غزة‭ ‬تناديكم‭ ‬أطفالًا‭ ‬ونساء،‭ ‬غزة‭ ‬تناديكم‭ ‬شيوخًا‭ ‬وكهولًا،‭ ‬غزة‭ ‬تناديكم‭ ‬جوارًا‭ ‬ورحِمًا،‭ ‬غزة‭ ‬تناديكم‭ ‬تاريخًا‭ ‬ودمًا،‭ ‬غزة‭ ‬تناديكم‭ ‬بحق‭ ‬الأُخوة‭ ‬والدين‭ ‬والعقيدة‭.‬

تنهمر‭ ‬الدموع‭ ‬بغزارة،‭ ‬كيف‭ ‬لا،‭ ‬وهم‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور،‭ ‬أحدهم‭ ‬يقضي‭ ‬مقصوفًا،‭ ‬والآخر‭ ‬يقضي‭ ‬محروقًا،‭ ‬والثالث‭ ‬يقضي‭ ‬مذبوحًا،‭ ‬والرابع‭ ‬يقضي‭ ‬مهدومًا؛‭ ‬أي‭ ‬تحت‭ ‬الهدم؟

لذلك‭ ‬يرتجف‭ ‬القلم،‭ ‬وينتحب‭ ‬الحلق،‭ ‬وتنزف‭ ‬الحروف؛‭ ‬لتعبِّرَ‭ ‬عن‭ ‬بركان‭ ‬يغلي‭ ‬في‭ ‬صدر‭ ‬كلِّ‭ ‬حُرٍّ،‭ ‬وكل‭ ‬حرة،‭ ‬لكن‭ ‬البشرى‭ ‬عظيمة،‭ ‬والرائحة‭ ‬كريمة،‭ ‬والنهاية‭ - ‬بإذن‭ ‬الله‭ - ‬بهم‭ ‬رحيمة،‭ ‬كيف؟

البشرى‭ ‬عظيمة‭: ‬عن‭ ‬معاوية‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬سمعت‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يقول‭: ((‬لا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬أمتي‭ ‬أمة‭ ‬قائمة‭ ‬بأمر‭ ‬الله،‭ ‬لا‭ ‬يضرهم‭ ‬من‭ ‬خذلهم‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خالفهم‭)).‬

والرائحة‭ ‬كريمة‭: ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ((‬ما‭ ‬من‭ ‬مكلوم‭ ‬يُكلَم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬وكَلْمُه‭ ‬يَدمى،‭ ‬اللون‭ ‬لون‭ ‬دم،‭ ‬والريح‭ ‬ريح‭ ‬مسك‭))‬؛‭ (‬صحيح‭ ‬البخاري‭).‬

والنهاية‭ - ‬بإذن‭ ‬الله‭ - ‬بهم‭ ‬رحيمة،‭ ‬كيف؟

‭(‬وَلَا‭ ‬تَحْسَبَنَّ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬قُتِلُوا‭ ‬فِي‭ ‬سَبِيلِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَمْوَاتًا‭ ‬بَلْ‭ ‬أَحْيَاءٌ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬رَبِّهِمْ‭ ‬يُرْزَقُونَ‭ - ‬فَرِحِينَ‭ ‬بِمَا‭ ‬آتَاهُمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬فَضْلِهِ‭ ‬وَيَسْتَبْشِرُونَ‭ ‬بِالَّذِينَ‭ ‬لَمْ‭ ‬يَلْحَقُوا‭ ‬بِهِمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬خَلْفِهِمْ‭ ‬أَلَّا‭ ‬خَوْفٌ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬وَلَا‭ ‬هُمْ‭ ‬يَحْزَنُونَ‭ - ‬يَسْتَبْشِرُونَ‭ ‬بِنِعْمَةٍ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬وَفَضْلٍ‭ ‬وَأَنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لَا‭ ‬يُضِيعُ‭ ‬أَجْرَ‭ ‬الْمُؤْمِنِينَ‭) (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬169‭ - ‬171‭).‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحاديث‭: ((‬وأن‭ ‬رائحة‭ ‬دمه‭ ‬رائحة‭ ‬المسك،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬يكرمه‭ ‬فيرى‭ ‬مقامه‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬ويفرح‭ ‬أشد‭ ‬الفرح‭)).‬

الرحمة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الجنود‭:‬

هذه‭ ‬شهادة‭ ‬حق‭ ‬لأسيرة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬عن‭ ‬حارسها‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬تقول‭: ‬كان‭ ‬رجلًا‭ ‬بكل‭ ‬معنى،‭ ‬اهتم‭ ‬بي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولم‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقترب‭ ‬عليَّ‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجنسية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬متاحة‭ ‬له‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬الأسر‭.‬

على‭ ‬قدر‭ ‬استطاعته‭ ‬أمَّن‭ ‬لي‭ ‬كافة‭ ‬احتياجاتي‭ ‬من‭ ‬مأكل‭ ‬وملبس‭ ‬وحاجات‭ ‬نسائية‭ ‬خاصة،‭ ‬واهتم‭ ‬بعلاجي‭ ‬مع‭ ‬دكتور‭ ‬متخصص‭ ‬بسبب‭ ‬إصابتي‭ ‬العرضية‭. ‬أحببت‭ ‬احترامه‭ ‬الشديد‭ ‬لوقت‭ ‬الصلاة،‭ ‬كان‭ ‬يؤديها‭ ‬بإخلاص،‭ ‬وأحببت‭ ‬القرآن‭ ‬بصوته‭ ‬العذب‭.‬

الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬بلاده‭ ‬وأرضه‭ ‬وقضيته‭ ‬هو‭ ‬رجل‭ ‬أهل‭ ‬للارتباط‭ ‬به،‭ ‬وأضافت‭: ‬كنت‭ ‬معه‭ ‬بأمان‭ ‬مطلق،‭ ‬لم‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يشعرني‭ ‬بأنني‭ ‬أسيرة،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أقلق‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬المدمر،‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬بسلام‭ ‬معًا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬يعِجُّ‭ ‬بأناس‭ ‬قساة‭ ‬القلوب،‭ ‬الذين‭ ‬لديهم‭ ‬جمود‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خير،‭ ‬وجحود‭ ‬في‭ ‬الأنفس‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إسلام،‭ ‬جمدت‭ ‬القلوب‭ ‬فهي‭ ‬كالحجارة‭ ‬أو‭ ‬أشد‭ ‬قسوة،‭ ‬وجحدت‭ ‬النفوس‭ ‬كالابن‭ ‬الذي‭ ‬يتنكر‭ ‬لوالديه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ربَّياه،‭ ‬قلوب‭ ‬لا‭ ‬تكترث‭ ‬للقتل،‭ ‬ونفوس‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بالدماء،‭ ‬وضمائر‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬بالأشلاء‭.‬

ورغم‭ ‬الجحود‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام،‭ ‬والمنافقين،‭ ‬لكل‭ ‬غيور‭ ‬على‭ ‬دينه،‭ ‬متمسك‭ ‬بحقه،‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬أرضه،‭ ‬ثابت‭ ‬على‭ ‬مبدئه،‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭ ‬لهم‭ ‬الانتصار‭ ‬والانتشار،‭ ‬وأهل‭ ‬الظلم‭ ‬والباطل‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬الخزي‭ ‬والعار‭ ‬والشَّنار؛‭ ‬وصدق‭ ‬الله‭: (‬وَجَحَدُوا‭ ‬بِهَا‭ ‬وَاسْتَيْقَنَتْهَا‭ ‬أَنْفُسُهُمْ‭ ‬ظُلْمًا‭ ‬وَعُلُوًّا‭ ‬فَانْظُرْ‭ ‬كَيْفَ‭ ‬كَانَ‭ ‬عَاقِبَةُ‭ ‬الْمُفْسِدِينَ‭) (‬النمل‭: ‬14‭).‬

ورغم‭ ‬التشويه‭ ‬والتنكيل،‭ ‬رغم‭ ‬المكر‭ ‬والخداع،‭ ‬رغم‭ ‬الجمود‭ ‬والجحود،‭ ‬ستبقى‭ ‬غزة‭ ‬عاصمة‭ ‬الكرامة‭ ‬والعزة،‭ ‬عاصمة‭ ‬البطولة‭ ‬والصمود،‭ ‬عاصمة‭ ‬الشهادة‭ ‬والشهداء،‭ ‬عاصمة‭ ‬العطور‭ ‬الزكية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬رائحة‭ ‬دماء‭ ‬شهدائها‭ ‬أزكى‭ ‬من‭ ‬عطور‭ ‬كل‭ ‬الأرض‭: (‬وَلَقَدْ‭ ‬سَبَقَتْ‭ ‬كَلِمَتُنَا‭ ‬لِعِبَادِنَا‭ ‬الْمُرْسَلِينَ‭ - ‬إِنَّهُمْ‭ ‬لَهُمُ‭ ‬الْمَنْصُورُونَ‭ - ‬وَإِنَّ‭ ‬جُنْدَنَا‭ ‬لَهُمُ‭ ‬الْغَالِبُونَ‭) (‬الصافات‭: ‬171‭ - ‬173‭)‬،‭ (‬وَالْكَافِرُونَ‭ ‬هُمُ‭ ‬الظَّالِمُونَ‭) (‬البقرة‭: ‬254‭)‬،‭ (‬وَسَيَعْلَمُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬ظَلَمُوا‭ ‬أَيَّ‭ ‬مُنْقَلَبٍ‭ ‬يَنْقَلِبُونَ‭) (‬الشعراء‭: ‬227‭).‬

اللهم‭ ‬انصر‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬اللهم‭ ‬حقِّق‭ ‬مرادهم،‭ ‬وحرِّر‭ ‬أرضهم‭ ‬ومقدساتهم‭.‬

*‭ ‬داعية‭ ‬وباحث‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا