العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل ستسامحنا غزّة؟

بقلم: سعدية مفرح

السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

سؤالٌ‭ ‬لا‭ ‬محلّ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الانتباه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬المذابح‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الصهاينة‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقرُب‭ ‬من‭ ‬الشهرين‭ ‬ونصف‭ ‬الشهر،‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬غزّة،‭ ‬المشغولة‭ ‬بصدّ‭ ‬العدوان‭ ‬والمقاومة‭ ‬المستمرّة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملك،‭ ‬تفكّر‭ ‬فيه‭. ‬لكنه‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا،‭ ‬نحن‭ ‬الواقفون‭ ‬حول‭ ‬النار‭ ‬بدوائر‭ ‬تصغُر‭ ‬وتكبُر‭.. ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نجرُؤ‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬الابتعاد‭.‬

وهو‭ ‬سؤالٌ‭ ‬يراود‭ ‬كثيرين‭ ‬منّا‭ ‬لأنه‭ ‬سؤالٌ‭ ‬جارح،‭ ‬وإن‭ ‬حاول‭ ‬بعضنا‭ ‬تجاهله‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬التشاغل،‭ ‬وأحيانا‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬الاهتمام‭ ‬بما‭ ‬يحدُث‭ ‬لغزّة‭ ‬وفي‭ ‬غزّة‭ ‬ومن‭ ‬غزّة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬سيخفّف‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬السؤال،‭ ‬ويقلّل‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬جُرحه‭ ‬الدامي‭.. ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبدا‭.. ‬أبداً‭. ‬من‭ ‬حقها‭ ‬أن‭ ‬تمضي،‭ ‬بمفردها،‭ ‬عندما‭ ‬يكتمل‭ ‬تحقّقها‭ ‬النهائي‭ ‬ككيان‭ ‬إنساني‭ ‬مستقل‭ ‬بذاته‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬الانصهار‭ ‬منتصرة‭ ‬على‭ ‬ذاتها،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬على‭ ‬الخصم‭ ‬والآخرين،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬توصيفهم،‭ ‬ودرجة‭ ‬علاقتها‭ ‬بهم‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبداً،‭ ‬وإن‭ ‬أبديْنا‭ ‬التعاطف‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬القصف‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتواصل‭ ‬عليها،‭ ‬أرضاً‭ ‬وبشراً‭ ‬وشجراً‭ ‬ومستشفياتٍ‭ ‬ومدارس‭ ‬وبيوتاً‭ ‬ومساجد‭ ‬وشوارع‭.‬

من‭ ‬حقّها‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبداً،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتجاوَز‭ ‬المأساة،‭ ‬ويعود‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬طبيعته‭ ‬القديمة‭ (‬هل‭ ‬سيعود‭ ‬إلى‭ ‬طبيعته‭ ‬القديمة‭ ‬حقاً؟‭ ‬أم‭ ‬سيتجاوزها‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬به؟‭)‬،‭ ‬وتصبح‭ ‬الأحداث‭ ‬ذكرياتٍ‭ ‬مؤذيةٍ،‭ ‬ويصبح‭ ‬صوت‭ ‬القصف‭ ‬مجرّد‭ ‬وهمٍ‭ ‬آتٍ‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬وحسب،‭ ‬وتصبح‭ ‬الأصوات‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الرّكام‭ ‬والأنقاض‭ ‬أضغاث‭ ‬أحلام‭ ‬وكوابيس‭ ‬يسهُل‭ ‬علاجُها‭ ‬مؤقّتاً‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبداً،‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬وقفنا‭ ‬على‭ ‬السياج‭ ‬للفرجة‭ ‬والتأسّي،‭ ‬وربما‭ ‬الصراخ،‭ ‬وأحيانا‭ ‬إلقاء‭ ‬بعض‭ ‬الفتات،‭ ‬كلما‭ ‬سمح‭ ‬لنا‭ ‬العدوّ‭ ‬بفتح‭ ‬المعبر‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبداً،‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬زعمنا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬سوى‭ ‬الدعاء‭ ‬والكتابة‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬التبرّعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يستحقّها‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬وركنّا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الزعم‭ ‬المريح‭ ‬لضمائرنا،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نتعذّب‭ ‬ونحن‭ ‬نجلس‭ ‬أمام‭ ‬الشاشات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬لنتابع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬وكأنه‭ ‬فيلم‭ ‬رعبٍ‭ ‬نتحاشى‭ ‬أن‭ ‬يشاهده‭ ‬أطفالنا‭ ‬الصغار‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبداً،‭ ‬وألا‭ ‬تقبل‭ ‬أعذارنا‭ ‬السمجة،‭ ‬والتي‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نقنع‭ ‬بها‭ ‬بعضنا‭ ‬بعضا،‭ ‬خوفا‭ ‬ورهبة‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يحدُث‭ ‬لنا‭ ‬إن‭ ‬عبّرنا‭ ‬بصراحة‭ ‬عما‭ ‬يحدث،‭ ‬وأشرنا‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬المسؤول‭ ‬عنه،‭ ‬وقاومنا‭ ‬ضعفنا‭ ‬بالإصرار‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬الصريح‭ ‬إلى‭ ‬إدانة‭ ‬من‭ ‬أسهم‭ ‬بصمته‭ ‬وخنوعه‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬درجات‭ ‬الظن‭.‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبدا،‭ ‬وقد‭ ‬أسلمناها‭ ‬لعدوّنا‭ ‬الشرس،‭ ‬فحاربت‭ ‬سنواتٍ‭ ‬طويلةً‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الجميع،‭ ‬وقاومت‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الجميع‭. ‬

من‭ ‬حقّ‭ ‬غزّة‭ ‬ألا‭ ‬تسامحنا‭ ‬أبدا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تعرف،‭ ‬قبل‭ ‬غيرها،‭ ‬أننا‭ ‬منهزمون،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تمضي‭ ‬إلى‭ ‬نصرها‭ ‬الحقيقي‭ ‬الباقي‭ ‬الواضح‭ ‬الكبير‭. ‬وأننا‭ ‬منخذلون،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬انتشالنا‭ ‬في‭ ‬لحظةٍ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنها‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬حفرة‭ ‬الخذلان‭.‬

وأننا‭ ‬خائفون،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدها‭ ‬الشجاعة‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تستثمر‭ ‬هذه‭ ‬الشجاعة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العدوّ،‭ ‬وقد‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬مرارا،‭ ‬وهي‭ ‬تفعله‭ ‬مجدّدا،‭ ‬وأننا‭ ‬ضعفاء،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدَها‭ ‬القوية‭ ‬الصامدة‭ ‬الصلبة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كلّ‭ ‬شرور‭ ‬العالم،‭ ‬وأننا‭ ‬خاضعون‭ ‬للوهم‭ ‬والشكّ،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدَها‭ ‬الواثقة‭ ‬بما‭ ‬تملك،‭ ‬وبما‭ ‬يملكه‭ ‬شعبُها‭ ‬من‭ ‬قوّة‭ ‬ومن‭ ‬رباط‭ ‬الخيل،‭ ‬لتُرهب‭ ‬به‭ ‬عدوّها‭ ‬وعدوّنا‭.. ‬وأنها‭ ‬وحدها‭ ‬المتصدّية‭ ‬الشرسة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬وفي‭ ‬السلام‭ ‬أيضا‭. ‬وأننا‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬وأنها‭ ‬وحدها‭ ‬غزّة‭.‬

 

{ كاتبة‭ ‬وشاعرة‭ ‬كويتية

 

 

 

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا