العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب غزة ومغزى قصة «وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا»

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

تروي‭ ‬لنا‭ ‬كتب‭ ‬السير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬رجب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬9‭ ‬هجرية‭ ‬وعندما‭ ‬بلغت‭ ‬أخبار‭ ‬الروم‭ ‬أنهم‭ ‬عقدوا‭ ‬العزم‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وبها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬صيف‭ ‬أجدبت‭ ‬فيه‭ ‬الأرض،‭ ‬واشتد‭ ‬فيه‭ ‬الحر،‭ ‬وقل‭ ‬فيه‭ ‬الماء،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬الموقف‭ ‬مُحرجا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين،‭ ‬لكن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬حلاً‭ ‬سوى‭ ‬مواجهة‭ ‬الروم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المسلمون‭.‬

وكان‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬للرومان‭ ‬هو‭ ‬إنهاء‭ ‬القوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تهدد‭ ‬الكيان‭ ‬الروماني‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬المنطقة؛‭ ‬فخرجت‭ ‬جيوش‭ ‬الروم‭ ‬العرمرمية‭ ‬بقوى‭ ‬رومانية‭ ‬وعربية‭ ‬تقدر‭ ‬بأربعين‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭. ‬

صدر‭ ‬الأمر‭ ‬النبوي‭ ‬بالخروج‭ ‬والزحف‭ ‬لمواجهة‭ ‬حشود‭ ‬الروم،‭ ‬فبدأ‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بإبلاغ‭ ‬قبائل‭ ‬العرب‭ ‬المجاورة‭ ‬وأهل‭ ‬مكة‭ ‬لاستنفارهم‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬وحثهم‭ ‬على‭ ‬الصدقات‭ ‬والدعم‭ ‬المادي‭ ‬للجيش‭ ‬الإسلامي‭. ‬فكانت‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬المسلمين‭ ‬تجاه‭ ‬قرار‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬سريعة‭ ‬وواضحة‭ ‬فقد‭ ‬تدفقت‭ ‬القبائل‭ ‬والأفراد‭ ‬والمقاتلون‭ ‬للمدينة،‭ ‬وأتى‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ‬استعدادًا‭ ‬لقتال‭ ‬الروم‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الدعم‭ ‬المادي،‭ ‬فقد‭ ‬حث‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الغزوة‭ ‬لبعدها،‭ ‬وكثرة‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها،‭ ‬ووعد‭ ‬المنفقين‭ ‬بالأجر‭ ‬العظيم‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬فأنفق‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬مقدرته‭.‬

واستطاع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬يحشد‭ ‬ثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬والأنصار‭ ‬وأهل‭ ‬مكة‭ ‬والقبائل‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬أربعين‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭.‬

بلغ‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬تبوك،‭ ‬فأقام‭ ‬بها‭ ‬بضع‭ ‬عشرة‭ ‬ليلة،‭ ‬ولقيه‭ ‬بها‭ ‬وفد‭ ‬أذْرُح‭ ‬ووفد‭ ‬أيلة،‭ ‬فصَالحهم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬على‭ ‬الجزية،‭ ‬ثم‭ ‬قَفَل‭ ‬من‭ ‬تبوك‭ ‬ولم‭ ‬يجاوزها،‭ ‬وذلك‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬المراجع‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬انتهت‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬صدام‭ ‬وذلك‭ ‬بعدة‭ ‬أسباب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الروماني‭ ‬تشتت‭ ‬وتبدد‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬المواجهة؛‭ ‬مما‭ ‬رسم‭ ‬تغيرات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬جعلت‭ ‬حلفاء‭ ‬الروم‭ ‬يتخلون‭ ‬عنها‭ ‬ويحالفون‭ ‬العرب‭ ‬كقوة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

والذي‭ ‬يهمنا‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الغزوة،‭ ‬ليس‭ ‬الغزوة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬وكيفية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لها‭ ‬وتبرع‭ ‬الصحابة‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬الغزوة‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬يمكن‭ ‬التحدث‭ ‬فيه،‭ ‬ولكن‭ ‬دعونا‭ ‬نسمع‭ ‬بطل‭ ‬قصتنا‭ ‬اليوم‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬الكرام‭ ‬الذين‭ ‬خُلفوا،‭ ‬أي‭ ‬تأخروا‭ ‬أو‭ ‬تخلفوا‭ ‬عن‭ ‬الغزوة،‭ ‬وهو‭ ‬الصحابي‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬مالك‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬ماذا‭ ‬قال،‭ ‬يقول‭: ‬

لم‭ ‬أتخلف‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬غزوة،‭ ‬حتى‭ ‬كانت‭ ‬تبوك،‭ ‬إلا‭ ‬بدرًا‭. ‬وما‭ ‬أحب‭ ‬أني‭ ‬شهدتها،‭ ‬وفاتتني‭ ‬بيعتي‭ ‬ليلة‭ ‬العقبة‭ ‬وكلما‭ ‬أراد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬غزوة‭ ‬إلا‭ ‬ورأى‭ ‬بغيرها‭. ‬فأراد‭ ‬في‭ ‬غزوة‭ ‬تبوك‭ ‬أن‭ ‬يتأهب‭ ‬الناس‭ ‬أهبة‭ ‬وكنت‭ ‬أيسر‭ ‬ما‭ ‬كنت،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أصغو‭ ‬إلى‭ ‬الظلال‭ ‬وطيب‭ ‬الثمار،‭ ‬فلم‭ ‬أزل‭ ‬كذلك،‭ ‬حتى‭ ‬خرج‭. ‬فقلت‭: ‬أنطلق‭ ‬غدا،‭ ‬فأشتري‭ ‬جهازي،‭ ‬ثم‭ ‬ألحق‭ ‬بهم‭. ‬فانطلقت‭ ‬إلى‭ ‬السوق،‭ ‬فعسر‭ ‬عليّ،‭ ‬فرجعت،‭ ‬فقلت‭: ‬أرجع‭ ‬غدا‭. ‬فلم‭ ‬أزل‭ ‬حتى‭ ‬التبس‭ ‬بي‭ ‬الذنب،‭ ‬وتخليت،‭ ‬فجعلت‭ ‬أمشي‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬المدينة،‭ ‬فيحزنني‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬إلا‭ ‬مغموصًا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬النفاق‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬مشهورًا‭ ‬به‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬ضعيفًا‭. ‬وكان‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬بضعة‭ ‬وثمانين‭ ‬رجلاً‭.‬

ولما‭ ‬بلغ‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬تبوك،‭ ‬ذكرني،‭ ‬وقال‭: ‬ما‭ ‬فعل‭ ‬كعب؟‭ ‬فقال‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬قومي‭: ‬خلفه‭ ‬يا‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬برداه‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬عطفيه‭. ‬فقال‭ ‬معاذ‭: ‬بئس‭ ‬ما‭ ‬قلت،‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬نعلم‭ ‬إلا‭ ‬خيرًا‭. ‬

فلما‭ ‬بلغني‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عاد‭ ‬راجعًا‭ ‬من‭ ‬تبوك‭ ‬حضرني‭ ‬الفزع،‭ ‬فجعلت‭ ‬أتذكر‭ ‬الكذب،‭ ‬وأقول‭: ‬بماذا‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬سخط‭ ‬رسول‭ ‬الله؟‭ ‬وأستعين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بكل‭ ‬ذي‭ ‬رأي‭ ‬من‭ ‬أهلي،‭ ‬فلما‭ ‬دنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬زال‭ ‬عني‭ ‬الباطل،‭ ‬وعلمت‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أنجو‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬بالصدق،‭ ‬فأجمعت‭ ‬أن‭ ‬أصدقه‭.‬

فلما‭ ‬وصل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬بدأ‭ ‬بالمسجد‭ ‬وجلس‭ ‬للناس،‭ ‬فجاء‭ ‬المخلفون‭ ‬وجعلوا‭ ‬يعتذرون‭ ‬له‭ ‬ويحلفون،‭ ‬فيقبل‭ ‬منهم‭ ‬ظواهرهم‭ ‬ويستغفر‭ ‬لهم،‭ ‬وكانوا‭ ‬بضعة‭ ‬وثمانين‭ ‬رجلاً،‭ ‬فجئت‭ ‬فسلمت‭ ‬عليه،‭ ‬فتبسم‭ ‬تبسم‭ ‬المغضب،‭ ‬وقال‭: ‬ألم‭ ‬تكن‭ ‬ابتعت‭ ‬ظهرك؟‭ ‬قلت‭: ‬بلى‭. ‬قال‭: ‬فما‭ ‬خلفك؟‭ ‬قلت‭: ‬والله‭ ‬لو‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬أحد‭ ‬غيرك‭ ‬جلست،‭ ‬لخرجت‭ ‬من‭ ‬سخطه‭ ‬عليّ‭ ‬بعذر،‭ ‬لقد‭ ‬أوتيت‭ ‬جدلاً،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬علمت‭ ‬يا‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬أني‭ ‬أخبرك‭ ‬اليوم‭ ‬بقول‭ ‬تجد‭ ‬عليً‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬حق،‭ ‬فإني‭ ‬أرجو‭ ‬فيه‭ ‬عقبى‭ ‬الله‭. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قلت‭: ‬والله‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬قط‭ ‬أيسر‭ ‬ولا‭ ‬أخف‭ ‬حاذا‭ ‬مني‭ ‬حين‭ ‬تخلفت‭ ‬عنك؟‭ ‬فقال‭: ‬أما‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬صدقكم،‭ ‬قم‭ ‬حتى‭ ‬يقضي‭ ‬الله‭ ‬فيك،‭ ‬فقمت‭.‬

فخرجت‭ ‬من‭ ‬عنده‭ ‬فلحقني‭ ‬بعض‭ ‬أهلي‭ ‬يلوموني‭ ‬على‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أعتذر،‭ ‬ويستغفر‭ ‬لي‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬حتى‭ ‬هممت‭ ‬أن‭ ‬أرجع‭ ‬عن‭ ‬صدقي،‭ ‬فسألت‭ ‬هل‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬بمثل‭ ‬ما‭ ‬قلت؟‭ ‬فذكروا‭ ‬لي‭ ‬رجلين‭ ‬صالحين‭: ‬مرارة‭ ‬بن‭ ‬الربيع‭ ‬وهلال‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬أمية‭ ‬وكان‭ ‬فيهما‭ ‬لي‭ ‬أسوة‭.‬

فنهى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬كلامنا‭ ‬نحن‭ ‬الثلاثة،‭ ‬فجعلت‭ ‬أخرج‭ ‬إلى‭ ‬السوق،‭ ‬فلا‭ ‬يكلمني‭ ‬أحد،‭ ‬وتنكر‭ ‬لنا‭ ‬الناس،‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬بالذين‭ ‬نعرف،‭ ‬وتنكرت‭ ‬لنا‭ ‬الحيطان‭ ‬والأرض‭. ‬وكنت‭ ‬أطوف،‭ ‬وآتي‭ ‬المسجد،‭ ‬فأدخل،‭ ‬وآتي‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فأسلم‭ ‬عليه،‭ ‬فأقول‭: ‬هل‭ ‬حرك‭ ‬شفتيه‭ ‬بالسلام؟

واستكان‭ ‬صاحباي‭ ‬فجعلا‭ ‬يبكيان‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬لا‭ ‬يطلعان‭ ‬رأسهما،‭ ‬فبينما‭ ‬أنا‭ ‬أطوف‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬إذا‭ ‬بنصراني‭ ‬جاء‭ ‬بطعام،‭ ‬يقول‭: ‬من‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬كعب؟‭ ‬فدلوه‭ ‬علي،‭ ‬فأتاني‭ ‬بصحيفة‭ ‬من‭ ‬ملك‭ ‬غسان‭. ‬فإذا‭ ‬فيها‭: ‬أما‭ ‬بعد‭: ‬فإنه‭ ‬بلغني‭ ‬أن‭ ‬صاحبك‭ ‬قد‭ ‬جفاك‭ ‬وأقصاك،‭ ‬ولست‭ ‬بدار‭ ‬مضيعة‭ ‬ولا‭ ‬هوان،‭ ‬فالحق‭ ‬بنا‭ ‬نواسك‭. ‬

فسجرت‭ ‬لها‭ ‬التنور،‭ ‬وأحرقتها‭. ‬فقلت‭: ‬هذا‭ ‬من‭ ‬البلاء‭ ‬أيضًا،‭ ‬فلما‭ ‬مضت‭ ‬أربعون‭ ‬ليلة‭ ‬إذ‭ ‬رسول‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يأمرني‭ ‬باعتزال‭ ‬امرأتي،‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬الحقي‭ ‬بأهلك،‭ ‬وكان‭ ‬الأمر‭ ‬باعتزال‭ ‬النساء‭ ‬لصاحبيّ‭ ‬أيضًا‭. ‬فلما‭ ‬مضت‭ ‬خمسون‭ ‬ليلة‭ ‬إذ‭ ‬سمعت‭ ‬نداء‭ ‬من‭ ‬ذروة‭ ‬سلع‭ ‬‮«‬أبشر‭ ‬يا‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬مالك‮»‬‭. ‬فخررت‭ ‬ساجدًا،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬رجل‭ ‬على‭ ‬فرس‭ ‬يبشرني،‭ ‬فكان‭ ‬الصوت‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬فرسه،‭ ‬فأعطيته‭ ‬ثوبي‭ ‬بشارة،‭ ‬ولبست‭ ‬غيرهما‭.‬

ونزلت‭ ‬توبتنا‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ثلث‭ ‬الليل‭. ‬فقالت‭ ‬أم‭ ‬سلمة‭: ‬يا‭ ‬نبي‭ ‬الله،‭ ‬ألا‭ ‬نبشر‭ ‬كعبًا؟‭ ‬قال‭: ‬إذًا‭ ‬يحطمكم‭ ‬الناس،‭ ‬ويمنعونكم‭ ‬النوم‭. ‬قال‭: ‬فانطلقت‭ ‬إلى‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فإذا‭ ‬هو‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬وحوله‭ ‬المسلمون،‭ ‬وهو‭ ‬يستنير‭ ‬كاستنارة‭ ‬القمر،‭ ‬فقال‭: ‬أبشر‭ ‬يا‭ ‬كعب‭ ‬بخير‭ ‬يوم‭ ‬أتى‭ ‬عليك‭. ‬ثم‭ ‬تلا‭ ‬عليهم‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬التوبة‭ ‬‭ ‬الآيات‭ ‬117‭ ‬إلى‭ ‬119‭ (‬لَّقَد‭ ‬تَّابَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَلَى‭ ‬النَّبِيِّ‭ ‬وَالْمُهَاجِرِينَ‭ ‬وَالْأنصَارِ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬اتَّبَعُوهُ‭ ‬فِي‭ ‬سَاعَةِ‭ ‬الْعُسْرَةِ‭ ‬مِن‭ ‬بَعْدِ‭ ‬مَا‭ ‬كَادَ‭ ‬يَزِيغُ‭ ‬قُلُوبُ‭ ‬فَرِيقٍ‭ ‬مِّنْهُمْ‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تَابَ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬إِنَّهُ‭ ‬بِهِمْ‭ ‬رَءُوفٌ‭ ‬رَّحِيمٌ‭. ‬وَعَلَى‭ ‬الثَّلَاثَةِ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬خُلِّفُوا‭ ‬حَتَّى‭ ‬إذَا‭ ‬ضَاقَتْ‭ ‬عَلَيْهِمُ‭ ‬الْأرْضُ‭ ‬بِمَا‭ ‬رَحُبَتْ‭ ‬وَضَاقَتْ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬أنفُسُهُمْ‭ ‬وَظَنُّوا‭ ‬أن‭ ‬لَّا‭ ‬مَلْجَأ‭ ‬مِنَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬إلَّا‭ ‬إلَيْهِ‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تَابَ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬لِيَتُوبُوا‭ ‬إنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬هُوَ‭ ‬التَّوَّابُ‭ ‬الرَّحِيمُ‭. ‬يَا‭ ‬أيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬اتَّقُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَكُونُوا‭ ‬مَعَ‭ ‬الصَّادِقِينَ‭).‬

فقلت‭: ‬يا‭ ‬نبي‭ ‬الله،‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬توبتي‭ ‬ألا‭ ‬أحدث‭ ‬إلا‭ ‬صدقًا،‭ ‬وأن‭ ‬أنخلع‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬كله‭ ‬صدقة‭. ‬فقال‭: ‬أمسك‭ ‬عليك‭ ‬بعض‭ ‬مالك،‭ ‬فهو‭ ‬خير‭ ‬لك‭.. ‬الحديث‭). ‬فقام‭ ‬إليّ‭ ‬طلحة‭ ‬يهرول،‭ ‬حتى‭ ‬صافحني‭ ‬وهنأني‭. ‬

تنتهي‭ ‬الحكاية‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭: ‬لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العتب‭ ‬وهذا‭ ‬العقاب؟‭ ‬ولماذا‭ ‬نزل‭ ‬العفو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بنفسه‭ ‬وفي‭ ‬آيات‭ ‬تتلى‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬تخلفوا؟‭ ‬ماذا‭ ‬سيشكلون‭ ‬في‭ ‬جيش‭ ‬قوامه‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثين‭ ‬آلاف‭ ‬شخص؟‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدثوا؟

نجد‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالعدد‭ ‬أو‭ ‬المشاركة‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬وإنما‭ ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬المبدأ،‭ ‬المبدأ‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬نفير‭ ‬وجهاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تثبيت‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬وانتشارها،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬وبما‭ ‬يستطيع‭.‬

ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬والعرب‭ ‬مستهدفون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوة‭ ‬الغرب‭ ‬العظمى،‭ ‬ولسنا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بنظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وإنما‭ ‬بدأنا‭ ‬نسمع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬وخاصة‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها،‭ ‬ومن‭ ‬أفراد‭ ‬ليسوا‭ ‬عربًا‭ ‬وليس‭ ‬لهم‭ ‬علاقة‭ ‬بالإسلام،‭ ‬ولكنهم‭ ‬أحرار‭ ‬ووجدوا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الغبن‭ ‬أن‭ ‬يسلك‭ ‬الغرب‭ ‬هذا‭ ‬المسلك،‭ ‬لذلك‭ ‬تحدثوا‭ ‬وباحوا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعرفون‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬ربما‭ ‬تدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فما‭ ‬زال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬قومي‭ ‬يستهزؤون‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬ومن‭ ‬أفعالهم‭ ‬البطولية‭.‬

وهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يستهزؤون‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬اليوم‭ ‬ومن‭ ‬بطولاتهم‭ ‬هم‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارهم‭ ‬خوالف‭ ‬ومتخلفين‭ ‬عن‭ ‬الجهاد،‭ ‬هؤلاء‭ ‬للأسف‭ ‬يتحدثون‭ ‬ويتشدقون‭ ‬بكلمات‭ ‬عربية،‭ ‬ولكنها‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مضمونها‭ ‬وشكلها،‭ ‬فإن‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تفكيرهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬العظمى‭ ‬الجبارة‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأجدى‭ ‬أن‭ ‬يصمتوا‭ ‬حتى‭ ‬ينجلي‭ ‬غبار‭ ‬المعركة،‭ ‬فالمعركة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد،‭ ‬ونتائجها‭ ‬لم‭ ‬تتوضح،‭ ‬فالصمت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬هو‭ ‬سلاحهم‭ ‬الأفضل،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬المخلفين‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬قد‭ ‬غفر‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فماذا‭ ‬تنتظرون‭ ‬أنتم؟‭ ‬

لذلك‭ ‬أيها‭ ‬الخوالف،‭ ‬اصمتوا‭ ‬أفضل‭ ‬لهم‭ ‬ولكم،‭ ‬حتى‭ ‬يتبين‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬الباطل،‭ ‬حينئذ‭ ‬تتضح‭ ‬الأمور‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا