يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
«فسيخ» بايدن.. كيف يتحول إلى «شربات»؟!!
«يعمل من الفسيخ شربات». هذا مثل شعبي مصري. يقال عادة في الإشارة إلى من يزعم زورا انه يستطيع تحقيق المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه.
ورد إلى ذهني هذا المثل بمجرد أن قرأت هذا الخبر.
الخبر نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية في تقرير مطول عنوانه «جو بايدن يوبخ الموظفين لفشلهم في مساعدته في الصعود إلى صناديق الاقتراع».
وجاء في تفاصيل الخبر ان الرئيس الأمريكي بايدن اجتمع بكبار مساعديه في البيت الأبيض، ووبّخهم وطلب منهم معرفة ما يفعلونه إزاء انهيار شعبيته ونسبة تأييده «المنخفضة بشكل غير مقبول»، في استطلاعات الرأي والتي انحدرت إلى نحو 37% وتمثل أدنى مستوى شعبيّة لأي رئيس أمريكي في هذه المرحلة من ولايته.
طبعا انهيار شعبية بايدن على هذا النحو كارثة تفزعه شخصيا وتفزع الديمقراطيين، إذ لو استمر الوضع هكذا فمعناه أنهم سيتلقون هزيمة مدوية في انتخابات الرئاسة العام القادم.
المهم أن بايدن بتوبيخه للعاملين في إدارته ومطالبتهم بأن يتدخلوا ويغيروا هذا الوضع، هو بالضبط كمن يطلب تحويل الفسيخ إلى شربات.. يطلب منهم تحقيق المستحيل.
كان على بايدن بدلا من هذا أن يفكر هو وأن يطلب من مساعديه تحليل الأسباب التي قادت إلى انهيار شعبيته على هذا النحو غير المسبوق في تاريخ رؤساء أمريكا.
لو فعل بايدن هذا فسوف يكتشف ان المهمة التي يطلبها من مساعديه مهمة مستحيلة، وانه يصعب جدا عليهم الدفاع عنه او تجميل سياساته بأعين الأمريكيين طالما أنه مصرّ على المضي في اتخاذ نفس المواقف واتباع نفس السياسات.
مفهوم ان وراء انهيار شعبية بايدن وانصراف الرأي العام الأمريكي عنه أسبابا كثيرة بعضها يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقضايا داخلية أخرى. لكن هناك إجماع في أمريكا على ان أحد أكبر هذه الأسباب اليوم موقف بايدن وإدارته من جرائم الإبادة في غزة.
كل رؤساء أمريكا كانوا دوما مؤيدين للكيان الصهيوني. هذا أمر معروف. لكن الحادث اليوم أن بايدن ذهب في دعمه لجرائم الكيان إلى حد لم يذهب اليه أي رئيس أمريكي من قبل.
منذ اليوم الأول للحرب وضع بايدن كل إمكانيات أمريكا العسكرية والسياسية تحت تصرف العدوّ الصهيوني ودفع بالبوارج الحربية وأقام جسرا لنقل الأسلحة والمعدّات للعدو. بايدن اختار ان تكون أمريكا شريكا فعليا في الحرب، وبالتالي أصبحت مسؤولة عن كل جرائم الحرب والإبادة في غزة.
وأصرّ بايدن على توفير الحماية الدولية لجرائم الكيان الصهيوني، واستخدم الفيتو في مجلس الأمن لإفشال أي محاولة لوقف الحرب.
قطاعات واسعة جدا من الرأي العام الأمريكي انقلبت على بايدن وإدارته على ضوء هول المجازر التي يرتكبها العدو في غزة وخصوصا انهم يعلمون ان أمريكا قادرة -إن أرادت- على وقف الحرب. آلاف من المسؤولين والموظفين الأمريكيين في الدوائر الحكومية الرسمية عبروا عن رفضهم لسياسة بايدن عمليا، وطالبوا بوقف الدعم المطلق للكيان الصهيوني ووقف الحرب فورا.
ومع كل هذا، يصرّ بايدن حتى هذه اللحظة على دعم كل جرائم العدو في غزة، وكل يوم تقريبا يخرج ويقول إنه لا يطالب بوقف إطلاق النار.
الموقف من جرائم غزة هو إذن أحد أكبر أسباب انهيار شعبية بايدن. وما لم يتغير موقف الإدارة جذريا فمن الصعب جدا ان يكون بمقدور أي أحد وقف هذا الانهيار على نحو ما يطلب بايدن.
القضية بالنسبة للأمريكيين ليست فقط تعاطفا مع الفلسطينيين واستنكارا لجرائم الحرب والابادة التي ترتكب، وانما أنهم إزاء رئيس لبلادهم عاجز.. عاجز عن أن يفرض رأيا او قرارا لأمريكا.. عاجز عن ان يستخدم امكانيات أمريكا للضغط على العدو لوقف أبشع حرب إبادة شهدها العالم.
بالنسبة للأمريكيين، صحيح انهم يعرفون جميعا العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني، ولكن ليس مقبولا ان يصبح رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم مجرد تابع لإرهابي مجرم حرب مثل نتنياهو.
بالنسبة للأمريكيين ما فعله بايدن أنه جعل أمريكا اليوم منبوذة ومعزولة عن العالم كما لم يحدث من قبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك