العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

العدوان على غزة.. ودستور الحرب الأخلاقي في الإسلام

بقلم: د. محمد ياسر المسدي*

الجمعة ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

أثار‭ ‬المنهج‭ ‬الذي‭ ‬تعاملت‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مع‭ ‬الأسرى،‭ ‬والمنطلق‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬والاخلاقيات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإعجاب‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أعداء‭ ‬المسلمين،‭ ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬به‭ ‬معاملة‭ ‬الأسرى‭ ‬الصهاينة‭ ‬والذي‭ ‬سجلته‭ ‬شهادات‭ ‬واعترافات‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬المفرج‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬صفقة‭ ‬التبادل‭ ‬بأنهم‭ ‬لاقوا‭ ‬معاملة‭ ‬راقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وحضارية‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬الوحشية‭ ‬والهمجية‭ ‬التي‭ ‬تعامل‭ ‬به‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬يكشف‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬الأخلاقيات‭ ‬القويمة‭ ‬للمنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬وتعاليمه‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬دائما‭ ‬عظمة‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬ورقيه‭ ‬الحضاري‭.‬

ولقد‭ ‬أثنى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬خُلُق‭ ‬رسوله‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬وَإِنَّكَ‭ ‬لَعَلَى‭ ‬خُلُقٍ‭ ‬عَظِيمٍ‮»‬‭ ‬القلم‭: ‬4،‭ ‬وما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬حسن‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الخصال‭ ‬الحميدة،‭ ‬وقد‭ ‬بين‭ ‬رسولُ‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬منزلة‭ ‬الخلق‭ ‬الحسن‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬واعتبره‭ ‬بمنزلة‭ ‬أهم‭ ‬العبادات‭ ‬من‭ ‬صلاة‭ ‬وصيام‮…‬‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬العبد‭ ‬ليبلغ‭ ‬بحسن‭ ‬خلقه‭ ‬درجة‭ ‬الصائم‭ ‬القائم‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الترمذي‭.‬

وطبعاً‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخلق‭ ‬الحسن‭ ‬مع‭ ‬المؤمنين‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬حيث‭ ‬مدح‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬المؤمنين‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬رُحَمَاءُ‭ ‬بَيْنَهُمْ٫‭ ‬بينما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أشداء‭ ‬مع‭ ‬عدوهم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآية‭ ‬٫أَشِدَّاءُ‭ ‬عَلَى‭ ‬الْكُفَّارِ‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الشدة‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬تخرجنا‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬مع‭ ‬عدونا،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬تخرجنا‭ ‬عن‭ ‬ثوابتنا،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وَلَا‭ ‬يَجْرِمَنَّكُمْ‭ ‬شَنَآنُ‭ ‬قَوْمٍ‭ ‬عَلَى‭ ‬أَلَّا‭ ‬تَعْدِلُوا‭ ‬اعْدِلُوا‭ ‬هُوَ‭ ‬أَقْرَبُ‭ ‬لِلتَّقْوَى‮»‬‭. (‬المائدة‭: ‬6‭) ‬

ومعنى‭ ‬الآية‭: ‬لا‭ ‬تحملنكم‭ ‬عداوتكم‭ ‬لقوم‭ ‬على‭ ‬ظلمهم‭ ‬وعدم‭ ‬العدل‭ ‬معهم،‭ ‬فالعدل‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الأعداء‭ ‬مطلوب،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬التقوى‭.‬

وينبغي‭ ‬علينا‭ - ‬معشر‭ ‬المسلمين‭ - ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬ثوابتنا‭ ‬وأخلاقنا‭ ‬التي‭ ‬ربانا‭ ‬عليها‭ ‬الإسلام،‭ ‬فلا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الأساليب‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬عدونا،‭ ‬ولو‭ ‬تجاوز‭ ‬هو‭ ‬حدّه،‭ ‬وتجاوز‭ ‬كل‭ ‬الأعراف،‭ ‬فلا‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬ثوابتنا‭ ‬أمام‭ ‬تصرفاته‭. ‬

فقد‭ ‬نعى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬المفسدين‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬وذمّهم‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬وَإِذَا‭ ‬تَوَلَّى‭ ‬سَعَى‭ ‬فِي‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬لِيُفْسِدَ‭ ‬فِيهَا‭ ‬وَيُهْلِكَ‭ ‬الْحَرْثَ‭ ‬وَالنَّسْلَ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الْفَسَادَ‮»‬‭ (‬البقرة‭: ‬205‭) ‬،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬المسلمون‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬ليستعملوها‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬المفيدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬حتى‭ ‬يرهبوا‭ ‬بها‭ ‬عدوهم،‭ ‬فلا‭ ‬يهددهم‭ ‬بأسلحته‭.‬

وقد‭ ‬حدد‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ضوابط‭ ‬الدستور‭ ‬الأخلاقي‭ ‬ودليل‭ ‬ذلك‭: ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إذا‭ ‬بعث‭ ‬جيوشه‭ ‬قال‭: ‬اخرجوا‭ ‬بسم‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬تقاتلون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬كفر،‭ ‬لا‭ ‬تغدروا،‭ ‬ولا‭ ‬تغلو،‭ ‬ولا‭ ‬تمثلوا،‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬الأولاد،‭ ‬ولا‭ ‬أصحاب‭ ‬الصوامع‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬أحمد‭.‬

ولنبدأ‭ ‬بها‭ ‬واحدة‭ ‬واحدة‭:‬

لا‭ ‬تغدروا‭:‬

الغدر‭ ‬يعني‭: ‬خيانة‭ ‬العهد،‭ ‬وعدم‭ ‬الوفاء‭ ‬به،‭ ‬فالإسلام‭ ‬حرّم‭ ‬الغدر‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬واعتبره‭ ‬خصلة‭ ‬من‭ ‬خصال‭ ‬النفاق،‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أربع‭ ‬من‭ ‬كن‭ ‬فيه‭ ‬كان‭ ‬منافقاً‭ ‬خالصاً،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬خصلة‭ ‬منهن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬خصلة‭ ‬من‭ ‬النفاق‭ ‬حتى‭ ‬يدعها،‭ ‬إذا‭ ‬حدث‭ ‬كذب،‭ ‬وإذا‭ ‬اؤتمن‭ ‬خان،‭ ‬وإذا‭ ‬عاهد‭ ‬غدر،‭ ‬وإذا‭ ‬خاصم‭ ‬فجر‮»‬‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭.‬

ولا‭ ‬تغلو‭:‬

الغلول‭: ‬هو‭ ‬الأخذ‭ ‬من‭ ‬الغنيمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الإمام‭ ‬بتوزيعها‭ ‬على‭ ‬الغانمين‭ ‬واتخاذ‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬فيه‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للمسلمين،‭ ‬ويطلق‭ ‬على‭ ‬الغلول‭ ‬أيضاً‭ (‬النهبة‭) ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬بـ‭ (‬الغلول‭) ‬و‭(‬النهبة‭).‬

عن‭ ‬عبادة‭ ‬بن‭ ‬الصامت‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬بنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬بعير‭ ‬من‭ ‬المقاسم،‭ ‬ثم‭ ‬تناول‭ ‬شيئاً‭ ‬فأخذ‭ ‬منه‭ ‬قردة‭ (‬أي‭ ‬وبرة‭) ‬فجعل‭ ‬بين‭ ‬إصبعيه،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أيها‭ ‬الناس،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬غنائمكم،‭ ‬أدو‭ ‬الخيط‭ ‬والمخيط،‭ ‬فما‭ ‬فوق‭ ‬ذلك،‭ ‬فما‭ ‬فوق‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الغلول‭ ‬عار‭ ‬على‭ ‬أهله‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬وشنار‭ ‬ونار‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬ابن‭ ‬ماجة‭ ‬وهو‭ ‬صحيح،‭ ‬والشنار‭: ‬هو‭ ‬العيب‭ ‬والعار‭.‬

ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬الأولاد‭ ‬ولا‭ ‬أصحاب‭ ‬الصوامع‭:‬

إن‭ ‬من‭ ‬أخلاقيات‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تحريم‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يقاتل‭ ‬من‭ ‬الأطفال،‭ ‬والنساء،‭ ‬والعجزة،‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬الهرمين،‭ ‬والرهبان‭ ‬الذين‭ ‬يتعبدون‭ ‬في‭ ‬صوامعهم‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬القتال،‭ ‬ومن‭ ‬في‭ ‬حكمهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العاهات‭ ‬كالأعمى‭ ‬والمجنون‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬قصدهم‭ ‬بالقتل‭ ‬مباشرة،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬قاتل‭ ‬منهم‭ ‬فإنه‭ ‬يجوز‭ ‬قتله‭ ‬لأن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قتل‭ ‬يوم‭ ‬قريظة‭ ‬امرأة‭ ‬ألقت‭ ‬رحى‭ ‬على‭ ‬خلاد‭ ‬بن‭ ‬سويد،‭ ‬كما‭ ‬يقتل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يستعين‭ ‬العدو‭ ‬برأيه‭ ‬وفكره‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬عاجزاً‭ ‬جسدياً،‭ ‬لأن‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬المعونة‭ ‬بالسلاح،‭ ‬وقد‭ ‬قتل‭ ‬دريد‭ ‬بن‭ ‬الصمة‭ ‬وهو‭ ‬شيخ‭ ‬كبير‭ ‬يوم‭ ‬حنين،‭ ‬ولم‭ ‬ينكر‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قتله‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬قومه‭ ‬كانوا‭ ‬يستعينون‭ ‬برأيه‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري‭ ‬ومسلم‭.‬

ولا‭ ‬تمثلوا‭ (‬المُثلة‭):‬

الانتقام‭ ‬من‭ ‬العدو‭ ‬بعد‭ ‬قتله،‭ ‬بتشويه‭ ‬جثته،‭ ‬وذلك‭ ‬بقطع‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬مثل‭: ‬الأنف،‭ ‬والأذن،‭ ‬والذكر،‭ ‬أو‭ ‬باستخراج‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬الداخلية،‭ ‬مثل‭: ‬الكبد‭ ‬والقلب،‭ ‬أو‭ ‬حرق‭ ‬الجثة،‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك،‭ ‬والتمثيل‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬حقد‭ ‬دفين‭ ‬لدى‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬به،‭ ‬وكأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يشفي‭ ‬غيظه‭ ‬بهذا‭ ‬الفعل‭.‬

نعم‭ ‬إن‭ ‬عدونا‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬آلة‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬التدمير‭ ‬والتخريب‭ ‬إلا‭ ‬واستعملها،‭ ‬ولا‭ ‬طريقة‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬التشويه‭ ‬والتمثيل‭ ‬بالشهداء‭ ‬إلا‭ ‬ارتكبها،‭ ‬وصدق‭ ‬فيهم‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬كَيْفَ‭ ‬وَإِنْ‭ ‬يَظْهَرُوا‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬لَا‭ ‬يَرْقُبُوا‭ ‬فِيكُمْ‭ ‬إِلًّا‭ ‬وَلَا‭ ‬ذِمَّةً‭ ‬يُرْضُونَكُمْ‭ ‬بِأَفْوَاهِهِمْ‭ ‬وَتَأْبَى‭ ‬قُلُوبُهُمْ‭ ‬وَأَكْثَرُهُمْ‭ ‬فَاسِقُونَ‮»‬‭ (‬التوبة‭: ‬8‭).‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الإجرامية‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬ردات‭ ‬أفعال،‭ ‬فنتصرف‭ ‬كما‭ ‬يتصرف‭ ‬أولئك‭ ‬الهمجيون،‭ ‬وإلا‭ ‬أصبحنا‭ ‬مثلهم،‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬السيدة‭ ‬أسماء‭ ‬بنت‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬لابنها‭ ‬الزبير‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬أخشى‭ ‬يا‭ ‬أماه‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬بي‭ ‬الأعداء‭ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬‮«‬وهل‭ ‬يضر‭ ‬الشاة‭ ‬سلخها‭ ‬بعد‭ ‬ذبحها‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬فعلوا‭ ‬ما‭ ‬فعلوا،‭ ‬فنحن‭ ‬لدينا‭ ‬أمر‭ ‬من‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بعدم‭ ‬التمثيل‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تمثلوا‮»‬‭ ‬وكذلك‭ ‬قوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬أعف‭ ‬الناس‭ ‬قتلة‭ ‬أهل‭ ‬الإيمان‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬أحمد‭ ‬وهو‭ ‬حسن،‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬الإيمان‭ ‬يعفون‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الموتى‭ ‬والتمثيل‭ ‬بهم‭.‬

ضوابط‭ ‬وقواعد‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬الدستور‭ ‬الأخلاقي‭ ‬

‭- ‬إخلاص‭ ‬النية‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬والتجرد‭ ‬له‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬السعي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مكسب‭ ‬دنيوي،‭ ‬أو‭ ‬جاه،‭ ‬أو‭ ‬منصب،‭ ‬فالقتال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الله‭ ‬ولإعلاء‭ ‬كلمة‭ ‬الله،‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬من‭ ‬قاتل‭ ‬لتكون‭ ‬كلمة‭ ‬الله‭ ‬هي‭ ‬العليا‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‮»‬‭ ‬متفق‭ ‬عليه،‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬المجاهد‭ ‬مع‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬قُلْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬صَلَاتِي‭ ‬وَنُسُكِي‭ ‬وَمَحْيَايَ‭ ‬وَمَمَاتِي‭ ‬لِلَّهِ‭ ‬رَبِّ‭ ‬الْعَالَمِينَ‮»‬‭ (‬الأنعام‭: ‬162‭).‬

‭ -‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أخلاقية‭ ‬المقاومة‭ ‬ونقاء‭ ‬صفحتها‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬وفق‭ ‬المعايير‭ ‬الإسلامية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وتجنب‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬قتالنا‭ ‬فيه،‭ ‬وأسرنا‭ ‬لجنوده،‭ ‬وحيازتنا‭ ‬لمعداته،‭ ‬وسيطرتنا‭ ‬على‭ ‬أماكن‭ ‬تمركزه،‭ ‬فنحن‭ - ‬معشر‭ ‬المسلمين‭ - ‬لنا‭ ‬مرجعيتنا،‭ ‬وثوابتنا،‭ ‬وقيمنا،‭ ‬أما‭ ‬عدونا‭ ‬فلا‭ ‬ثوابت‭ ‬عنده‭ ‬ولا‭ ‬قيم‭.‬

‭- ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭ ‬أثناء‭ ‬المعركة‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬التصرفات‭ ‬العسكرية‭ ‬الانفعالية‭ ‬العاطفية‭ ‬التي‭ ‬يطيش‭ ‬معها‭ ‬القرار،‭ ‬ويبتعد‭ ‬عن‭ ‬أهدافه‭ ‬وغاياته‭.‬

‭ -‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬أضيق‭ ‬الحدود‭ ‬وعدم‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الذخيرة‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬الخطط‭ ‬والعمليات‭ ‬العسكرية‭.‬

‭ -‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬يستعملها‭ ‬العدو‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬خطة‭ ‬المعركة‭.‬

‭- ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬الذخيرة‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الفرح،‭ ‬فقيمة‭ ‬الطلقة‭ ‬الواحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطعم‭ ‬بها‭ ‬جائعاً‭.‬

‭- ‬حسن‭ ‬تعامل‭ ‬الإخوة‭ ‬المجاهدين‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬وإشاعة‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬والتعاون‭ ‬والإيثار‭ ‬واستشعار‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬رُحَمَاءُ‭ ‬بَيْنَهُمْ‭) ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬الخلاف،‭ ‬لأن‭ ‬الخلاف‭ ‬هو‭ ‬نذير‭ ‬الفشل‭ ‬والخذلان‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬حصول‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الخلاف‭ ‬ينبغي‭ ‬المسارعة‭ ‬إلى‭ ‬نزع‭ ‬الفتيل‭ ‬وتقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر،‭ ‬وتأليف‭ ‬القلوب‭ ‬عملاً‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬فَأَصْلِحُوا‭ ‬بَيْنَ‭ ‬أَخَوَيْكُمْ‮»‬‭. ‬

*‭ ‬داعية‭ ‬وباحث‭ ‬إسلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا