العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

روسيا في طريقها إلى الاكتفاء ذاتيا

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬حزب‭ ‬روسيا‭ ‬الموحدة‭ ‬الحاكم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هنالك‭ ‬مفاجأة‭ ‬كبيرة‭ ‬فالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬هو‭ ‬المرشح‭ ‬الوحيد‭ ‬لهذا‭ ‬الحزب‭ ‬وإنه‭  ‬سيتقدم‭ ‬بصفته‭ ‬مستقلا‭ ‬فهنالك‭ ‬إجماع‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬حول‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬أمجادها‭ ‬وأن‭ ‬يجعل‭ ‬روسيا‭ ‬الرقم‭ ‬الصعب‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية‭.‬

ولكن‭ ‬المهم‭ ‬والبارز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬بوضوح‭ ‬من‭ ‬تعهد‭ ‬بجعل‭ ‬روسيا‭ ‬مكتفية‭ ‬ذاتيا‭ ‬خلال‭ ‬ولايته‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬تستمر‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬2030‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إعادة‭ ‬انتخابه،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬فوائد‭ ‬الحصار‭ ‬الأوروبي‭ ‬والغربي‭ ‬والحرب‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المقاطعة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬وتقول‭ ‬التقارير‭ ‬المختصة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬نجحت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وواضح‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وإيجاد‭ ‬وسائل‭ ‬وطرق‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬الوسائل‭ ‬والطرق‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتقنية‭ ‬والتجارية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬عامة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬خاصة‭.‬

إن‭ ‬تعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بجعل‭ ‬روسيا‭ ‬مكتفية‭ ‬ذاتيا‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬واللوجستية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭ ‬وما‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬حقيقة‭ ‬مؤكدة‭ ‬وذلك‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭:‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬تمتد‭ ‬جغرافيا‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬وهي‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬ويوجد‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬الموارد‭ ‬الضرورية‭ ‬والأساسية‭ ‬لبناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬قوي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الغير‭ ‬مثل‭ ‬أغلب‭ ‬اقتصادات‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬يبلغ‭ ‬حاليا‭ ‬147‭ ‬مليونا‭ ‬ومع‭ ‬انضمام‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬تجاوز‭ ‬150‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬تقدما‭ ‬مذهلا‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬الأمية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الروسي‭ ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والاثني‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬مفيدا‭ ‬ثقافيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬واقتصاديا‭.‬

وعندما‭ ‬يتكلم‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬خلال‭ ‬الـ‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬او‭ ‬مستبعد‭ ‬أصلا‭ ‬حيث‭ ‬بينت‭ ‬التجربة‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬السابقتين‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬صمدت‭ ‬أمام‭ ‬حصار‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والناتو‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والتقنية‭ ‬والعلمية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬المؤكدة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬البدائل‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬استطاعت‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬أن‭ ‬تخلخل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬بنته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬القطبية‭ ‬الواحدة‭ ‬الذي‭ ‬استطاعت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬فرض‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬والتصرف‭ ‬فيه‭ ‬وكأنه‭ ‬ملكية‭ ‬خاصة‭ ‬فبجهود‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬مع‭ ‬حلفائه‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬اتجاه‭ ‬عالمي‭  ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يقبل‭ ‬بالهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولا‭ ‬بالأسلوب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العالم‭ ‬بالمقاييس‭ ‬المزدوجة‭ ‬التي‭ ‬ذاق‭ ‬العالم‭ ‬مرارتها‭ ‬وويلاتها،‭ ‬وكان‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القطبية‭ ‬الأحادية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬العربية،‭ ‬ولذلك‭ ‬يكون‭ ‬بوتين‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬عنصرا‭ ‬مؤثرا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬لها‭ ‬اعتبار‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬

ثالثا‭: ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬عبر‭ ‬عنها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬حزب‭ ‬روسيا‭ ‬الموحدة‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬بوضوح‭ ‬‮«‬نقول‭ ‬لأطفالنا‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬روسيا‭ ‬قوة‭ ‬سيادية‭ ‬ومكتفية‭ ‬ذاتيا‭ ‬وإما‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮»‬‭. ‬مفهوم‭ ‬السيادة‭ ‬الذي‭ ‬يرسمه‭ ‬بوتين‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬حولها‭ ‬شبه‭ ‬اجماع‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬والطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الروسية‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لروسيا‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬سيادتها‭ ‬ووحدة‭ ‬أراضيها‭ ‬وشعبها‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قوية‭ ‬ذات‭ ‬وزن‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬هزيمة‭ ‬عسكرية،‭ ‬وأن‭ ‬جميع‭ ‬محاولات‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الروسي‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬القلاقل‭ ‬لن‭ ‬يكتب‭ ‬لها‭ ‬النجاح‭ ‬مطلقا‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬رجالا‭ ‬مثل‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا