يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
متى سنحاسب أنفسنا؟
نستقبل عاما جديدا بقلوب كسيرة حزينة، ومن الصعب علينا جميعا أن نتفاءل أو نتعلق بالأمل فيما هو آت.
منذ أكثر من ثلاثة أشهر نعيش كل لحظة أكبر محنة في تاريخنا المعاصر في الوطن العربي.. وأي محنة أكبر من أن نرى أمام أعيننا شعب فلسطين وهو يباد في غزة ونرى وطنا لنا يتم تدميره.
في وضع كالذي نعيشه ونحن نستقبل عاما جديدا يجب ألا نكتفي بالحسرة والألم والحزن.. يجب أن نقف في الوطن العربي، على المستويات الرسمية والشعبية، وقفة تأمل ومراجعة ومحاسبة للنفس.
لا بد أن نتأمل ما يجري في فلسطين ولنا في الوطن العربي وما يعنيه، وأي دروس يجب أن نتعلمها وماذا يجب علينا أن نفعل الآن ومستقبلا.
قضايا كثيرة يجب أن نطرحها، وتساؤلات كثيرة يجب أن نثيرها ونناقشها بأمانة وموضوعية.
أول وأكبر هذه القضايا والتساؤلات تتعلق بما كشفت عنه محنة غزة من عجز عربي كامل.
الدول العربية كلها فرادى ومجتمعة عجزت عجزا كاملا عن أن تحمي شعبا عربيا يُباد وأن توقف حرب إبادته.
لقد اكتشفنا في الوطن العربي أن مكانتنا متواضعة جدا من حيث القدرة والتأثير دفاعا عن أنفسنا. اكتشفنا أنه لا أحد يكترث بنا وبمواقفنا ومطالباتنا.
هذه كارثة كبرى يجب أن نتوقف عندها. تساؤلات كثيرة يجب أن نطرحها.. لماذا كل هذا العجز العربي؟.. لماذا لم نستطع بكل إمكانياتنا وقدراتنا أن نحمي شعبا عربيا أو ندافع عن أنفسنا؟.. أين الخلل بالضبط ومن المسؤول عن هذا الوضع المُهين الذي وصلنا إليه؟ ماذا علينا أن نفعل إذا أردنا تجاوز هذا الوضع وأن تكون لنا مكانة يُعتدّ بها في العالم؟
قضية كبرى أخرى تثير تساؤلات كثيرة يجب أن نتوقف عندها وتكون موضع مراجعة تتعلق بعلاقاتنا مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
على امتداد عقود طويلة عقدنا تحالفات مع هذه الدول الغربية، وعبر صفقات مهولة في كل المجالات بمليارات لا تحصى دعمنا اقتصادات هذه الدول، وبشكل عام لطالما اعتبرناها دولا صديقة وحليفة.
ثم مع حرب إبادة غزة اكتشفنا أن هذه الدول الغربية تُكنّ لنا حقدا لا حدود له، وعداء لم يخطر ببالينا. لم تشارك هذه الدول فقط مع العدو الصهيوني في الحرب، بل أظهرت نوايا عدوانية ورغبة في إبادة كل العرب. فعلت هذا بلا مواربة.
الآن لا بد بداهة من إعادة نظر شاملة في علاقات دولنا العربية مع الدول الغربية. هل من المعقول أن تظل العلاقات كما هي ونتجاهل كل ما فعلوه بأهلنا في فلسطين وبنا؟.. على أي أسس يجب ان تقوم هذه العلاقات في المستقبل؟.. وأسئلة غير هذه كثيرة لا بد أن نناقشها.
قضية كبرى أخرى لا بد أن تراجع الدول العربية موقفها منها، هي القضية الفلسطينية والموقف منها بشكل عام.
كل الدول العربية تؤكد باستمرار أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وأنه لا بد أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة.. إلى آخر هذه المواقف المعروفة. ولا نشك أن الدول العربية صادقة في مواقفها هذه.
لكن بعد ما جرى ويجري في غزة، لابد أن تتساءل الدول العربية: ما الذي فعلناه حقا لنصرة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟.. لماذا وصلنا إلى النقطة التي نعجز فيها حتى عن حماية هذا الشعب من إبادة شاملة يتعرض لها؟.. هل الرهان على إمكانية السلام مع العدو الصهيوني بإقامة علاقات معه مثلا كان له أي جدوى أو معنى؟.. كيف نبني موقفا عربيا جديدا على ضوء ما يجري ننصر به شعب فلسطين حقا ونلعب دورنا من أجل استعادة حقوقه؟ هذه أسئلة حاسمة وخصوصا بعد أن اكتشف الكل أن الخطر الصهيوني يهددنا جميعا ولا يقتصر الأمر على فلسطين فقط.
بشكل عام نحن في الوطن العربي نعيش لحظة فارقة مؤلمة في تاريخنا. أبسط ما يجب أن نفعله هو أن نحاسب أنفسنا ونستخلص الدروس ونبني مواقفنا وسياساتنا النظرية والعملية على هذا الأساس.
والأمر لا يقتصر على المستويات الرسمية العربية فقط. المثقفون العرب وكل من لهم علاقة بالشأن العام يجب أن يراجعوا أنفسهم أيضا ويحاسبوا أنفسهم، وأن يطرحوا التساؤلات حول الدور الذي لعبوه في وصولنا إلى هذا الحال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك