يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
إلى الذين ينتقدون حماس
قبل فترة، ارتدى صحفي مصري معروف ثياب الفيلسوف وقال في اجتماع عام: «أنا لا أؤمن أن حماس حركة مقاومة». وألاحظ أنه في الفترة الماضية بدأت مواقع إخبارية عربية شنّ هجوم على حركة حماس، وأيضا بعض الكتاب العرب بدأوا يأخذون الموقف نفسه.
الفكرة الأساسية التي يحاول هؤلاء الترويج لها هي أن كل ما يجري اليوم وكل الجرائم التي ترتكب بحق أهل غزة سببه حركة حماس بالهجوم الذي شنّته على العدو في السابع من أكتوبر، والبعض يعيد التذكير بأن حماس تنتمي إلى الإخوان المسلمين على اعتبار أن هذا في رأيهم يكفي مبررا لإدانة الحركة.
هذا موقف مشبوه وغير مسؤول لأسباب كثيرة جدا.
أول وأكبر هذه الأسباب أن ما يقولونه عن مسؤولية حماس عما يجري غير صحيح وتزييف للحقيقة والتاريخ. حين شنت حماس هجوم السابع من أكتوبر مارست حقّا كفله القانون الدولي بمقاومة احتلال غاشم لم يترك جريمة إلا وارتكبها عبر عقود طويلة بحق الشعب الفلسطيني والعرب. والعالم بات يدرك اليوم بعد كل جرائم الإبادة في غزة أن هذه الإبادة هي أصلا هدف صهيوني في حد ذاته. ولو لم يقع هجوم أكتوبر لكان العدوّ قد انتظر أي مناسبة مواتية لتنفيذ هذه الإبادة وفقا لهدفه الاستراتيجي المعلن بطرد الفلسطينيين من أرضهم.
ثم إنه بالنسبة إلى أي كاتب أو مثقف أو صحفي عربي أو وسيلة إعلام عربية، من الناحية الأخلاقية والوطنية، ليس هذا الوقت المناسب أبدا لتوجيه الانتقادات لحماس أو أي حركة مقاومة فلسطينية. أعني بافتراض أن البعض لديه انتقادات -يؤمن بأنها محقة- لحماس فليس هذا هو الوقت المناسب لإثارتها والشعب الفلسطيني يتعرض لكل هذه الإبادة وتسعى المقاومة الفلسطينية للتصدّي للعدو.
حقيقة الأمر أن الذين يتخذون هذا الموقف اليوم من حماس لا يفعلون إلا خدمة العدو الصهيوني.
على أي حال، إلى الذين ينتقدون حماس في الوطن العرب اليوم أقدم لهم تحليلا يتناول هذه المسألة بالذات، وهو تحليل لكاتب وصحفي غربي معروف أرجو أن يتأملوه جيدا.
جوناثان كوك، كاتب وصحفي بريطاني متخصص له عدة كتب عن الصراع العربي الصهيوني. كتب مؤخرا تحليلا مهما تحت عنوانا «آلة الحرب تريدك أن تدين حماس».
في تحليله يناقش الكاتب الأسباب التي تجعل آلة الحرب الإسرائيلية الغربية تصرّ على دفع الكتاب ووسائل الاعلام في الغرب إلى ادانة حركة حماس.
ويقول إن هناك أسباب أخلاقية وسياسية تحتم رفض المشاركة في هذه الحملة على حماس، على رأسها ثلاثة أسباب رئيسية هي على النحو التالي:
أولا: إن الذين يطلبون شنّ حملة لإدانة حماس يريدون تكريس إجماع عام خطير حول قناعة مؤداها أن الجرائم والفظائع التي ترتكب اليوم بدأت فقط في السابع من أكتوبر. بعبارة أخرى هم يريدون محو الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عبر عقود طويلة، والتي تشمل جرائم التطهير العرقي، والمذابح المروعة، والاستعمار الاستيطاني، والحصار، والإجبار على الرحيل بالعنف والإكراه.
بعبارة ثانية المقصود بإدانة حماس اليوم تزوير وتشويه التاريخ ومحو معاناة الشعب الفلسطيني والاضطهاد الذي مارسته إسرائيل.
ثانيا: إن إدانة حماس وتصويرها كعدوّ وحشي همجي مقصود به تقديم مبرّر للوحشية التي تمارسها إسرائيل والجرائم التي ترتكبها، وتبرير جرائم الإبادة والتطهير العراقي التي تمارسها.
ثالثا: إن حملة إدانة حماس اليوم مقصود بها تجريد الشعب الفلسطيني من أي حق في مقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي. ويجب أن نلاحظ هنا أن مهاجمة حماس في السابع من أكتوبر لقواعد عسكرية إسرائيلية تفرض حصارا على غزة منذ أكثر من 16 عاما يندرج في إطار حق المقاومة الذي يكفله القانون الدولي.
ويختتم الكاتب تحليله بالقول: باختصار فإن الذين يقودون حملة إدانة حماس يريدون أن يرسخوا فكرة جوهرية مؤداها أن الشعب الفلسطيني يجب أن يقبل مصيره الحالي، أي يجب أن يقبل أن يظل عبدا للاحتلال الاستيطاني الاستعماري، وأن يظلوا خاضعين لنظام الفصل العنصري «الأبارتهيد» الإسرائيلي، وخاضعين للحصار والتجويع، وأن يتعرضوا دوما للعدوان الوحشي كلما أرادت إسرائيل ذلك.
كما نرى، هذه العوامل التي قدمها الكاتب البريطاني ويكشف فيها أهداف حملة انتقاد حماس اليوم هي جوانب موضوعية جدا.
ويجب أن نلاحظ أنه يخاطب هنا الذين ينتقدون حماس في الغرب. فما بالك بنا نحن في الوطن العربي. هل نحن بحاجة إلى كاتب غربي مثل هذا كي ندرك أن الحملة على حماس اليوم مشبوهة وتخدم العدو؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك