العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الاسلامي

الشيخ المجاهد أديب السرّاج.. خطيب ثورة 1936ضد الاحتلال الإنجليزي.. سقط شهيدا برصاص الغزاة وهو يقاتل لتحرير فلسطين

بقلم: د. علي صافـي حسين *

الجمعة ٠٥ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

وُلِد‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬السرّاج‭ ‬سنة‭ ‬إحدى‭ ‬وتسعين‭ ‬وثمانمائة‭ ‬وألف‭ ‬ميلاديّة،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬القديمة،‭ ‬بمنزلٍ‭ ‬في‭ ‬حيّ‭ ‬باب‭ ‬الواد‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬المبارك،‭ ‬وكان‭ ‬أبوه‭ ‬يشغل‭ ‬وظيفة‭ ‬إمام‭ ‬جامع‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطّاب‭ ‬الكائن‭ ‬بجوار‭ ‬حارة‭ ‬النصارى‭ ‬بمدينة‭ ‬القدس‭.‬

وكان‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬شديد‭ ‬العناية‭ ‬بتربية‭ ‬ابنه‭ ‬أديب،‭ ‬كثير‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تنشئته‭ ‬تنشئة‭ ‬دينيّة،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬وجدناه‭ ‬يلحقه‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬صباه‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬بحيّ‭ ‬باب‭ ‬الساهرة‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬الصخرة‭ ‬المشرّفة،‭ ‬وفيها‭ ‬درس‭ ‬العلوم‭ ‬الدينيّة‭ ‬كالفقه‭ ‬والتفسير‭ ‬والحديث‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام‭ ‬والتوحيد‭ ‬والعلوم‭ ‬اللغويّة‭ ‬كالنحو‭ ‬والصرف‭ ‬والمعاني‭ ‬والبيان‭ ‬والبديع،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬التركيّة؛‭ ‬ولكنّه‭ ‬لم‭ ‬يتمّ‭ ‬دراسته‭ ‬فيها‭ ‬إذ‭ ‬رأى‭ ‬والده‭ ‬أنْ‭ ‬يلحقه‭ ‬بالمعهد‭ ‬الأحمديّ‭ ‬في‭ ‬عكّا،‭ ‬وهناك‭ ‬أتمّ‭ ‬حفظ‭ ‬القرآن،‭ ‬وأتقن‭ ‬تجويده،‭ ‬واستظهر‭ ‬بعض‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬أبي‭ ‬حنيفة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬وحفظ‭ ‬طائفةً‭ ‬من‭ ‬الأحاديث‭ ‬الصحيحة‭ ‬ويُقال‭: ‬إنّه‭ ‬كان‭ ‬يحفظ‭ ‬ألفيّة‭ ‬ابن‭ ‬مالك‭ ‬في‭ ‬النحو،‭ ‬ومتن‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬المنطق،‭ ‬ومتن‭ ‬الهداية‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬على‭ ‬المذهب‭ ‬المذكور‭.‬

وبعد‭ ‬أنْ‭ ‬قضى‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الأحمدي‭ ‬بجامع‭ ‬الجزّار‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عكّا‭ ‬نحو‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬حيث‭ ‬ولّي‭ ‬منصب‭ ‬شيخ‭ ‬سدنة‭ ‬الصخرة‭ ‬المشرّفة،‭ ‬وبقِيَ‭ ‬يباشر‭ ‬مهام‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬حتّى‭ ‬سنة‭ ‬إحدى‭ ‬وعشرين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وألف‭ (‬1921م‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬المجلس‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬الأعلى‭ ‬قراراً‭ ‬بتعيينه‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الوعظ‭ ‬بالمسجد‭ ‬الأقصى‭.‬

وقد‭ ‬استهلّ‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬جهاده‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحرير‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطانيّ‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيونيّ،‭ ‬بتلك‭ ‬الخطبة‭ ‬المثيرة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬جموع‭ ‬المصلّين‭ ‬إثر‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬من‭ ‬شهر‭ (‬مايو‭) ‬سنة‭ ‬إحدى‭ ‬وعشرين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وألف‭ (‬1921م‭) ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬الصخرة‭ ‬المشرّفة،‭ ‬وذلك‭ ‬إثر‭ ‬قيام‭ ‬بعض‭ ‬الصهاينة‭ ‬بقيادة‭ ‬فلاديمير‭ ‬جابوتنسكي‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬حوانيت‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حيّ‭ ‬الباشورة‭ ‬الواقع‭ ‬بجوار‭ ‬حارة‭ ‬اليهود‭.‬

وقد‭ ‬أثار‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬حماس‭ ‬المصلّين‭ ‬فخرجوا‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬غاضبين‭ ‬ثائرين‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الصهاينة‭ ‬المعتدين،‭ ‬فاتّجهت‭ ‬جماعات‭ ‬منهم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب،‭ ‬نحو‭ ‬حيّ‭ ‬الباشورة،‭ ‬لينطلقوا‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬حارة‭ ‬الصهاينة،‭ ‬فاعترضهم‭ ‬الإنجليز‭ ‬الذين‭ ‬جاؤوا‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬غضبة‭ ‬جماهير‭ ‬العرب‭ ‬الثائرين،‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬وقتذاك‭ ‬يحملون‭ ‬سوى‭ ‬العصيّ،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنّهم‭ ‬لم‭ ‬يرهبوا‭ ‬رصاص‭ ‬الإنجليز‭ ‬ولا‭ ‬خافوا‭ ‬بنادقهم،‭ ‬بل‭ ‬اندفعوا‭ ‬نحو‭ ‬حارة‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬غضبة‭ ‬عارمة‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الإنجليز‭ ‬يمطرونهم‭ ‬بوابلٍ‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬فاستشهد‭ ‬بسبب‭ ‬رصاص‭ ‬الإنجليز‭ ‬الآثمين‭ ‬نحو‭ ‬ثمانية‭ ‬أشخاص‭ ‬وجُرِح‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬بجراحات‭ ‬مختلفة‭.‬

ثمّ‭ ‬قُبِض‭ ‬على‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬وبعض‭ ‬رفقائه‭ ‬وأودِعوا‭ ‬في‭ ‬القشلاق‭ ‬بقلعة‭ ‬القدس‭. ‬كما‭ ‬اعتقل‭ ‬الإنجليز‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الصهاينة‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬جابوتنسكي‭. ‬ثمّ‭ ‬أصدر‭ ‬المندوب‭ ‬السامي‭ ‬أمره‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬جابوتنسكي‭ ‬وجميع‭ ‬الذين‭ ‬اعتقلوا‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬الصهيونيّين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬محاكمة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنّهم‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬البادئين‭ ‬بالعدوان،‭ ‬فاتّخذ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬موسى‭ ‬كاظم‭ ‬حجّةً‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬وأصحابه‭.‬

وقد‭ ‬استجاب‭ ‬المندوب‭ ‬الساميّ‭ ‬لهذا‭ ‬الطلب‭ ‬فأمر‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهم‭ ‬متظاهراً‭ ‬بالمساواة‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭.‬

وفي‭ ‬سنة‭ ‬اثنتين‭ ‬وعشرين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وألف‭ (‬1922م‭) ‬عاد‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬الجماهير‭ ‬ضدّ‭ ‬الصهاينة‭ ‬والبريطانيّين،‭ ‬حيث‭ ‬خرج‭ ‬إثر‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬من‭ ‬أيّام‭ ‬شهر‭ (‬أبريل‭) ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جمهرة‭ ‬المصلّين‭ ‬واتّجه‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬سراي‭ ‬الحكومة‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬جلب‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الصهاينة‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬وقدّم‭ ‬للمندوب‭ ‬السامي‭ ‬مذكّرةً‭ ‬وقّعها‭ ‬معه‭ ‬وجهاء‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬للمطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬الهجرة‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد‭.‬

وفي‭ ‬سنة‭ ‬1929م‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬أحد‭ ‬زعماء‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬شرارتها‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنة،‭ ‬ضدّ‭ ‬الصهاينة‭ ‬والبريطانيّين‭ ‬والتي‭ ‬عمّتْ‭ ‬جميع‭ ‬قرى‭ ‬ومدن‭ ‬فلسطين‭.‬

وقد‭ ‬ظلّ‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬يشارك‭ ‬مشاركة‭ ‬فعليّة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الثورات‭ ‬والمظاهرات‭ ‬الوطنيّة‭ ‬حتّى‭ ‬انضوى‭ ‬جنديّاً‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الشيخ‭ ‬سعيد‭ ‬العاص‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬1936م‭ ‬بصحبة‭ ‬السيّد‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الحسينيّ‭.‬

وقد‭ ‬خاض‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬سعيد‭ ‬العاص‭ ‬معارك‭ ‬كثيرة‭ ‬ضدّ‭ ‬المستعمرات‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬والمعسكرات‭ ‬البريطانيّة،‭ ‬أذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬معركة‭ ‬وادي‭ ‬السرار‭ ‬ودير‭ ‬الشيخ‭ ‬وشعفاط،‭ ‬ومعركة‭ ‬حسّان‭ ‬المشهورة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬أخريات‭ ‬شهر‭ (‬سبتمبر‭) ‬سنة‭ ‬1936م،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أصيب‭ ‬فيها‭ ‬الشيخ‭ ‬أديب‭ ‬السرّاج‭ ‬بنحو‭ ‬خمس‭ ‬رصاصات‭ ‬رماه‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬الجنود‭ ‬البريطانيّين‭ ‬فاستقرّ‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬فوقع‭ ‬على‭ ‬ثرى‭ ‬الوطن‭ ‬المقدّس‭ ‬مخضّباً‭ ‬بدمه‭ ‬الشذى‭ ‬ثمّ‭ ‬لحقت‭ ‬روحه‭ ‬بأسلافه‭ ‬المجاهدين‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المخلصين،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يجعله‭ ‬في‭ ‬جنّات‭ ‬النعيم‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬النبيين‭ ‬والصديقين‭ ‬والشهداء‭ ‬والصالحين‭.‬

*‭ ‬مؤرخ‭ ‬فلسطيني‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مجاهدون‭ ‬من‭ ‬فلسطين‮»‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا