العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

القرآن.. كريم مكرم!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬كتاب‭ ‬مكرم‭ ‬وكريم،‭ ‬أما‭ ‬كونه‭ ‬كتابًا‭ ‬مكرمًا،‭ ‬فلأنه‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وكلامه‭ ‬سبحانه‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسمائه‭ ‬الحسنى،‭ ‬وصفة‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬العلا،‭ ‬وهو‭ ‬مكرم‭ ‬ومعظم‭ ‬كتعظيم‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لأنه‭ ‬كتاب‭ ‬لا‭ ‬يمسه‭ ‬إلا‭ ‬المطهرون،‭ ‬تناوله‭ ‬جبريل‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬العلي‭ ‬الكريم،‭ ‬وسلمه‭ ‬جبريل‭ ‬إلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬منجمًا‭ ‬بحسب‭ ‬الأحداث‭ ‬والقضايا‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬للناس،‭ ‬فيجدون‭ ‬فيه‭ ‬حلًا‭ ‬لمشاكلهم،‭ ‬وحكمًا‭ ‬لما‭ ‬يعرض‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬لأمور‭ ‬لم‭ ‬يعهدوها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬والقضايا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬لها‭ ‬حلولًا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬يستمهلهم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬حتى‭ ‬ينزل‭ ‬عليه‭ ‬الوحي‭ ‬بحكم‭ ‬لها‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬كفار‭ ‬قريش‭ ‬حين‭ ‬سألوه‭ ‬عن‭ ‬فتية‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬القديم‭ ‬ما‭ ‬شأنهم،‭ ‬وما‭ ‬قصتهم،‭ ‬فقد‭ ‬تأخر‭ ‬عليه‭ ‬نزول‭ ‬الوحي‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬يومًا،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬تأديبًا‭ ‬له‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لأنه‭ ‬وعدهم‭ ‬بالإجابة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭!‬،‭ ‬فنزل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬تقولن‭ ‬لشيء‭ ‬إني‭ ‬فاعل‭ ‬ذلك‭ ‬غدًا‭ (‬23‭) ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يشاء‭ ‬الله‭ ‬واذكر‭ ‬ربك‭ ‬إذا‭ ‬نسيت‭ ‬وقل‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يهديني‭ ‬ربي‭ ‬لأقرب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬رشدا‭ (‬24‭)) ‬الكهف‭.‬

ولما‭ ‬استكمل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬نزل‭ ‬منه‭: (.. ‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينًا‭) ‬المائدة‭ /‬3‭.‬

إذًا،‭ ‬فقد‭ ‬كمل‭ ‬بكمال‭ ‬الدين‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وكمل‭ ‬كذلك‭ ‬بكمال‭ ‬نزوله‭ ‬كمال‭ ‬الوسيلة‭ ‬المؤدية‭ ‬والمتحققة‭ ‬بتدبره،‭ ‬وفهم‭ ‬مقاصده‭ ‬وغاياته‭.‬

هذا‭ ‬معنى‭ ‬القرآن‭ ‬مكرم،‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬أما‭ ‬وصفه‭ ‬بأنه‭ ‬كتاب‭ ‬كريم،‭ ‬فلأنه‭ ‬كريم‭ ‬بعطائه،‭ ‬وعطاؤه‭ ‬غير‭ ‬مقطوع،‭ ‬ولا‭ ‬ممنوع،‭ ‬ولا‭ ‬مجذوذ،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬للمؤمنين‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬بالقرآن‭ ‬كتابًا‭ ‬موحى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬عطاء‭ ‬القرآن‭ ‬لهم‭ ‬لا‭ ‬ينضب،‭ ‬ورفده‭ ‬إليهم‭ ‬لا‭ ‬ينقطع،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬خلود‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‭ ‬لا‭ ‬يزول‭ ‬عنهم‭ ‬نعيمها،‭ ‬ولا‭ ‬يزالون‭ ‬هم‭ ‬عنه‭ ‬بالموت،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬موتة‭ ‬واحدة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬لا‭ ‬يذوقون‭ ‬فيها‭ ‬الموت‭ ‬إلا‭ ‬الموتة‭ ‬الأولى‭ ‬ووقاهم‭ ‬عذاب‭ ‬الجحيم‭) ‬الدخان‭/ ‬56‭.‬

ومعلوم،‭ ‬بل‭ ‬ومتيقن‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬بها‭ ‬المتقون‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬عين‭ ‬رأت،‭ ‬ولا‭ ‬أُذِنَ‭ ‬سمعت،‭ ‬ولا‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬بشر‭.. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬أكلها‭ ‬دائم،‭ ‬وسعادة‭ ‬المؤمنين‭ ‬فيها‭ ‬خالدة‭ ‬لا‭ ‬تزول‭ ‬عنهم‭ ‬بالفناء،‭ ‬ولا‭ ‬يزولون‭ ‬عنها‭ ‬بالموت‭.‬

إذًا،‭ ‬فالقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬المكرم‭ ‬تلقاه‭ ‬رسول‭ ‬كريم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وهو‭ ‬جبريل‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وتلقاه‭ ‬رسول‭ ‬كريم‭ ‬هو‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬منجمًا‭ ‬بحسب‭ ‬الحوادث‭ ‬والمستجدات‭ ‬من‭ ‬أحوال‭ ‬الناس،‭ ‬والقرآن‭ ‬كتاب‭ ‬كريم‭ ‬في‭ ‬شرائعه،‭ ‬وهو‭ ‬كريم‭ ‬في‭ ‬عباداته،‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬وأسس‭ ‬تعاملاته،‭ ‬وهو‭ ‬كريم‭ ‬في‭ ‬الرحمة‭ ‬المسداة‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬وما‭ ‬أرسلناك‭ ‬إلا‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين‭) ‬الأنبياء‭/ ‬107‭.‬

وقال‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬بُعِثَ‭ ‬بها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬وجاءت‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الحصر‭ ‬والقصر‭ ‬بأداة‭ ‬الحصر‭ ‬‮«‬إنما‮»‬‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬سلم‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬بعثت‭ ‬لأتمم‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق‮»‬‭ ‬الألباني‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الأحاديث‭ ‬الصحيحة‭.‬

ومن‭ ‬الأخلاق‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬ليشيعها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المؤمنين‭ ‬هي‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬القرآن‭ ‬ليغرسها‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المؤمنين‭ ‬وتتحول‭ ‬بالمداومة‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬يعرف‭ ‬المؤمن‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬بغيرها،‭ ‬قال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬المسلم‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬ما‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬البخاري‭.‬

ولقد‭ ‬عَرَّف‭ ‬رسولً‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬المؤمن،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬أمنه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أموالهم‭ ‬وأنفسهم،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬الخطايا‭ ‬والذنوب‮»‬‭ ‬الحديث‭ ‬صحيح‭ ‬رواه‭ ‬ابن‭ ‬ماجة‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

إذًا،‭ ‬فصفة‭ ‬الكرم‭ ‬حين‭ ‬تتصل‭ ‬بالقرآن،‭ ‬فنصفه‭ ‬بقولنا‭ ‬‮«‬‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‮»‬،‭ ‬فإننا‭ ‬نثبت‭ ‬له‭ ‬صفة‭ ‬الكرم‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬تعني‭ ‬العطاء‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬لعطائه،‭ ‬ولا‭ ‬نهاية‭ ‬لبذله‭ ‬وإنفاقه‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الخير،‭ ‬فلا‭ ‬نجرده‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬الكرم‭ ‬حين‭ ‬يأتي‭ ‬ذكره،‭ ‬بل‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬قولنا‭: ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لأنه‭ ‬كريم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أحواله،‭ ‬وفِي‭ ‬شتى‭ ‬مجالاته‭ ‬لأن‭ ‬الكريم‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الحسنى،‭ ‬وصفة‭ ‬جليلة‭ ‬من‭ ‬صفاته‭ ‬سبحانه‭ ‬العظمى،‭ ‬فهو‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬خلاله‭ ‬وعلو‭ ‬شأنه،‭ ‬وهو‭ ‬بين‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭ ‬مبجل‭ ‬معظم‭ ‬لا‭ ‬يشبهه‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تنزلت‭ ‬أو‭ ‬أُنزلت‭ ‬على‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬رسل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حيث‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬المعجزة‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬بلاغه‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬دفتيه‭ ‬الشريعة‭ ‬والمعجزة،‭ ‬فالمعجزة‭ ‬حارسة‭ ‬للشريعة،‭ ‬والشريعة‭ ‬محققة‭ ‬للمعجزة،‭ ‬وهما‭ ‬محفوظتان‭ ‬بحفظ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لهما،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‭) ‬الحجر‭/‬9‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا