العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الاستدامة وأمن المستقبل

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الجمعة ١٢ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬الاستدامة،‭ ‬وعن‭ ‬القمم‭ ‬والملتقيات‭ ‬والمعارض‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بها‭ ‬وبمختلف‭ ‬التخصصات،‭ ‬فمن‭ ‬الاستدامة‭ ‬التنموية‭ ‬أو‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة‭ ‬العقارية،‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة‭ ‬الصحية،‭ ‬إلى‭ ‬استدامة‭ ‬الاعمال،‭ ‬إلى‭ ‬الاستدامة‭ ‬البيئية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬نسبقها‭ ‬بكلمة‭ ‬استدامة،‭ ‬فماذا‭ ‬نعني‭ ‬بالاستدامة؟‭ ‬وما‭ ‬أهميتها؟‭   ‬

الاستدامة‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬تعني‭ ‬إيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬لاستخدام‭ ‬الموارد‭ ‬بما‭ ‬يمنع‭ ‬استنفادها‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬تنميتها،‭ ‬فيما‭ ‬عرفت‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬بانها‭ ‬التنمية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بتحقيق‭ ‬التكافؤ‭ ‬المتصل‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬اتاحة‭ ‬نفس‭ ‬الفرص‭ ‬التنموية‭ ‬الحالية‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬وذلك‭ ‬بضمان‭ ‬ثبات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الشامل‭ ‬او‭ ‬زيادته‭ ‬المستمرة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭.‬

وعرفت‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬بانها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬للمنظمة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمن‭. ‬كما‭ ‬تعني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬الأعمال‭ ‬وتنميتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬باستقرار‭ ‬مالي‭ ‬قصير‭ ‬وطويل‭ ‬الأجل‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الدولة‭ ‬تعرف‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬بانها‭ ‬الحالة‭ ‬المالية،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الدولة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الإنفاق،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الإيرادات‭ ‬الحالية‭ ‬مدة‭ ‬طويلة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خفض‭ ‬الموازنة‭ ‬العامة،‭ ‬أو‭ ‬التعرض‭ ‬لخطر‭ ‬الإفلاس،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬المالية‭ ‬المستقبلية‭.‬

وتعرف‭ ‬التنمية‭ ‬العقارية‭ ‬المستدامة‭ ‬بانها‭ ‬تحسين‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬ويتضمن‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البعد‭ ‬العمراني،‭ ‬أبعادا‭ ‬أخرى،‭ ‬كالبعد‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والبيئي،‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬والمؤسسي،‭ ‬والسياسي،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استدامة‭ ‬الموارد‭ ‬الرئيسية‭ ‬بما‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬حق‭ ‬الجيل‭ ‬الحاضر‭ ‬وحقوق‭ ‬الاجيال‭ ‬القادمة‭. ‬والتوازن‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬العقارية‭ ‬المستدامة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الزمني‭ ‬بل‭ ‬يراد‭ ‬به‭ ‬ايضا‭ ‬امتدادها‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬ارجاء‭ ‬البلاد‭ ‬ودون‭ ‬قصرها‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭ ‬او‭ ‬منطقة‭ ‬بعينها‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مناطق‭ ‬مهمشة‭ ‬عقاريا‭ ‬وأخرى‭ ‬مترفة‭.‬

اما‭ ‬استدامة‭ ‬الأعمال‭ ‬فإنها‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬منظمة‭ ‬الأعمال‭ ‬لأفضل‭ ‬قيمة‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬اعمالها‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬النمو‭ ‬على‭ ‬الأجل‭ ‬الطويل،‭ ‬وبما‭ ‬يعود‭ ‬بالمنفعة‭ ‬على‭ ‬أطرافها‭ ‬المعنية‭ ‬من‭ ‬المساهمين‭ ‬والمجتمع‭ ‬والعملاء‭ ‬والموظفين‭ ‬ويحقق‭ ‬منفعة‭ ‬دائمة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬والبيئة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬فيها‭ ‬المنظمة‭. ‬اما‭ ‬الاستدامة‭ ‬الصحية‭ ‬فيقصد‭ ‬بها‭ ‬عيش‭ ‬حياة‭ ‬آمنة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الاوجاع‭ ‬والأمراض‭ ‬والاوبئة‭.‬

والاستدامة‭ ‬البيئية‭ ‬فإنها‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬النشاطات‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬البيئة‭ ‬واستنزاف‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬مفيدة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬اوكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬النمو‭ ‬السكاني‭ ‬المتزايد‭ ‬الذي‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التعديات‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تدهورها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التقلبات‭ ‬البيئية‭ ‬الطبيعية‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬كالفيضانات‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬والزلازل‭ ‬واتساع‭ ‬طبقة‭ ‬الاوزون‭. ‬وتنامي‭ ‬وتنوع‭ ‬الاوبئة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬العلاجات‭ ‬الصحية‭ ‬المتاحة‭ ‬وغيرها‭. ‬

وعموما‭ ‬فأن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالاستدامة‭ ‬ينطلق‭ ‬وينسجم‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬التنموية‭ ‬والاصلاحية‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬احتياجات‭ ‬الناس‭ ‬وضمان‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬ببيئة‭ ‬صحية‭ ‬آمنة‭ ‬تتوافر‭ ‬فيها‭ ‬مستلزمات‭ ‬حياتهم‭ ‬وتتاح‭ ‬فيها‭ ‬الخدمات‭ ‬الضرورية‭ ‬لممارسة‭ ‬مقتضياتها‭ ‬بيسر‭ ‬وبأقل‭ ‬كلفة‭ ‬ممكنة،‭ ‬وبما‭ ‬يحقق‭ ‬العدالة‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬المختلفة‭ ‬والاجيال‭ ‬المتعددة‭.‬

وقد‭ ‬اوجد‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬شهده‭ ‬العالم‭ ‬فرصا‭ ‬مواتية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬بكل‭ ‬ابعادها‭ ‬ومجالاتها‭ ‬ومستوياتها‭. ‬وقد‭ ‬انطلق‭ ‬منتدى‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬للاستدامة‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الثانية‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬للمدة‭ (‬8-9‭) ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬الحياد‭ ‬الكربوني‭ ‬الصفري‭ ‬‭ ‬طريق‭ ‬تسريع‭ ‬التنفيذ‭) ‬ليتناول‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الانشغالات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستدامة‭ ‬البيئية‭ ‬وليسهم‭ ‬في‭ ‬تحفيز‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرات‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحياد‭ ‬الكربوني،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مناقشة‭ ‬القضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتغير‭ ‬المناخ‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬ملاحظة‭ ‬قائمة‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحرينية‭ ‬الراعية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬اعمال‭ ‬المنتدى‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬ألبا،‭ ‬أي‭ ‬بي‭ ‬ام‭ ‬تير‭ ‬مينالز‭ ‬البحرين،‭ ‬وشركة‭ ‬بابكو‭ ‬انرجيز،‭ ‬والمجلس‭ ‬الاعلى‭ ‬للبيئة،‭ ‬وهيئة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬وبنك‭ ‬ABC،‭ ‬وبنك‭ ‬انفراكورب،‭ ‬وبنك‭ ‬HSBC،‭ ‬وبنك‭ ‬ستاندرد‭ ‬تشارترد،‭ ‬وشركة‭ ‬KPMG‭ ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الشركات،‭ ‬يتضح‭ ‬الحجم‭ ‬الكبير‭ ‬للوعي‭ ‬البيئي‭ ‬لدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحرينية‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومستواها‭ ‬الارتقائي‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬مختلف‭ ‬الفرص‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وبذلك‭ ‬يتحقق‭ ‬الامن‭ ‬البيئي‭ ‬المنشود‭ ‬للإنسان‭ ‬والموارد‭ ‬ومختلف‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا