العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا تعجز القوى الكبرى عن وقف العدوان الإسرائيلي؟

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ١٨ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

عام‭ ‬1956‭ ‬وبعد‭ ‬قيام‭ ‬مصر‭ ‬بتأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬شنت‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬هي‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬حربا‭ ‬شاملة‭ ‬عليها‭. ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬ذلك‭ ‬العدوان‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تدخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنعت‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬فيه‭.‬

من‭ ‬المفهوم‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تتدخل‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬مصر،‭ ‬بل‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬بريطانيا‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كما‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬الحاضنة‭ ‬السوفيتية‭.‬

ما‭ ‬نجحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬فعله‭ ‬رسخ‭ ‬يومها‭ ‬مكانتها‭ ‬قوة‭ ‬عالمية‭ ‬عظمى‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متوقعا‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬منتصرة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أضرار‭ ‬وكانت‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬النازي‭ ‬ووأد‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬دارها‭ ‬قد‭ ‬ثبتت‭ ‬به‭ ‬حقائق‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بدأ‭ ‬العد‭ ‬التنازلي‭ ‬لأوروبا‭ ‬وكانت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬طرفاها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬مناسبة‭ ‬لوضع‭ ‬حدود‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬الشيوعية‭ ‬وأوروبا‭ ‬الحرة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬عسكريا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حلفي‭ ‬الناتو‭ ‬ووارسو‭. ‬

ولكن‭ ‬رسم‭ ‬تلك‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أضعف‭ ‬أوروبا‭ ‬وجعل‭ ‬منها‭ ‬ملعبا‭ ‬لصراع‭ ‬ستدفع‭ ‬دولها‭ ‬ثمنه‭ ‬من‭ ‬سيادتها‭ ‬واستقلالها‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬مستقبلها‭. ‬

فمنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تبني‭ ‬قوتها‭ ‬الكونية‭ ‬باعتبارها‭ ‬ممثلة‭ ‬لاستعمار‭ ‬جديد‭ ‬ورث‭ ‬ممتلكات‭ ‬أوروبا‭ ‬القديمة‭ ‬وصارت‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومنجزاته‭ ‬الداخلية‭ ‬وسعيه‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬عنها‭ ‬زعيمة‭ ‬للعالم‭ ‬الغربي‭ ‬وصوته‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الاختلاف‭ ‬ويستاء‭ ‬بطريقة‭ ‬مبتذلة‭ ‬حين‭ ‬تبدي‭ ‬أوروبا‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬قراراته‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬حين‭ ‬اعترضت‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬فوصفت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أوروبا‭ ‬بالقارة‭ ‬العجوز‭.‬

لم‭ ‬تقو‭ ‬فرنسا‭ ‬ولا‭ ‬الصين‭ ‬ولا‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬العراق،‭ ‬ولكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استطاعت‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وهما‭ ‬دولتان‭ ‬عظميان،‭ ‬بحسب‭ ‬التصنيف‭ ‬المتداول‭ ‬أمميا‭ ‬تبعا‭ ‬لتاريخهما‭ ‬الاستعماري،‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬عدوانهما‭ ‬على‭ ‬مصر‭. ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬تطبيق‭ ‬ذلك‭ ‬المنظور‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬دولتين‭ ‬عظميين‭ ‬هما‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انصهار‭ ‬الموقف‭ ‬البريطاني‭ ‬والفرنسي‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬المؤيد‭ ‬لاستمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة؟

لا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ولا‭ ‬خارجه‭ ‬نجحت‭ ‬الدولتان‭ (‬الصين‭ ‬وروسيا‭) ‬في‭ ‬فرض‭ ‬حل‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬فرضته‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأيدته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الدولتين‭ ‬ليستا‭ ‬مهتمتين‭ ‬بالسلام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬وجودهما‭ ‬عضوين‭ ‬ثابتين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬يهدد‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهما‭ ‬بشأن‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭.‬

وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يُريب‭. ‬فالصين‭ ‬وروسيا‭ ‬كانتا‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتقديراتها‭ ‬لمسألة‭ ‬السلام‭ ‬العالمي‭. ‬ولكنهما‭ ‬كانتا‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسلامة‭ ‬مواطنيها‭ ‬إنما‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬النقاش‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تفهمه‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحدود‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬القبول‭ ‬بالتواطؤ‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬نتعرض‭ ‬للموقف‭ ‬الصيني‭ ‬‭ ‬الروسي‭ ‬المحدود‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬غزة‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتفحص‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭. ‬تبدو‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬اليوم‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬خاضعة‭ ‬تماما‭ ‬لإسرائيل‭. ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لا‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬يذهب‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الإبادة‭. ‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬خاضعة‭ ‬تماما‭ ‬لإرادة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬المحدود‭ ‬التأثير‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني‭ ‬هو‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الدولتين‭ ‬عظميين‭. ‬فهما‭ ‬ليستا‭ ‬متواطئتين‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬منه‭. ‬ولكنهما‭ ‬لا‭ ‬تفعلان‭ ‬شيئا‭ ‬لإثبات‭ ‬الدور‭ ‬الفاعل‭ ‬عالميا‭. ‬أليس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنهما‭ ‬ليستا‭ ‬دولتين‭ ‬عظميين‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن؟

غرقت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭. ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تم‭ ‬إغراقها‭. ‬أما‭ ‬الصين‭ ‬فهي‭ ‬عملاق‭ ‬اقتصادي‭ ‬يهتم‭ ‬أولا‭ ‬بهذه‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭.. ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬عالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬تحكمه‭ ‬إسرائيل‭ ‬سياسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا