العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل تنتصر محكمة العدل الـدولـيـة لقـضيـة الشـعب الفلـسـطـينـي؟

بقلم: فريد طعم الله {

الخميس ١٨ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

تولت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬عقد‭ ‬جلسات‭ ‬استماع‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬يومي‭ ‬الخميس‭ ‬والجمعة‭ (‬11‭ ‬و12‭ ‬يناير‭) ‬بشأن‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والتي‭ ‬تتهم‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬وتسعى‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬طارئ‭.‬

نحن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬نقدر‭ ‬تقديرًا‭ ‬عاليًا‭ ‬رمزية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬والتمييز‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ونقدر‭ ‬قيامها‭ ‬برفع‭ ‬هذه‭ ‬الشكوى‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭. ‬إنها‭ ‬خطوة‭ ‬تاريخية،‭ ‬وهي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬قضية‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭.‬

فهل‭ ‬تنجح‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬فشل‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬برمته‭ ‬في‭ ‬تحقيقه‭: ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المجرمين‭ ‬الإسرائيليين؟

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحجج‭ ‬المقدمة‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭. ‬لقد‭ ‬عاش‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬وعانوا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬المروعة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بثها‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬ليراها‭ ‬العالم‭.‬

وقد‭ ‬قُتل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬وجُرح‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ ‬ألفًا‭. ‬لقد‭ ‬تضررت‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬أو‭ ‬دمرت،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعاني‭ ‬غالبية‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والتشريد‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يؤمن‭ ‬بعدالة‭ ‬قضيته‭ ‬ويدرك‭ ‬تماما‭ ‬المظالم‭ ‬والجرائم‭ ‬المرتكبة‭ ‬بحقه،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يحمل‭ ‬مخاوف‭ ‬مشروعة،‭ ‬نظرا‭ ‬لتجاربه‭ ‬المريرة‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

لدى‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬شكوك‭ ‬حول‭ ‬جدية‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ - ‬وخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭- ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بإنهاء،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تخفيف،‭ ‬حجم‭ ‬جرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضدنا‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي‭ ‬لمحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬سنوات،‭ ‬فإننا‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬المحكمة‭ ‬قراراً‭ ‬سريعاً‭ ‬بشأن‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬يتضاءل‭ ‬عندما‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬الحكم‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬حيث‭ ‬تستطيع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭. ‬وقد‭ ‬سمح‭ ‬هذا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بالتصرف‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬وتجاهل‭ ‬اتفاقيات‭ ‬جنيف‭.‬

ازدواجية‭ ‬المعايير

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬نتساءل‭: ‬أين‭ ‬دول‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعالم‭ ‬الحر‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان؟

نحن‭ ‬ننظر‭ ‬بعين‭ ‬الشك‭ ‬إلى‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬التي‭ ‬يطبقها‭ ‬نظام‭ ‬العدالة‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬بسرعة‭ ‬نسبيا‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬اعتقال‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بسبب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬مزعومة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭.‬

ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬ففي‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الصراع،‭ ‬أمرت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬روسيا‭ ‬بـ«التعليق‭ ‬الفوري‮»‬‭ ‬لعملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفعت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬شكوى‭ ‬بشأن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

يشير‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬التدمير‭ ‬المتعمد،‭ ‬كليًا‭ ‬أو‭ ‬جزئيًا،‭ ‬لمجموعة‭ ‬قومية‭ ‬أو‭ ‬إثنية‭ ‬أو‭ ‬عنصرية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭. ‬ويقول‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬إن‭ ‬أصعب‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬إثباته‭ ‬هو‭ ‬نية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬لكن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات‭ ‬أوضحوا‭ ‬نواياهم‭.‬

وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا‭ ‬عن‭ ‬هدفها‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جماعية‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بسبب‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬وفي‭ ‬إعلانه‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬حصار‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬وصف‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬حيوانات‭ ‬بشرية‮»‬‭.‬

وقال‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتزوغ‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬تمييز‭ ‬بين‭ ‬المقاتلين‭ ‬المسلحين‭ ‬والمدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أمة‭ ‬بأكملها‭ ‬هناك‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭. ‬ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬عن‭ ‬مدنيين‭ ‬غير‭ ‬مطلعين‭ ‬وغير‭ ‬متورطين‭.. ‬وسنقاتل‭ ‬حتى‭ ‬نكسر‭ ‬عمودهم‭ ‬الفقري‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬تزعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬سلطة‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬التدابير‭ ‬المؤقتة‭ ‬مقيدة‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬المعترف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليس‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النفس؛‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هجوم‭.‬

فمن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يزعم‭ ‬بشكل‭ ‬واقعي‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬يعني‭ ‬تشريد‭ ‬وتجويع‭ ‬مليوني‭ ‬إنسان؟‭ ‬ومحاصرة‭ ‬المستشفيات‭ ‬وتدميرها؛‭ ‬وقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬الخدج‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء؟‭ ‬فهل‭ ‬قطع‭ ‬المياه‭ ‬والكهرباء‭ ‬والوقود‭ ‬والغذاء‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس؟

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بسلطة‭ ‬إنفاذ‭ ‬قراراتها،‭ ‬فإن‭ ‬أحكامها‭ ‬ملزمة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬النتيجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تآكل‭ ‬سمعة‭ ‬إسرائيل‭ ‬العالمية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭. ‬

وبينما‭ ‬نواصل‭ ‬معاناة‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب،‭ ‬تتجه‭ ‬أعيننا‭ ‬نحو‭ ‬لاهاي،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬صرخات‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬سوط‭ ‬الجلاد‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الفرصة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬لاستعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬الاحتلال‭ ‬والظلم‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬

ونأمل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬قضية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬فصلاً‭ ‬جديداً‭ ‬لشعبنا‭ ‬المضطهد‭ - ‬وأن‭ ‬تنتهي‭ ‬أيام‭ ‬الإفلات‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬وإلى‭ ‬الأبد‭.‬

 

{ صحفي‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا