العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر الترتيبات الأمريكية لما بعد الحرب

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الخميس ١٨ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

برأيي‭ ‬أن‭ ‬الأهداف‭ ‬الحقيقية‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬انتوني‭ ‬بلينكن‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلف‭ ‬زياراته‭ ‬المكوكية‭ ‬للمنطقة‭ ‬تتلخص‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء،‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬إن‭ ‬بلينكن‭ ‬يهدف‭ ‬ضمن‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬ترشيد‭ ‬الغضب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أو‭ ‬تخليصها‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الزوال‭ ‬او‭ ‬انكشاف‭ ‬الظهر،‭ ‬وهذا‭ ‬الهدف‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬النصائح‭ ‬العلنية‭ ‬والسرية‭ ‬لتغيير‭ ‬وتيرة‭ ‬الحرب‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬نظيفة‮»‬‭ ‬و«محتملة‮»‬‭ ‬و‮«‬غير‭ ‬مكلفة‮»‬‭ ‬و«منسية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬كبير‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخسر‭ ‬إسرائيل‭ ‬صورتها‭ ‬ولا‭ ‬سرديتها‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تنفجر‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬تمزقاً‭ ‬وجدلاً‭ ‬وانقساماً،‭ ‬النصائح‭ ‬الامريكية‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ولكـنها‭ ‬اعتذارات‭ ‬تخفي‭ ‬الشراكة‭ ‬والتخطيط‭ ‬والاعداد‭ ‬المشترك‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

أما‭ ‬الهدف‭ ‬الثاني‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬إبقاء‭ ‬الإجماع‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وعلى‭ ‬ضرورة‭ ‬المساهمة‭ ‬الأمنية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬ترتيبات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬وكذلك‭ ‬ضمان‭ ‬الضغط‭ ‬والضبط‭ ‬للأطراف‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومحاولة‭ ‬تعويضها‭ ‬أو‭ ‬ترويضها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تهديدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أطراف‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬إغراء‭ ‬أو‭ ‬تهديداً‭ ‬أو‭ ‬كليهما،‭ ‬ولأن‭ ‬بلينكن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬المبادرة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬صفقة‭ ‬القرن،‭ ‬فالمقصود‭ ‬هو‭ ‬ترتيب‭ ‬أمني‭ ‬سياسي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬غطاء‭ ‬عربي‭ ‬يمنح‭ ‬الشرعية‭ ‬للأوضاع‭ ‬الجديدة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬‭ ‬بحسب‭ ‬أمريكا‭ ‬وإسرائيل‭- ‬استبعاد‭ ‬حماس‭ ‬و«تحديث‮»‬‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومحاولة‭ ‬ربط‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬رمزية‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬سيعاد‭ ‬محاصرته‭ ‬بشكل‭ ‬جديد‭.‬

الهدف‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يرمي‭ ‬إليه‭ ‬بلينكن‭ ‬برأيي‭ ‬هو‭ ‬تسويق‭ ‬وهم‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬للمرة‭ ‬الألف‭ ‬دون‭ ‬إجراءات‭ ‬أو‭ ‬خطط‭ ‬أو‭ ‬خطوات‭ ‬حقيقة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬إن‭ ‬التلويح‭ ‬بهذا‭ ‬الشعار‭ ‬سيطرب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالذات،‭ ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليهم‭ -‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭- ‬الذهاب‭ ‬بعيداً‭ ‬في‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬ذلك‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارية‭ ‬وسياسية‭.‬

بلينكن‭ ‬يقول‭ ‬علناً‭ ‬إن‭ ‬الجميع‭ ‬متفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬هدف‭ ‬يحتاج‭ ‬وقتاً،‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬إدارته‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لسنة‭ ‬أخرى‭ ‬قادمة،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬الرابع‭ ‬للرجل‭ ‬يكمن‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬صورة‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬أمام‭ ‬جمهوره‭ ‬القلق‭ ‬والمستنكر‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المطالبة‭ ‬المثيرة‭ ‬للسخرية‭ ‬بتقليل‭ ‬الإصابات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬المساعدات‭ ‬اليهم‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬ضريبة‭ ‬كلامية‭ ‬يقدمها‭ ‬بلينكن‭ ‬لجمهوره‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬موجهة‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬أو‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هذين‭ ‬الطلبين‭ ‬لا‭ ‬يستويان‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬وفيهما‭ ‬استهتار‭ ‬واستخفاف‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أيضاً‭.‬

الهدف‭ ‬الخامس‭ ‬وراء‭ ‬دبلوماسية‭ ‬بلينكن‭ ‬هو‭ ‬إبقاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مستعرة‭ ‬لأن‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬اقتلاع‭ ‬مقاومة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حقاً‭ ‬وإنهاء‭ ‬أي‭ ‬مخاطر‭ ‬أمنية‭ ‬تواجه‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬احتلالها،‭ ‬إن‭ ‬تقديم‭ ‬الغطاء‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والأمني‭ ‬والسياسي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المروع‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬لرؤية‭ ‬أمريكية‭ ‬اصيلة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضية‭ ‬يمكن‭ ‬احتمالها‭ ‬والتعايش‭ ‬معها‭ ‬شريطة‭ ‬حصر‭ ‬الصراع‭ ‬وعدم‭ ‬اتساعه‭ ‬وهذا‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بلطجة‭ ‬حقيقية‭ ‬مارسها‭ ‬بلينكن‭ ‬ووزير‭ ‬الدفاع‭ ‬اوستن‭ ‬بطريقة‭ ‬فظة‭ ‬وعلنية‭.‬

ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬هو‭ ‬تسويق‭ ‬دعم‭ ‬أمريكي‭ ‬لوجستي‭ ‬للسلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬قد‭ ‬يترافق‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬حثيثة‭ ‬أمريكية‭ ‬للإطاحة‭ ‬بحكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬تحرج‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬طيلة‭ ‬الوقت،‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬بعد‭ ‬محاولة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحكومته‭ ‬أن‭ ‬يستبقوا‭ ‬النصائح‭ ‬الأمريكية‭ ‬بخطوات‭ ‬تفرغها‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭ ‬أو‭ ‬ينتقوا‭ ‬من‭ ‬نصائح‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬ما‭ ‬يريدون‭ ‬وكيف‭ ‬يريدون،‭ ‬بحيث‭ ‬تبدو‭ ‬إسرائيل‭ ‬وكأنها‭ ‬تقرر‭ ‬لنفسها‭ ‬دون‭ ‬سيطرة‭ ‬أمريكية‭.‬

أخيراً،‭ ‬أهداف‭ ‬بلينكن‭ ‬من‭ ‬زياراته‭ ‬المكوكية‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬زيارات‭ ‬من‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬وزراء‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقين‭ ‬وهي‭ ‬أهداف‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬تسوية‭ ‬حقيقية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬والكرامة‭ ‬والأمن،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ترتيبات‭ ‬أمنية‭ ‬سياسية‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الأفضلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فيما‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مكشوف‭ ‬الظهر‭ ‬مسلوب‭ ‬القرار،‭ ‬ومازلنا‭ ‬نتذكر‭ ‬أسماء‭ ‬شهيرة‭ ‬وكثيرة‭ ‬منذ‭ ‬كيسنجر‭ ‬الذي‭ ‬ورط‭ ‬المنطقة‭ ‬وفككها‭ ‬وحتى‭ ‬بلينكن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬بريق‭ ‬الأول‭ ‬ولا‭ ‬دهاءه‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات

‭ ‬المستقبلية‭ - ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا