يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
المحاكمة التاريخية للعدو الصهيوني
من المتوقع أن تصدر محكمة العدل الدولية قرارا في الفترة القريبة القادمة فيما يتعلق بطلب جنوب إفريقيا اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين من حرب الإبادة في غزة، في مقدمة هذه الإجراءات الوقف الفوري لإطلاق النار.
أيًّا كان قرار المحكمة، وأيًّا كان حكمها في وقت لاحق بخصوص إدانة الكيان الصهيوني بارتكاب الإبادة الجماعية، هناك إجماع على أن مجرد نظر المحكمة للقضية وبالمرافعة التي قدمتها جنوب إفريقيا هو في حد ذاته إدانة للعدو الصهيوني.
بكثير من التقدير والاحترام يجب أن نتوقف عند تفاصيل المرافعة التاريخية التي قدمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في قضية اتهام العدو الصهيوني بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة.
مرافعة جنوب إفريقيا وثيقة تاريخية بكل معنى الكلمة، وقد انطوت على جوانب كثيرة حاسمة من المفروض أن نتوقف عندها وننوه بها، ومن المفروض أن تكون ملهمة للخطاب السياسي والإعلامي العربي في مواجهة العدو الصهيوني.
من بين هذه الجوانب نتوقف خصوصا عند الجوانب الثلاثة التالية:
أولا: حرص الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في مرافعته على أن يبرز حقيقة أن جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة اليوم لم تكن نتاجا لعملية طوفان الأقصى، وإنما هي امتداد لسلسلة طويلة جدا من جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبها الكيان الصهيوني منذ قيامه في 1948 وحتى اليوم.
دعوى جنوب إفريقيا ذكرت أنه يجب التذكير «بالنكبة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني بفعل الاستعمار الإسرائيلي منذ عام 1948، الذي أدّى بشكل منهجي وقسري إلى تجريد الشعب الفلسطيني من ممتلكاته، وتشريده وتجزئته وحرمانه عمدًا من حقوقه غير القابلة للتصرف والمعترف بها دوليًا: «الحق في تقرير المصير وحق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم».
جنوب إفريقيا بحرصها على إبراز ذلك أرادت تذكير المحكمة والعالم بأن ارتكاب جرائم الحرب والإبادة بحق الشعب الفلسطيني ليست أمرا طارئا على الكيان الصهيوني وقادته، وإنما هي جزء أصيل في تكوين هذا الكيان وممارساته منذ قيامه وحتى اليوم. بعبارة أخرى أثبتت جنوب إفريقيا أن إبادة الشعب الفلسطيني هي بالأصل استراتيجية صهيونية.
ثانيا: حرصت جنوب إفريقيا في مرافعتها على تأكيد مسؤولية المجتمع الدولي عن جرائم الكيان الصهيوني وإفلاته من العقاب في الماضي واليوم.
في مرافعتها ذكرت جنوب إفريقيا أن إسرائيل «سلبت الأراضي الفلسطينية وانتهكت القانون الدولي وارتكبت كل هذه الجرائم عبر عقود لأنها تنظر إلى نفسها على أنّها فوق الشرعيّة الدوليّة، وهو ما شجّعها على التمادي».
جنوب إفريقيا اعتبرت -عن حق تام- أن المجتمع الدولي ومنظومة العدالة الدولية يتحملان مسؤولية أساسية عن الجرائم الصهيونية وفشلت في حماية الشعب الفلسطيني، وأنه آن الأوان لإنهاء هذه الحصانة الشاذة التي تمتع بها الكيان الصهيوني عبر عقود ومحاسبته على جرائمه.
ثالثا: قدمت جنوب إفريقيا في مرافعتها الأدلة الدامغة على ارتكاب الكيان الصهيوني جرائم الإبادة في غزة وقدمت الوثائق والأرقام والحقائق مدعومة بالصور ومقاطع الفيديو.. الخ.
الجانب المهم هنا أن مرافعة جنوب إفريقيا أثبتت أن الكيان الصهيوني ارتكب جرائم الإبادة عن عمد وسبق تخطيط. استشهدت هنا بالتصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين الذين تحدثوا صراحة عن تدمير كل الفلسطينيين في غزة وليس فقط مقاتلي كتائب القسام ولا حتّى حركة حماس بشكل عام، إذ نزعت الإنسانيّة تماما عن سكّان غزّة، الذين وُصفوا بالحيوانات البشريّة، وتم تصنيفهم كـ«إرهابيين» يجب تدميرهم. وذكرت مرافعة جنوب إفريقيا أن الأمر لا يتعلّق بتصريح معزول صدر عن أحد الوزراء المتطرّفين، بل بعشرات التصريحات الصادرة عن مختلف المسؤولين، بدءا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من ذلك إحالة الأخير في رسالته إلى الجنود، إلى قصّة «المعاليق» التوراتيّة، والتي تعني قتل الجميع، رجالا ونساء وأطفالا وحيوانات. هذه الإحالة، استعادها الجنود صراحة في أهازيجهم كما ظهر في الفيديو المعروض في الجلسة، والتي أنهوها بـ: «نعلم جيّدا شعارنا: لا يوجد مدنيّون غير متورّطين».
هذه بعض الجوانب التي تبرز الأهمية التاريخية لمرافعة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية والتي تعتبر بمثابة محاكمة تاريخية للكيان الصهيوني.
وليست هي الجوانب الوحيدة. هناك أبعاد أخرى مهمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك