العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

غزة تتحدى إسرائيل من داخل محكمة العدل الدولية

بقلم: د. سنية الحسيني {

الاثنين ٢٢ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

عرضت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أمام‭ ‬قضاة‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬جلسة‭ ‬استماع،‭ ‬حيثيات‭ ‬الدعوى‭ ‬التي‭ ‬ترفعها‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭. ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬آخر‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تثق‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬اعتبارات‭ ‬ومعادلات‭ ‬سياسية،‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬والقانون،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬الجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمة،‭ ‬وتعمل‭ ‬وفق‭ ‬اعتبارات‭ ‬قانونية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها،‭ ‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬تطوراً‭ ‬نوعياً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭.‬

ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬لعدة‭ ‬اعتبارات‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬القرار‭ ‬الملزم‭ ‬وخطورته‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتخذه‭ ‬المحكمة‭ ‬لصالح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬سيضيف‭ ‬إلى‭ ‬المكانة‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسة‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬ويضر‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬بالكيان‭ ‬المحتل‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تبقى‭ ‬المعضلة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬صعوبة‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة،‭ ‬التي‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬امتلاكها‭ ‬جهازا‭ ‬تنفيذيا‭. ‬ورغم‭ ‬إمكانية‭ ‬توصيل‭ ‬الدولة‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الدولة‭ ‬الخصم‭ ‬لقرار‭ ‬المحكمة،‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬أو‭ ‬إسقاطه‭ ‬بـ‮«‬الفيتو‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬فيتو‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬قد‭ ‬يعطل‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬لتنفيذ‭ ‬القرار‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يبقى‭ ‬تحريك‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬والخروج‭ ‬بقرار‭ ‬لصالح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إنجازا‭ ‬فلسطينيا‭ ‬مهما،‭ ‬وإحراجا‭ ‬كبيرا‭ ‬للمحتل،‭ ‬خصوصا‭ ‬لأنه‭ ‬يعكس‭ ‬قرارا‭ ‬قانونيا‭ ‬صافيا،‭ ‬ودليلا‭ ‬إضافيا‭ ‬مهما‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬رفعت‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬لانتهاكها‭ ‬قواعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمنع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تتلقى‭ ‬فيها‭ ‬المحكمة‭ ‬دعاوى‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬فتلقت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دعوى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬وكرواتيا‭ ‬ضد‭ ‬صربيا،‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬جامبيا‭ ‬ضد‭ ‬ميانمار‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا،‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭.‬

وطلبت‭ ‬دعوى‭ ‬الدولة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الصديقة‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مؤقتة‭ ‬عاجلة،‭ ‬منها‭ ‬إصدار‭ ‬أمر‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بتعليق‭ ‬حملتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بينما‭ ‬يستمر‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬القضية،‭ ‬بسبب‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬وتميل‭ ‬المحكمة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬مؤقتة‭ ‬احترازية‭ ‬سريعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬الممارسات‭ ‬السلبية‭ ‬الخطيرة‭ ‬قبل‭ ‬البت‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬القضية،‭ ‬والذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬وأصدرت‭ ‬قرارات‭ ‬احترازية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬ميانمار‭ ‬وروسيا‭ ‬بوقف‭ ‬الانتهاكات‭ ‬حتى‭ ‬انتهاء‭ ‬عملية‭ ‬التقاضي،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬ما‭ ‬ستفرضه‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أيضاً‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭. ‬إذ‭ ‬أكدت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نزوح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬القطاع،‭ ‬كما‭ ‬استشهد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬وهناك‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬مفقود‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬مصاب‭.‬

وحذر‭ ‬منسق‭ ‬الشؤون‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬المستمرة‭ ‬بات‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬للسكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمره‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتواصل،‭ ‬وأصبح‭ ‬مكانا‭ ‬للموت‭ ‬واليأس‭. ‬كما‭ ‬اعتبر‭ ‬كينيث‭ ‬روث‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬السابق‭ ‬لمنظمة‭ ‬‮«‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬‭ ‬أنّ‭ ‬حجم‭ ‬القتل‭ ‬كافٍ‭ ‬لاعتبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬ترتكب‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وتم‭ ‬إدراج‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعية‮»‬‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬الدولية‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لمنع‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والمعاقبة‭ ‬عليها‭ ‬لعام‭ ‬1948‭. ‬

وتعتبر‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الاتفاقية‭ ‬أن‭ ‬قتل‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬قومية‭ ‬أو‭ ‬إثنية‭ ‬أو‭ ‬دينية،‭ ‬أو‭ ‬إلحاق‭ ‬أذى‭ ‬جسدي‭ ‬أو‭ ‬روحي‭ ‬خطير‭ ‬بأعضائها،‭ ‬أو‭ ‬إخضاعها‭ ‬عمدا‭ ‬لظروف‭ ‬معيشية‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬التدمير‭ ‬المادي‭ ‬كلياً‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬والتي‭ ‬ترتكب‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬التدمير‭ ‬الكلي‭ ‬أو‭ ‬الجزئي،‭ ‬تشكل‭ ‬جريمة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭. ‬واعتبرت‭ ‬الدعوى‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إسرائيل‭ ‬يعد‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬طابعه،‭ ‬لأنه‭ ‬يُرتكب‭ ‬بنية‭ ‬محددة‭ ‬لتدمير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬انتهاكا‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬وتستند‭ ‬الدعوى‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬وحملة‭ ‬القصف‭ ‬والتدمير‭ ‬المستمر‭ ‬لجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القطاع،‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري‭ ‬لسكانه،‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والماء‭ ‬والدواء‭ ‬والوقود‭ ‬واستهداف‭ ‬كافة‭ ‬ملامح‭ ‬الحياة‭. ‬كما‭ ‬تستند‭ ‬الدعوى‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬النية‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

لم‭ ‬توافق‭ ‬إسرائيل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬جلسات‭ ‬الاستماع‭ ‬التي‭ ‬تعقد‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬بل‭ ‬قررت‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬القاضي‭ ‬المتقاعد‭ ‬أهارون‭ ‬باراك‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬لجنة‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭. ‬وتسمح‭ ‬قواعد‭ ‬المحكمة‭ ‬للدول‭ ‬المدعية‭ ‬والمدعى‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تضم‭ ‬قاضيا‭ ‬من‭ ‬طرفها‭ ‬إلى‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬الـ15،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬عضو‭ ‬يحمل‭ ‬جنسيتها‭.‬

ويتم‭ ‬اختيار‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬ويعكسون‭ ‬توليفة‭ ‬جغرافية‭ ‬متوازنة‭. ‬وباراك‭ ‬قاضٍ‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وأحد‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬الهولوكوست،‭ ‬ويبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬87‭ ‬عاماً،‭ ‬ويتمتع‭ ‬باحترام‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬باقي‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭. ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬باتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬فقامت‭ ‬بتعيين‭ ‬أربعة‭ ‬محامين،‭ ‬منهم‭ ‬المحامي‭ ‬البريطاني‭ ‬مالكولم‭ ‬شو،‭ ‬وهو‭ ‬خبير‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬ومختص‭ ‬بقانون‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وقضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وقد‭ ‬مثل‭ ‬دولاً‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الإمارات‭ ‬وصربيا‭ ‬والكاميرون‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭. ‬كما‭ ‬بدأ‭ ‬نتنياهو‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬رؤساء‭ ‬دول‭ ‬ضمن‭ ‬مساعٍ‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬يدين‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭.‬

تعد‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬مقرها‭ ‬في‭ ‬لاهاي،‭ ‬بمثابة‭ ‬الوصي‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وتلعب‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬وتنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬والمعايير‭ ‬الدولية‭. ‬ويشمل‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬فيمكن‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬بدعوى‭ ‬قضائية‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬ذلك‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الأعضاء‭ ‬وفق‭ ‬شروط‭ ‬معينة‭. ‬ولا‭ ‬تتمتع‭ ‬المحكمة‭ ‬بسلطة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النزاع‭ ‬بمبادرة‭ ‬منها،‭ ‬وإنما‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬تقبل‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬بينها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعلان‭ ‬أحادي‭ ‬أو‭ ‬اتفاق‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

فرغم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬موافقة‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬على‭ ‬تدخل‭ ‬المحكمة،‭ ‬وإحالة‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬إليها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الثنائية‭ ‬والمتعددة‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬فض‭ ‬الخلافات،‭ ‬تصبح‭ ‬موافقة‭ ‬الأطراف‭ ‬أمرا‭ ‬غير‭ ‬مطلوب،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬إقرارها‭ ‬المسبق‭ ‬بذلك،‭ ‬عند‭ ‬توقيع‭ ‬تلك‭ ‬الأطراف‭ ‬للاتفاق‭. ‬ويعود‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬دعوى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬9‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تخول‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬أطرافها‭. ‬وتخضع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لولاية‭ ‬المحكمة،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬عضواً‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬تجنب‭ ‬المثول‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬انطلاقاً‭ ‬ومن‭ ‬كونها‭ ‬طرفاً‭ ‬في‭ ‬معاهدة‭ ‬منع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬أيضاً‭.‬

وتختص‭ ‬المحكمة‭ ‬بمهمتين،‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬لفضّها،‭ ‬وإصدار‭ ‬آراء‭ ‬استشارية‭ ‬قانونية‭. ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المهمة‭ ‬الأولى‭ ‬تصدر‭ ‬المحكمة‭ ‬أحكاماً‭ ‬نهائية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للاستئناف،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الطعن‭ ‬بقراراتها‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬موضوع‭ ‬الحكم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬قضائية‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬أحكامها‭ ‬إلزامية‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬إنكارها‭ ‬أو‭ ‬التراخي‭ ‬عن‭ ‬تنفيذها‭.‬

وتتيح‭ ‬قواعد‭ ‬المحكمة‭ ‬لجوء‭ ‬الطرف‭ ‬المتضرر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬الذي‭ ‬عليه‭ ‬اتخاذ‭ ‬توصيات‭ ‬أو‭ ‬إقرار‭ ‬التدابير‭ ‬لتنفيذ‭ ‬القرار‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬العائق‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬الملزمة‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬جهاز‭ ‬تنفيذي‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك‭. ‬فالعديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬المهمة‭ ‬الملزمة‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬العالمي‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الالتزام‭ ‬إلا‭ ‬بحوالي‭ ‬نصف‭ ‬تلك‭ ‬القرارات‭.‬

سيقدم‭ ‬محامو‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬الحجج‭ ‬القانونية،‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مطولة‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬بمجملها،‭ ‬ما‭ ‬يرجح‭ ‬توجه‭ ‬المحكمة‭ ‬لإقرار‭ ‬تدابير‭ ‬مستعجلة‭ ‬لتجميد‭ ‬الهجوم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬نظرا‭ ‬لخطورة‭ ‬الواقع‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬الضرر‭ ‬المعنوي‭ ‬الذي‭ ‬سيقع‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بإصدار‭ ‬المحكمة‭ ‬تدابير‭ ‬فورية‭ ‬لتجميد‭ ‬الهجوم‭ ‬وقرار‭ ‬المحكمة‭ ‬بإدانتها‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وغم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المشكوك‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتلك‭ ‬التدابير‭.‬

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وباحثة‭ ‬فلسطينية

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا