يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
إيران وأمريكا: اللعبة الكبرى
في الفترة القليلة الماضية تابعنا تصريحات كثيرة من هنا وهناك وأيضا تعليقات سياسية عامة تتحدث عن احتمالات توسيع نطاق الحرب الجارية في غزة، والبعض حذر تحديدا من احتمالات وقوع مواجهة بين إيران وأمريكا. يقولون هذا على خلفية التصعيد الظاهر من جانب إيران في المنطقة.
الحقيقة أن كل هذه التوقعات أو المخاوف لا أساس لها.
التطورات والتقارير عما يجري خلف الكواليس بين أمريكا وإيران تؤكد هذا. تؤكد أنه ليس واردا بالنسبة إلى إيران على الإطلاق توسيع نطاق الحرب ولا الدخول في أي مواجهة لا مع أمريكا ولا مع الكيان الصهيوني.
وعلى أي حال لنا أن نتأمل جيدا التطورات والمواقف التالية:
في البداية بعد أن أعلنت إيران أنها لن تتدخل في الحرب الدائرة في غزة ذكرت التقارير أن اتصالات مكثفة غير مباشرة جرت بين أمريكا وإيران. التقارير أكدت أن أمريكا بعثت رسائل لإيران عبر وسطاء من بينهم مسئولون في دولتين خليجيتين.
في هذه الاتصالات غير المباشرة تم التأكيد على عدم رغبة لا أمريكا ولا إيران في التصعيد وتوسيع نطاق الحرب.
وحين قررت أمريكا ومعها بريطانيا توجيه ضربة إلى الحوثيين في اليمن عملاء إيران، أكدت التقارير أن امريكا قبل أن توجه الضربة أبلغت الحوثيين بالأماكن التي سوف تستهدفها، الأمر الذي أتاح لهم الاستعداد ونقل الصواريخ وأي أسلحة وتجهيزات في هذه الأماكن.
وبعد الضربة حرص المسئولون الأمريكيون على تأكيد أنهم لا يريدون أبدا القضاء على الحوثيين أو توجيه ضربات قاصمة لهم وإنما تريد فقط الحد من الهجمات على الملاحة في البحر الأحمر.
وحتى عندما أعلنت الإدارة الأمريكية إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، فقد حرصت على القول إن هذا تصنيف خاص له وضعية معينة وأن تنفيذ هذا القرار مؤجل مدة شهر على الأقل كي لا يتضرر اليمنيون كما قالوا.
المسئولون الإيرانيون كشفوا عن أمر آخر اكثر أهمية. قالوا إن أمريكا، وعبر الوسطاء، عرضت على إيران ملامح وأبعاد صفقة كبرى مقترحة بين أمريكا وإيران تتعلق بكل قضايا المنطقة، وليس فقط بموضوع عدم توسع الحرب. ولم ينف الأمريكيون ما أعلنته إيران بهذا الخصوص. وبطبيعة الحال لنا أن نتوقع أن كل جوانب هذه الصفقة التي تحدث عنها الإيرانيون تتعلق أساسا بالقضايا العربية.
إذا تأملنا هذه التطورات وغيرها فسوف ندرك بسهولة أننا إزاء لعبة كبرى تجري حاليا بين أمريكا وإيران لا احد يعلم تماما أبعادها بالضبط. لكن الأمر المؤكد أنها على حساب العرب والقضايا العربية.
ليس لنا أن نستغرب هذا أبدا على ضوء اعتبارات كثيرة.
أولا هناك تاريخ طويل من الصفقات بين أمريكا وإيران وخصوصا منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما. كما نعلم كان أوباما متواطئا مع النظام الإيراني وشديد الإعجاب بإيران وعبّر عن ذلك صراحة في مواقفه وتصريحاته المعلنة. وعقد أوباما صفقة الاتفاق النووي التي انسحب منها ترامب بعد ذلك. حين أتى بايدن للسلطة اتخذ أيضا إجراءات تصالحية كثيرة مع إيران من بينها مفاوضات عودة أمريكا للاتفاق، ورفع الحظر عن مليارات من الأموال الإيرانية المجمدة، وغض النظر عن الحظر المفروض على تصدير النفط الإيراني.. وهكذا.
وفي غضون كل هذا غضت أمريكا النظر تماما عن الخطر الإيراني على الدول العربية وعن الدور الذي تلعبه القوى والمليشيات العميلة لها في الدول العربية.
واليوم هناك مصلحة أمريكية إيرانية مشتركة ليس فقط لوقف أي تصعيد بين البلدين وانما للتوصل الى توافقات سواء وصلت لحد الصفقة او ما دون ذلك.
بايدن وهو مقبل على انتخابات رئاسية خلال أشهر لا يريد نشوب أي ازمة مع إيران أو أي تصعيد في العلاقات.
وإيران من مصلحتها دعم بايدن والديمقراطيين في الانتخابات القادمة إذ تخشى أن يفوز ترامب ويعود إلى البيت الأبيض بكل مواقفه المتشددة المعروفة تجاه النظام الإيراني.
هناك إذن مصلحة أمريكية إيرانية مشتركة في التهدئة وفي محاولة التوصل إلى توافق. وليس لنا أن نستغرب إذا فوجئنا قبل إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية بصفقة ما بين أمريكا وإيران يقدمها بايدن على اعتبار أنها إنجاز له. وبالطبع لا يضع بايدن في اعتباره إطلاقا أي مصلحة عربية في هذا الخصوص ولا أن تكون أي صفقة على حساب العرب.
ما ذكرناه بعض ملامح اللعبة الكبرى بين أمريكا وإيران حاليا.
نقول هذا لأن الدول العربية يجب أن تكون على الأقل على علم بأبعاد هذه اللعبة وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج بالنسبة إلى المصالح العربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك