العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وبدأ العد التنازلي لاحتلال ثروات أعماق البحار المشتركة

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ٢٦ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

نشرتْ‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الطبيعة‮»‬ (Nature) مقالاً‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬موافقة‭ ‬النرويج‭ ‬على‭ ‬التعدين‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬يقوِّض‭ ‬جهود‭ ‬حماية‭ ‬المحيط‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬النرويجي‭ ‬صوَّت‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬بواقع‭ ‬80‭ ‬صوتاً‭ ‬مقابل‭ ‬20‭ ‬صوتاً،‭ ‬أي‭ ‬بالإجماع،‭ ‬لصالح‭ ‬السماح‭ ‬للشركات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬الجشعة‭ ‬للبدء‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاستكشاف‭ ‬عن‭ ‬نوعية‭ ‬وحجم‭ ‬المعادن‭ ‬المخزنة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬بحر‭ ‬النرويج‭.‬

وهذه‭ ‬الموافقة‭ ‬الرسمية‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬والحكومة‭ ‬النرويجية‭ ‬تُعد‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬دولياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬التجاري‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وسيَفْتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى‭ ‬بالاقتداء‭ ‬بالنرويج‭ ‬والسماح‭ ‬لشركاتها،‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬التي‭ ‬تلهث‭ ‬سريعاً‭ ‬وراء‭ ‬الولوج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الثري‭ ‬والغني،‭ ‬والمضمون‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأرباح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والسيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والنفوذ‭ ‬القوي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬

فقد‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬السباق‭ ‬الدولي‭ ‬المحتدم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬المعادن‭ ‬الضرورية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬النظيفة،‭ ‬والتي‭ ‬تدور‭ ‬معاركها‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬قاع‭ ‬أعالي‭ ‬البحار،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬للدول‭ ‬والتي‭ ‬تخضع‭ ‬لسيادتها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬المحيطات‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬وسلطة‭ ‬الدول،‭ ‬ولا‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬سيادة‭ ‬لأحد،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهي‭ ‬تعتبر‭ ‬ثروة‭ ‬طبيعية‭ ‬فطرية‭ ‬عامة‭ ‬ومشتركة‭ ‬للبشرية‭ ‬وكافة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬

ولكن‭ ‬موافقة‭ ‬النرويج‭ ‬لها‭ ‬أبعاد‭ ‬سلبية‭ ‬تهدد‭ ‬استدامة‭ ‬عطاء‭ ‬وانتاجية‭ ‬الموارد‭ ‬والثروات‭ ‬القابعة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات،‭ ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬سياسي‭ ‬وبعضها‭ ‬بيئي‭. ‬أما‭ ‬البعد‭ ‬السياسي‭ ‬فهذا‭ ‬السماح‭ ‬للاستكشاف‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحار‭ ‬يعد‭ ‬مخالفة‭ ‬لتعهدات‭ ‬النرويج‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حماية‭ ‬المحيطات‭ ‬والإدارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المستدامة‭ ‬لهذه‭ ‬المحيطات،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القطري،‭ ‬حيث‭ ‬تعارضتْ‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬مواقف‭ ‬والتزامات‭ ‬وكالة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬النرويجية‭ ‬وآراء‭ ‬العلماء‭ ‬النرويجيين،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬حيث‭ ‬تزعمت‭ ‬النرويج‭ ‬لجنة‭ ‬تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2018‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬للاقتصادات‭ ‬المستدامة‭ ‬للمحيط‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬المحيطات‮»‬‭ ‬(Ocean Panel)‭. ‬وهذا‭ ‬المجلس‭ ‬الدولي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬الجهود‭ ‬لمنع‭ ‬عمليات‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬والتنقيب،‭ ‬واستخراج‭ ‬كنوز‭ ‬قاع‭ ‬البحار‭ ‬الثرية‭ ‬قبل‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬واستدامة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬القاعية‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬بشقيها‭ ‬النباتي‭ ‬والحيواني‭.‬

وأما‭ ‬البعد‭ ‬البيئي‭ ‬فمتعلق‭ ‬بسبر‭ ‬غور‭ ‬ملايين‭ ‬الكيلومترات‭ ‬المربعة‭ ‬من‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬الكنوز‭ ‬المعدنية‭ ‬ولم‭ ‬تمسها‭ ‬أيدي‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ولم‭ ‬تفسد‭ ‬أو‭ ‬تعبث‭ ‬فيها،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬المظلمة،‭ ‬شديدة‭ ‬البرودة‭ ‬العذراء‭ ‬البكر‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬مهده‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬الموجودة‭ ‬هناك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬والتنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناطق،‭ ‬كذلك‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬الموجودة‭ ‬وكيفية‭ ‬تفاعلها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬وارتباطها‭ ‬ببعض‭. ‬فهناك‭ ‬انطباع‭ ‬عام‭ ‬خاطئ‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬فقراً‭ ‬شديداً‭ ‬في‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البيئات‭ ‬القاسية‭ ‬والنائية،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬أهمية‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬البيئية،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬دراسة‭ ‬قدَّمت‭ ‬رأياً‭ ‬وانطباعاً‭ ‬آخر،‭ ‬ونُشرت‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬يونيو‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الأحياء‭ ‬الحالية‮»‬ (Current Biology)‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أنواع‭ ‬الميتازوات‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬منطقة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬المعادن‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬أَجْرتْ‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬مسحاً‭ ‬للأحياء‭ ‬الحيوانية‭ ‬القاعية‭ ‬متعددة‭ ‬الخلايا (Metazoa)‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬(Clarion Clipperton Zone) التي‭ ‬مساحتها‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬4‭.‬5‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬وتحتوي‭ ‬على‭ ‬الترسبات‭ ‬متعددة‭ ‬المعادن‭ ‬بحجم‭ ‬البطاطس‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬المحيط‭ ‬(deposit-rich polymetallic nodules).‭ ‬وهذه‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المشتركة‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬سيادة‭ ‬لأحدٍ‭ ‬عليها،‭ ‬وموجودة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬هاواي‭ ‬والمكسيك‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬أمريكا‭ ‬الغربية،‭ ‬وعمقها‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬كيلومترات‭. ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬الدراسة‭ ‬الميدانية‭ ‬عن‭ ‬5142‭ ‬نوعاً‭ ‬جديداً‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬علمياً‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬5578‭ ‬نوعاً‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭. ‬فمن‭ ‬استنتاجات‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬النائية‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬صحراء‭ ‬جرداء‭ ‬قاحلة‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬فيها،‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تزخر‭ ‬بالحياة‭ ‬الفطرية،‭ ‬وهي‭ ‬بيئات‭ ‬حية‭ ‬ومنتجة‭ ‬ومثمرة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬لهذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الفطرية‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬والجديدة‭ ‬مردودات‭ ‬صحية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬استخراج‭ ‬الأدوية‭ ‬والعقاقير‭ ‬للبشر‭ ‬لعلاج‭ ‬الأمراض‭ ‬المستعصية‭. ‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬النرويج‭ ‬لاستكشاف‭ ‬قاع‭ ‬البحار،‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدأت‭ ‬تضغط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬باستغلال‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الجديد‭ ‬نسبياً‭ ‬لتحقيق‭ ‬المراكز‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬الدولي،‭ ‬والتنافس‭ ‬والتفوق‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬المعادن‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬قاعدة‭ ‬انطلاق‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الجديدة،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والنظيفة‭ ‬في‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬وألواح‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬وغيرها‭. ‬

وقد‭ ‬أكدت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬المنشور‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬تزايد‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتنقيب‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬استغلال‭ ‬ثروات‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات،‭ ‬وجه‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬خطاباً‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬بأن‭ ‬الصين‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬السيطرة‭ ‬غير‭ ‬المقيدة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المعدنية‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬اتخذت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خطوة‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬وخيرات‭ ‬قاع‭ ‬البحر،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسعة‭ ‬ومَدْ‭ ‬مساحة‭ ‬الجرف‭ ‬القاري‭ ‬تحت‭ ‬البحر‭ ‬لمساحات‭ ‬واسعة‭ ‬جداً‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الدولة‭ ‬تحت‭ ‬البحر‭. ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬المنشور‭ ‬الصادر‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬إعلان‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬الخارجية‭ ‬الممتدة‭ ‬للجرف‭ ‬القاري‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬الخارجية‭ ‬للجرف‭ ‬القاري‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬تتجاوز‭ ‬200‭ ‬ميل‭ ‬بحري‭ ‬من‭ ‬الساحل،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬الجرف‭ ‬القاري‭ ‬الممتد‮»‬‭ ‬‭(‬Extended‭ ‬Continental‭ ‬Shelf‭)‬‭. ‬وهذه‭ ‬المساحة‭ ‬اللامتناهية‭ ‬التي‭ ‬ضمتها‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬مساحتها‭ ‬تُقدر‭ ‬بنحو‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬وتحتوي‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬العظيمة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬وبحر‭ ‬برنج‭ ‬(Bering Sea)على‭ ‬ثروات‭ ‬بحرية‭ ‬فطرية‭ ‬كسرطان‭ ‬البحر،‭ ‬والشعاب‭ ‬المرجانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬والموارد‭ ‬والثروات‭ ‬المعدنية‭. ‬وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أخذت‭ ‬أيضاً‭ ‬مساحات‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬وخليج‭ ‬مكسيكو‭ ‬تحت‭ ‬مبرر‭ ‬وحجة‭ ‬الجرف‭ ‬القاري‭.‬

فالأحداث‭ ‬الجارية‭ ‬حالياً‭ ‬تؤكد‭ ‬لي‭ ‬بأن‭ ‬السباق‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬الآن‭ ‬فعلياً‭ ‬في‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬نهب‭ ‬واستنزاف‭ ‬الثروات‭ ‬والخيرات‭ ‬المشتركة‭ ‬العامة‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اعتماد‭ ‬ضوابط‭ ‬ومعايير‭ ‬دولية‭ ‬بيئية‭ ‬تقنن‭ ‬عمليات‭ ‬الاستكشاف،‭ ‬والتنقيب‭ ‬التجاري‭ ‬واستخراج‭ ‬المعادن‭ ‬من‭ ‬قاع‭ ‬المحيطات‭. ‬وهذا‭ ‬السباق‭ ‬تشارك‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬الآليات‭ ‬والمعدات‭ ‬المتطورة‭ ‬والحديثة‭ ‬اللازمة‭ ‬لهذه‭ ‬العمليات،‭ ‬كما‭ ‬إنها‭ ‬تمتلك‭ ‬الخبرات‭ ‬والمعلومات‭ ‬التقنية‭ ‬والفنية‭ ‬اللازمة‭ ‬للبدء‭ ‬فيها‭ ‬واحتكارها‭ ‬لتنمية‭ ‬دولها‭ ‬وشعوبها،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬سابقاً‭ ‬في‭ ‬ثروات‭ ‬وموارد‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬باطنها‭.‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬نصيب‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثروات‭ ‬المعدنية‭ ‬المشتركة‭ ‬للإنسانية‭ ‬برمتها؟

الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬سياسة‭ ‬البحار‮»‬‭ ‬(Marine Policy)‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬المساواة‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬فوائد‭ ‬التنقيب‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬خلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توزيع‭ ‬الثروات‭ ‬بشكل‭ ‬عادل‭ ‬ومتساوٍ‭ ‬مالياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬اختصاصات‭ ‬ومهمات‭ ‬السلطة‭ ‬الأممية‭ ‬لقاع‭ ‬البحر‭ ‬(International Seabed Authority)،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوكالات‭ ‬وهيئات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فإنها‭ ‬ليست‭ ‬لديها‭ ‬السلطة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬قراراتها‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬دولة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الدول‭ ‬المتنفذة‭ ‬والقوية‭ ‬عسكرياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬ولذلك‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬المشاركة‭ ‬ميدانياً‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬ستكون‭ ‬خارج‭ ‬حصص‭ ‬توزيع‭ ‬الثروات‭ ‬والموارد‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية‭ ‬المخزنة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحار،‭ ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬نصيب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخيرات‭ ‬البشرية‭ ‬العامة‭ ‬والمشتركة‭.‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا