العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب غزة واحتمالات الحل السياسي

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الجمعة ٢٦ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬بالحل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬تهدف‭ ‬إليه‭. ‬وهذا‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرب‭ ‬وماهيتها‭. ‬وترتبط‭ ‬الحرب‭ ‬بدول‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الوسيلة‭ ‬لفرض‭ ‬أهدافها‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وهنا‭ ‬السؤال‭: ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬دول‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬الحرب؟‭ ‬وبصيغة‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬حربها‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬غزة؟‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬هل‭ ‬حققت‭ ‬حروبها‭ ‬العديدة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وعربيا‭ ‬ما‭ ‬تريد؟‭ ‬باستقراء‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة‭ ‬النتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬فشل‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬تحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والبقاء‭ ‬والعدل‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬إسرائيل‭ ‬السؤال‭ ‬ثانية‭ ‬هل‭ ‬حققت‭ ‬أمنها‭ ‬وبقاءها‭ ‬رغم‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري؟‭ ‬والإجابة‭ ‬بلا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬الحرب‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬الصغيرة‭ ‬والأقل‭ ‬قوة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬ألحقته‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬شامل‭.‬

فلا‭ ‬إسرائيل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬محو‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ومازال‭ ‬يملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬ورفض‭ ‬الاحتلال‭. ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬تفرضه‭ ‬وقائع‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.. ‬الحقائق‭ ‬الجغرافية‭ ‬ووحدانية‭ ‬الأرض‭ ‬وصعوبة‭ ‬فصلها‭ ‬بحدود‭ ‬واهية‭ ‬ضعيفة‭ ‬وثانيا‭ ‬العوامل‭ ‬السكانية‭ ‬والتداخل‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والإسرائيلي‭. ‬وحقيقة‭ ‬ان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ليسوا‭ ‬مجرد‭ ‬جماعات‭ ‬سكانية‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬شعب‭ ‬له‭ ‬هويته‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية‭ ‬وتاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الذي‭ ‬يسبق‭ ‬الوجود‭ ‬اليهودي‭.‬

وحقيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬غائبة‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬وحتى‭ ‬الهجرة‭ ‬ألأولى‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬كشعب‭ ‬واحد‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬بوادر‭ ‬الصراع‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬الهجرة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬سياسات‭ ‬الاقتلاع‭ ‬والقوة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ومحاولة‭ ‬نفي‭ ‬صاحب‭ ‬الأرض‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة،‭ ‬فكان‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬نظام‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬كما‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هدفه‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬لكل‭ ‬ساكني‭ ‬فلسطين‭ ‬لكن‭ ‬الهدف‭ ‬كان‭ ‬تنفيذ‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬وتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬التحالف‭ ‬الصهيوني‭ ‬الاستعماري‭ ‬بقيام‭ ‬الوطن‭ ‬القومي‭ ‬اليهودي‭ ‬والمقصود‭ ‬من‭ ‬وقتها‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬او‭ ‬دولة‭ ‬الكل‭ ‬اليهودي‭.‬

والسؤال‭ ‬هنا‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعلى‭ ‬حساب‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وتهجير‭ ‬سكانها‭. ‬هذا‭ ‬ملخص‭ ‬تاريخ‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬والعنف‭ ‬والحروب‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬يفرض‭ ‬دولته‭ ‬بترديد‭ ‬أساطير‭ ‬وسرديات‭ ‬ثبت‭ ‬فشلها‭ ‬كأرض‭ ‬الميعاد‭ ‬وأرض‭ ‬بلا‭ ‬شعب‭ ‬لشعب‭ ‬بلا‭ ‬أرض‭ ‬والأرض‭ ‬الموعودة‭.‬

هذا‭ ‬الفشل‭ ‬تجسده‭ ‬الحرب‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬فلا‭ ‬بديل‭ ‬للحرب‭ ‬إلا‭ ‬بالحل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يعترف‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬كشعب‭ ‬له‭ ‬حقوقه‭ ‬الثابتة‭ ‬تاريخيا‭ ‬والمدعومة‭ ‬دوليا،‭ ‬وبقيام‭ ‬دولتهم‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬139‭ ‬دولة‭ ‬ولها‭ ‬صفة‭ ‬المراقب‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وحقهم‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرهم‭. ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬جورج‭ ‬كليمنصو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفرنسي‭ ‬أن‭ ‬صناعة‭ ‬السلام‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الحرب،‭ ‬فالحرب‭ ‬تقوم‭ ‬بقرار‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬العسكر‭ ‬والساسة‭ ‬أما‭ ‬السلام‭ ‬فهو‭ ‬قرار‭ ‬شعب‭.‬

وكما‭ ‬يقول‭ ‬الفيلسوف‭ ‬أفيشاي‭ ‬مارجليت‭: ‬يجب‭ ‬الحكم‭ ‬بتسوياتنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أفكارنا‭ ‬ومعاييرنا،‭ ‬الأفكار‭ ‬تخبر‭ ‬عما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬والتسويات‭ ‬تخبرنا‭ ‬من‭ ‬نحن‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬اللورد‭ ‬البريطاني‭ ‬بيتر‭ ‬هيني‭ ‬وهو‭ ‬وزير‭ ‬سابق‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭: ‬إن‭ ‬المفاوضات‭ ‬الصعبة‭ ‬ستحقق‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬القنابل‭ ‬تحقيقه‭. ‬فإسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬تدمير‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬واقتلاع‭ ‬جذورها‭ ‬فهي‭ ‬حركة‭ ‬أيدولوجية،‭ ‬ومنغرسة‭ ‬في‭ ‬شعبها‭.‬

ويضيف‭ ‬أن‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الصراعات‭ ‬الحديثة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬الأقوياء‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الظلم‭ ‬والتفاوض‭ ‬على‭ ‬حل،‭ ‬يولد‭ ‬التطرف،‭ ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬السياسة‭ ‬فإن‭ ‬العنف‭ ‬يملأ‭ ‬الفراغ‭. ‬وعليه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حل‭ ‬غير‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬وأساسه‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬السلمية‭ ‬المدنية‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬صيغ‭ ‬للتعايش‭ ‬تفرضها‭ ‬الأرض‭ ‬الواحدة‭ ‬والتداخل‭ ‬السكاني‭ ‬والاعتماد‭ ‬المتبادل‭ ‬اقتصاديا‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تدمير‭ ‬إسرائيل‭ ‬عسكريا،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬دفن‭ ‬القضية‭ ‬عسكريا‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬إلا‭ ‬بالأمن‭ ‬الفلسطيني‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أثبته‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬والحروب،‭ ‬وما‭ ‬أثبتته‭ ‬الحرب‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬فالبديل‭ ‬للحل‭ ‬السلمي‭ ‬العنف‭ ‬وانتشار‭ ‬الكراهية‭ ‬والحقد‭ ‬والعنصرية‭ ‬والاستعلاء‭ ‬القومي‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الصيني‭ ‬آمارتا‭ ‬صن‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬حيث‭ ‬يفسر‭ ‬لنا‭ ‬لماذا‭ ‬الحرب‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الهوية‭ ‬والعنف،‭ ‬بقوله‭: ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬هو‭ ‬نتائج‭ ‬للآثار‭ ‬المروعة‭ ‬لتصغير‭ ‬الناس‭. ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العقلية‭ ‬الصهيونية‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النظر‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬انهم‭ ‬شعب‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يردده‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬شعب‭ ‬كلمة‭ ‬السكان‭. ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬ونتيجتها‭ ‬الحرب‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭.‬

ويبقى‭ ‬ان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬للحل‭ ‬السياسي‭ ‬إسرائيل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لهذا‭ ‬الحل‭ ‬والاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإنهاء‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف‭ ‬وإحلال‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬المتبادل‭. ‬ومسؤولية‭ ‬الحل‭ ‬السياسي‭ ‬مسؤولية‭ ‬دول‭ ‬السلام‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص

‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا