العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جـرائـم تـدمـير المسـتشفيـات في غزة

بقلم: هاني عوكل

السبت ٠٣ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬تخلّى‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عدواناته‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬استهداف‭ ‬المنشآت‭ ‬التعليمية‭ ‬والمرافق‭ ‬الصحية،‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬تدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬وأبنية‭ ‬خدمية‭ ‬وملاحقة‭ ‬أرزاق‭ ‬الناس‭ ‬وتجويعهم‭ ‬وتعطيشهم‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الكارثية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬حرقت‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬جهة‭ ‬شمال‭ ‬وشرق‭ ‬القطاع،‭ ‬مع‭ ‬تدمير‭ ‬مكثف‭ ‬لمنازل‭ ‬المواطنين‭ ‬وتسويتها‭ ‬بالأرض‭.‬

هذه‭ ‬طبيعة‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬يدمر‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬بشر‭ ‬أو‭ ‬حجر،‭ ‬وصور‭ ‬الدمار‭ ‬والتخريب‭ ‬المتعمد‭ ‬للممتلكات‭ ‬البشرية‭ ‬وإزهاق‭ ‬الأرواح‭ ‬بهذه‭ ‬البشاعة‭ ‬تعكس‭ ‬تخبط‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬جام‭ ‬غضبها‭ ‬وحقدها‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الاستهداف‭ ‬التدميري‭ ‬الممنهج،‭ ‬يلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬التقصد‭ ‬لإخراج‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمرافق‭ ‬الصحية‭ ‬من‭ ‬الخدمة،‭ ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬أي‭ ‬مستوصف‭ ‬ومركز‭ ‬صحي‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬التدمير‭ ‬الكلي‭ ‬أو‭ ‬الجزئي،‭ ‬وحتى‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬والمسعفين‭ ‬استهدفوا‭ ‬واستُشهد‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬أثناء‭ ‬قيامه‭ ‬بواجبه‭ ‬الوطني‭.‬

منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬أرسل‭ ‬الاحتلال‭ ‬إخطارات‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المستشفيات‭ ‬بضرورة‭ ‬إخلاء‭ ‬أطقمها‭ ‬الطبية‭ ‬ومن‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬نزحوا‭ ‬إليها‭ ‬مع‭ ‬اشتداد‭ ‬القصف‭ ‬عليهم،‭ ‬وجرى‭ ‬احتلال‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬الطبية‭ ‬وإلحاق‭ ‬الدمار‭ ‬فيها‭ ‬وترويع‭ ‬مَن‭ ‬بداخلها‭.‬

حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬لغزة‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬الخدمة،‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬المنشآت‭ ‬الحيوية‭ ‬مثل‭ ‬مستشفيات‭ ‬الإندونيسي‭ ‬والعودة‭ ‬وكمال‭ ‬عدوان‭ ‬ومجمع‭ ‬الشفاء‭ ‬الأمر‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬إفراغ‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬وإخراجها‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬الخدمة‭ ‬ضغطاً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الطبي‭ ‬ووجعاً‭ ‬إضافياً‭ ‬على‭ ‬أوجاع‭ ‬المواطن‭.‬

ثمة‭ ‬خطة‭ ‬محكمة‭ ‬يمارسها‭ ‬الاحتلال‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أمنهم‭ ‬وكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬وفي‭ ‬حقهم‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬والعلاج،‭ ‬حتى‭ ‬يغادروا‭ ‬القطاع‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬تلقي‭ ‬العلاج‭ ‬وإما‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬مصائرهم‭ ‬المجهولة‭.‬

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬المُفزعة‭ ‬والمحزنة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬جرحى‭ ‬استشهدوا‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬الفورية،‭ ‬وآخرين‭ ‬عولجوا‭ ‬مؤقتاً‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬مستلزمات‭ ‬طبية‭ ‬مثل‭ ‬التخدير،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬بسبب‭ ‬لعنة‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ساعة‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المراكز‭ ‬الصحية‭ ‬وبسبب‭ ‬قلة‭ ‬الحيلة‭ ‬وندرة‭ ‬المستلزمات‭ ‬الضرورية‭ ‬للعلاج‭.‬

إحدى‭ ‬القصص‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬استحضرتها‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأجنبية‭ ‬والعربية،‭ ‬قيام‭ ‬طبيب‭ ‬ببتر‭ ‬ساق‭ ‬ابنة‭ ‬أخيه‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام‭ ‬بدون‭ ‬تخدير‭ ‬أو‭ ‬مواد‭ ‬مُعقّمة،‭ ‬نتيجة‭ ‬تعرض‭ ‬منزلها‭ ‬للدمار‭ ‬وإصابة‭ ‬ساقها‭ ‬بشظايا‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

هذا‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭ ‬وغامر‭ ‬عمها‭ ‬بقطع‭ ‬ساقها‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬منزلهم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬مجمع‭ ‬الشفاء‭ ‬الطبي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كيلومترين،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحصار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والتفتيش‭ ‬الدوري‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬طائرات‭ ‬الاحتلال‭ ‬و«زنّاناته‮»‬‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬للمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬شماله‭ ‬إلى‭ ‬جنوبه،‭ ‬واستهداف‭ ‬مستشفيات‭ ‬القدس‭ ‬وشهداء‭ ‬الأقصى‭ ‬والأمل‭ ‬بخان‭ ‬يونس،‭ ‬وصيحات‭ ‬وتحذيرات‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬كارثية‭ ‬الوضع‭ ‬الصحي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬هذه‭ ‬المنشآت‭ ‬المهمة‭ ‬والحساسة‭.‬

وكالعادة‭ ‬يجري‭ ‬تسويق‭ ‬فرضيات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬عسكرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬الطبية،‭ ‬بهدف‭ ‬تبرير‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التدمير‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬الصحية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬خرجت‭ ‬تقارير‭ ‬إعلامية‭ ‬أجنبية‭ ‬فنّدت‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بهذه‭ ‬الحجج‭.‬

المشكلة‭ ‬ألا‭ ‬أحد‭ ‬عدا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬السلوك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الهمجي‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬تقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬ووقف‭ ‬استهداف‭ ‬المراكز‭ ‬الطبية‭.‬

مؤخراً‭ ‬قيل‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬انزعاج‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬بغزة،‭ ‬وعدم‭ ‬الإصغاء‭ ‬للطلبات‭ ‬الأميركية‭ ‬بشأن‭ ‬ضبط‭ ‬القصف‭ ‬الهستيري‭ ‬ومحاولة‭ ‬تجنب‭ ‬المدنيين،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬له‭ ‬أبعاد‭ ‬دعائية‭ ‬تتعلق‭ ‬بتهدئة‭ ‬الناخب‭ ‬الأمريكي‭ ‬المُصوّت‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬وواشنطن‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬مراضاة‭ ‬اللوبي‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬أدوات‭ ‬قوية‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭.‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدأت‭ ‬تتململ‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬مهمة‭ ‬هناك،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تجد‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يحن‭ ‬بعد‭ ‬للضغط‭ ‬بشأن‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬الدولية‭ ‬المستحية‭ ‬و«الناعمة‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬دعوة‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتجنب‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬وكذلك‭ ‬تجنب‭ ‬استهداف‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي،‭ ‬ستواصل‭ ‬الأخيرة‭ ‬منع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقهم‭ ‬المشروعة‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬العلاج‭.‬

كل‭ ‬المشاهد‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬وقصص‭ ‬المستشفيات‭ ‬وافتقارها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الخدمات‭ ‬الضرورية‭ ‬وغير‭ ‬الضرورية‭ ‬لم‭ ‬تحرّك‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬ضميرها‭ ‬الإنساني،‭ ‬وفضّلت‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬مصالحها‭ ‬الضيقة‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا