يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
فصول مسرحية سمجة
كتبت قبل أيام أن لعبة كبرى تجري بين إيران وأمريكا في الوقت الحاضر ظاهرها التصعيد وجوهرها غير هذا تماما وأن أغلب فصول هذه اللعبة تجري سرا وعبر وسطاء وليس في العلن.
التطورات في الأيام القليلة الماضية تؤكد هذا.
الذي حدث كما نعلم أن جماعة أو مليشيا تابعة لإيران هاجمت قاعدة عسكرية أمريكية على الحدود الأردنية السورية وقتلت وأصابت عددا من الجنود الأمريكيين.
لنتأمل التطورات التي حدثت بعد ذلك.
أعلن المسئولون الأمريكيون أن أمريكا سترد عل هذا الهجوم وأن الرد سيكون حاسما رادعا. وعقدت اجتماعات أمنية وعسكرية على أعلى مستوى لبحث هذا الرد وكيف سيكون.
ترافق هذا مع تأكيدات أمريكية بأن إيران هي التي تقف مباشرة وراء الهجوم، وبأن الطائرة المسيرة التي نفذت الهجوم طائرة إيرانية.
كان من الطبيعي على ضوء هذا أن تتصاعد الدعوات في أمريكا إلى أن يكون الرد على إيران مباشرة، أي يجب استهداف إيران مباشرة، على اعتبار أنها هي المسئولة وأنه من دون هذا لن ترتدع إيران ولن تتوقف الهجمات على القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة.
بعد ذلك أعلن المسئولون الأمريكيون أن الرد على الهجوم سيكون في العراق وسوريا، وأنه سيكون ردا عنيفا قد يستمر أياما، وعلى فترات متقطعة.
ثم وجهت أمريكا الضربات الأخيرة على مواقع في العراق وفي سوريا. بالطبع كانت المليشيات وقد تلقت تحذيرات مسبقة قد استعدت وهرب قادتها وجاءت الضربات محدودة التأثير جدا.
عدد كبير من الساسة وأعضاء الكونجرس والكتاب والمعلقين العسكريين في أمريكا أجمعوا على أن هذه الضربات ضعيفة جدا ولا تأثير لها على قوة المليشيات التابعة لإيران، وأنها مجرد هجمات «رمزية» تعكس تخاذلا أمريكيا في مواجهة إيران واسترضاء لها.
ولأن الكل يعلم أن هذا التقدير صحيح سارع مسئولان أمريكيان وقالا شيئا عجيبا. قالا إن هناك تقريرا للمخابرات الأمريكية قدر أن إيران لا تملك السيطرة على المليشيات التابعة لها بما في ذلك تلك التي قامت بشن الهجوم على القاعدة الأمريكية.
طبعا هذا كلام مضحك مقصود به محاولة تبرير ما فعلته أمريكا وتجنبها اتخاذ أي إجراء ضد إيران مباشرة. الكل يعلم، وأول من يعلم هي المخابرات الأمريكية أن كل المليشيات والقوى العميلة لإيران في المنطقة لا يمكن أن تفعل أي شيء أو تقدم على أي عمل دون الرجوع إلى إيران ودون توجيه وتخطيط منها أصلا.
إذا تأملنا ما يجري على هذا النحو فسوف ندرك أننا إزاء فصول مسرحية سمجة بطلاها إيران وأمريكا.
في الظاهر والعلن يتحدث المسئولون الأمريكيون عن التهديدات الجسيمة التي تمثلها إيران والقوى العميلة لها على المصالح الأمريكية والوجود الأمريكي وعلى دول المنطقة وعن ضرورة ردعها ويهددون ويتوعدون.
وفي الظاهر والعلن يتحدث المسئولون الإيرانيون عن الخطر الأمريكي وعن أن أي ضربات أو إجراءات تتخذها أمريكا سوف تقابل برد عنيف ويهددون بتصعيد وتفجير الأوضاع في المنطقة.
حقيقة الأمر إنه لا الأمريكان صادقون ولا الإيرانيون صادقون.
في الخفاء هناك توافق إيراني أمريكي على التهدئة وعدم التصعيد والعمل على توافقات قد يتم التوصل إليها. وهناك اتصالات تجري بين البلدين لهذا الغرض عبر وسطاء ورسائل يتم تبادلها.
حقيقة الأمر إن إدارة بايدن تنحني أمام إيران.
الدول العربية هي التي تدفع ثمن هذه المسرحية السمجة.
ما تفعله أمريكا عمليًّا هو ترسيخ أقدام إيران في المنطقة العربية وتمكينها أكثر، وتقوية القوى والمليشيات العميلة لإيران وتوحشها أكثر في الدول العربية.
أما مسألة ردع إيران فقد حذفتها إدارة بايدن من قاموسها الاستراتيجي نهائيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك