العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أهمية إنهاء وضعية إفلات إسرائيل من العقاب!

بقلم: د. مصطفى البرغوثي {

الثلاثاء ٠٦ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

رغم‭ ‬التقصير‭ ‬الذي‭ ‬أبدته‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬دعوتها‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ورغم‭ ‬العيب‭ ‬المتضمن‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬ضرورة‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومنهم‭ ‬أطفال‭ ‬قصر،‭ ‬ومختطفون‭ ‬بالآلاف‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬فإن‭ ‬حكم‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬بقبول‭ ‬الدعوى‭ ‬المرفوعة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتهمة‭ ‬بجريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬يمثل‭ ‬تحوّلاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬جرّد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬عاماً،‭ ‬من‭ ‬حصانتها‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وتهربها‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬المساءلة،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭.‬

إذ‭ ‬فقدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تلك‭ ‬الحصانة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجعلها‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬للمساءلة،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صدر‭ ‬حكم‭ ‬استشاري‭ ‬قاطع‭ ‬بعدم‭ ‬شرعية‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬بنته،‭ ‬وعدم‭ ‬شرعية‭ ‬استيطانها‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وعدم‭ ‬شرعية‭ ‬إجراءات‭ ‬الضم‭ ‬والتهويد‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬المحتلة‭.‬

والمفارقة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬أساساً‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬جريمة‭ ‬الهولوكوست‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬النازية‭ ‬الألمانية،‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬تحاكم‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

تحدد‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬أنها‭ ‬قتل‭ ‬أعضاء‭ ‬المجموعة‭ ‬المقصودة‭ (‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭). ‬التسبب‭ ‬في‭ ‬أذى‭ ‬جسدي‭ ‬أو‭ ‬عقلي‭ ‬خطر‭ ‬للمجموعة‭. ‬فرض‭ ‬ظروف‭ ‬معيشية‭ ‬على‭ ‬المجموعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تدميرها‭ ‬الجسدي‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا‭. ‬فرض‭ ‬تدابير‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الولادات‭ ‬داخل‭ ‬المجموعة‭.‬

وقد‭ ‬رفضت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬العليا‭ ‬طلب‭ ‬إسرائيل‭ ‬حذف‭ ‬الدعوى‭ ‬والقضية‭ ‬بحجة‭ ‬عدم‭ ‬الاختصاص،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نزاع‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬الشروط‭ ‬متوفرة‭ ‬بموجب‭ ‬نظامها‭ ‬الأساسي‭ ‬لاستيفاء‭ ‬تدابير‭ ‬مؤقتة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬قرارها‭ ‬النهائي‭ ‬لحماية‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تُطالب‭ ‬بها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬والتي‭ ‬رأت‭ ‬المحكمة‭ ‬أنها‭ ‬معقولة‭ ‬وأن‭ ‬لديها‭ ‬السلطة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬تلك‭ ‬التدابير‭.‬

وأكدت‭ ‬المحكمة‭ ‬أولا‭: ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفقاً‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬اتخاذ‭ ‬جميع‭ ‬التدابير‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬سلطتها‭ ‬لمنع‭ ‬ارتكاب‭ ‬جميع‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬قواتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بارتكاب‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭. ‬ثانيا‭: ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأثر‭ ‬فوري‭ ‬عدم‭ ‬ارتكاب‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬المذكورة‭. ‬ثالثا‭: ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬التدابير‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬سلطتها‭ ‬لمنع‭ ‬ومعاقبة‭ ‬الحث‭ ‬العلني‭ (‬التحريض‭) ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬رابعا‭: ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدابير‭ ‬فورية‭ ‬وفعالة‭ ‬لتمكين‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬والمعونة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬حاجة‭ ‬عاجلة‭ ‬لعلاج‭ ‬أوضاع‭ ‬الحياة‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬خامسا‭: ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدابير‭ ‬فعالة‭ ‬لمنع‭ ‬تدمير‭ ‬الأدلة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بادعاءات‭ ‬أفعال‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬سادسا‭: ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقريراً‭ ‬للمحكمة‭ ‬بكل‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬تاريخه‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬المهمة‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬واحدة‭ ‬قاضية‭ ‬من‭ ‬أوغندا،‭ ‬صوّتوا‭ ‬لصالح‭ ‬القرارات‭ ‬الستة،‭ ‬أما‭ ‬القاضي‭ ‬المكلف‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬فاعترض‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬ووافق‭ ‬على‭ ‬الثالث‭ ‬والرابع‭. ‬وسارعت‭ ‬أوغندا‭ ‬للتنصل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤولية‭ ‬عن‭ ‬تصويت‭ ‬القاضية‭ ‬الأوغندية‭ ‬المعروفة‭ ‬بغرابة‭ ‬أطوارها،‭ ‬وكانت‭ ‬أكثر‭ ‬انحيازاً‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬القاضي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نفسه‭.‬

وإذا‭ ‬تمعنّا‭ ‬في‭ ‬مضمون‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬ومستنداته،‭ ‬والذي‭ ‬أنصح‭ ‬المهتمين‭ ‬بقراءته‭ ‬كاملاً،‭ ‬وعدم‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬التعليقات‭ ‬العابرة،‭ ‬وبعضها‭ ‬جاهل،‭ ‬لأن‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬إدانة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬كبرى‭ ‬الكبائر‭ ‬في‭ ‬العرف‭ ‬الإنساني‭ ‬المعاصر،‭ ‬وهي‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ولأن‭ ‬خلاصته‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تنفذ‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬الستة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وقف‭ ‬شامل‭ ‬وكامل‭ ‬ودائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭. ‬إذ‭ ‬كيف‭ ‬يتوقف‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬عن‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين‭ ‬وعدم‭ ‬إيذائهم‭ ‬جسدياً‭ ‬وعقلياً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬للسكان‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬منازلهم،‭ ‬وترميمها‭ ‬لتوفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬والمعونة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعلاج‭ ‬أوضاع‭ ‬الحياة‭ ‬السلبية‭ ‬لسكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬دون‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭... ‬إذاً،‭ ‬ورغم‭ ‬عدم‭ ‬نطق‭ ‬المحكمة‭ ‬بقرار‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬فإن‭ ‬تنفيذ‭ ‬كل‭ ‬قراراتها‭ ‬مشروط‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬مُلزمة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬بتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬لتنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭.‬

الخطوة‭ ‬الطبيعية‭ ‬التالية‭ ‬لقرار‭ ‬المحكمة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الجزائر،‭ ‬بصفتها‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬بطرح‭ ‬قرار‭ ‬منه‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬شامل‭ ‬ودائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬شرطاً‭ ‬ضرورياً‭ ‬لتنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬قررت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬مجدداً‭ ‬لتعطيل‭ ‬القرار‭ ‬فستُصبح‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬متّهمة‭ ‬بتسهيل‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ولن‭ ‬يمنع‭ ‬هذا‭ ‬الفيتو‭ ‬الجزائر‭ ‬والدول‭ ‬الصديقة‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬مجدداً‭ ‬إلى‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬جديد‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ما‭ ‬قرّرته‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬وما‭ ‬نشأ‭ ‬عنه‭ ‬بكون‭ ‬إسرائيل‭ ‬متهمة‭ ‬بارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬يمثل‭ ‬منطلقاً‭ ‬لتصعيد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬المقاطعة‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬وسحب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حتى‭ ‬تنهي‭ ‬احتلالها‭ ‬ونظامها‭ ‬العنصري‭ ‬ومنظومة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإحلالي‭ ‬التي‭ ‬أنشأتها‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬والمعونة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لسكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وإلزام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بذلك،‭ ‬فرصة‭ ‬واختبار‭ ‬لإرادة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬السبع‭ ‬والخمسين‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬قراراً‭ ‬بكسر‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬أفعال،‭ ‬وإذا‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬تستطيع‭ ‬تنفيذ‭ ‬ما‭ ‬اقترحناه‭ ‬سابقاً‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬قافلة‭ ‬إنسانية‭ ‬تضم‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬دولها‭ ‬تحمل‭ ‬أعلامها،‭ ‬وتدعو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬لمشاركتها‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الحصار‭ ‬غير‭ ‬الشرعي‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬معبر‭ ‬رفح،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭. ‬وفقط،‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬مئات‭ ‬آلاف‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬يومياً‭ ‬بسبب‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والأمراض‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تفتك‭ ‬بهم،‭ ‬وانعدام‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬الأساسية،‭ ‬وتعرضهم‭ ‬لأمراض‭ ‬جديدة‭ ‬بسبب‭ ‬غرق‭ ‬خيامهم‭ ‬الهزيلة‭ ‬وملابسهم‭ ‬وأجسادهم‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬وفيضان‭ ‬شبكات‭ ‬المجاري‭.‬

أسوأ‭ ‬ما‭ ‬تبع‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬الإجراء‭ ‬الشائن،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬مبيتاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬لجذب‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬ولتصعيد‭ ‬الهجمة‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعشر‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬بوقف‭ ‬المساعدات‭ ‬لوكالة‭ ‬الغوث‭ ‬الدولية،‭ ‬وهي‭ ‬الجسم‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬وصول‭ ‬المساعدات‭ ‬الشحيحة‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بحجة‭ ‬اتهامات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬صحتها‭ ‬لبعض‭ ‬موظفي‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث،‭ ‬وهي‭ ‬اتهامات‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬صحيحة،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ ‬الدولية‭ ‬وخدماتها،‭ ‬وضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بإجراء‭ ‬واحد‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقتلها‭ ‬الوحشي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬150‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تقديمهم‭ ‬الخدمات‭ ‬الإنسانية‭.‬

ومثَّل‭ ‬الفعل‭ ‬القبيح‭ ‬بوقف‭ ‬تمويل‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ ‬تعرية‭ ‬إضافية‭ ‬للانحياز‭ ‬الغربي‭ ‬الواسع‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬بشاعة‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها،‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬ظروف‭ ‬معيشة‭ ‬على‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تدميرها‭ ‬كلياً‭ ‬أو‭ ‬جزئياً‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعتبره‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ومن‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التفكير‭ ‬بأن‭ ‬الضغوط‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ ‬الدولية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬النية‭ ‬الخطيرة‭ ‬والقديمة‭ ‬تصفية‭ ‬حقوق‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ووكالة‭ ‬الغوث،‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬أساساً‭ ‬لرعايتهم‭ ‬حتى‭ ‬عودتهم،‭ ‬حسب‭ ‬قرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬194‭.‬

ويصحّ‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬شطر‭ ‬البيت‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬جاوز‭ ‬الظالمون‭ ‬المدى‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬ظلمهم‭ ‬ولا‭ ‬تقاعسهم،‭ ‬ولا‭ ‬انحيازهم‭ ‬العنصري‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ودفاعهم‭ ‬عن‭ ‬عدوانها،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكسر‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتصميمه‭ ‬ونضاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بدّد‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬أوهاماً‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬كثيرين‭ ‬بشأن‭ ‬تبنّي‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬لقيم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وهي‭ ‬أوهام‭ ‬تبخّرت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬على‭ ‬رمال‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬الصامد‭ ‬ببطولة‭ ‬لأبشع‭ ‬جريمة‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭.‬

 

{‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحركة‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا