عندما سمعت برحيل الفنان عبدالله السعداوي الذي تربطني علاقة قديمة به، ترجع إلى أيام الدراسة في السبعينيات، في الصف الأول الثانوي في مدرسة الحورة الثانوية، كما التقيت معه، في مدرسة مدينة عيسى الثانوية، إذ كان يدرس التوجيهي أدبي، وأنا مجاوره في الصف التوجيهي علمي، في عام 70-71، وكان الاستاذ المرحوم محمد عواد مشرف المدرسة، كان السعداوي يدرب بعض أصدقائه على التمثيل، ثم التقيت معه في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان السعداوي له نشاط في مسرح الشارقة الوطني، والمسرح الأهلي التجريبي في دبي، وارتبطنا بصداقة قوية عندما رجع إلى البحرين، وأخذ يمارس نشاطه في المسرح في نادي مدينة عيسى، كما كان يتواصل معنا في نادي توبلي، وكان معنا الأستاذ الفنان سالم الزايد رحمه الله، ويرجع للسعداوي الفضل في اكتشاف المواهب الشبابية سوى في نادي مدينة عيسى أم مسرح الصواري الذي يعد من المؤسسين له، فكان مشجعا للشباب والمسرح بشكل عام، وكنت ألتقي معه كلما أكتب موضوعا في الجريدة عن القراءات المسرحية للنصوص التي تعرض من قبل المسارح المحلية، إذ كنت أقرأ عليه ما كتبته من قراءة عن النص المسرحي، وقد أهداني كتابه (المسرح القلب المشترك للإنسانية)، والذي يعد من أهم مؤلفاته، وعددا من الكتب التي ألفها عن المسرح والإخراج والتمثيل. كان عاشقا ومحبا للمسرح، واسع الاضطلاع في الثقافة المسرحية، كما كان محبا لأصدقائه، ولكل الشباب الذين احتضن مواهبهم المسرحية، ونمى مواهبهم الفنية والأدبية، وقد عرض مسرحية الصديقين في نادي توبلي، والتي اشتهر بها، وأعجب بها السفير الفرنسي، وقد نال العديد من الجوائز في المسرح، وأهم هذه الجوائز هي جائزة أفضل مخرج عن مسرحية الكمامة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، 1994م، إن كتابه (المسرح القلب المشترك للإنسانية) يعد من أهم مؤلفاته، إذ كلما قرأته تحتاج إلى إعادة قراءته، فهو لا يكتب فيه عن تجارب أصدقائه فقط التي كان يعتز بها، كتجربة الحمدان في التأليف والإخراج، وسلمان العريبي، ورضوان، والرويعي، والصفار، وإنما تجد بين أسطره العلاقات الإنسانية التي كان يتميز بها السعداوي عن غيره من المخرجين والمؤلفين والممثلين، فهو شخص تستطيع القول بأنه (عملة نادرة) صعب الحصول عليها. تراه جالسا في الصف الأخير من الصالة، مطأطأ برأسه، الذي لم يضع العقال عليه، وإنما تركه ليرى من بعيد بصلعته المتميزة، ولحيته الداكنة، والتي غلب عليها اللون الأبيض، وشاربه المميز الذي أطلق عنانه، ليدل على تمرده، على الفن التقليدي، السائد، كما تمرد على صالات العرض التقليدية. كان محبا للتراث، وقد وظف الطقوس الدينية، والتراث الحسيني في معظم أعماله، ولعل هذا بدى متجليا في مسرحية الصديقين، واسكوريال، والكمامة، وقد كتبت إحدى المتخصصات في النقد المسرحي، بعد فوز السعداوي، بجائزة، أفضل مخرج مسرحي، في مجلة المسرح المصرية قائلة: أن السعداوي استفاد من تراث عاشوراء إذ وظف ذلك في مسرحيته، بشكل فني رائع. إن القلم ليعجز عن وصفه، وعن الكتابة عنه، فقلما ترى شخصية مسرحية تعشق المسرح مثل شخصيته، كان يعتبر المسرح بيته الثاني، ولا يعرف سواه، وكان مخلصا، ومحبا، وعاشقا له. كما كان محبا لأصدقائه الذين يحبونه أيضا، ويعتبرونه اسطورة المسرح البحريني، لذا نستطيع القول إن السعداوي الأب الروحي للمسرح التجريبي في البحرين والوطن العربي، رحمه الله، وستظل ذكراه خالدة على مر السنين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك