العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مدلولات حادثة الإسراء والمعراج

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬السيدة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬عم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬فقد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الركن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يأوي‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تثبيت‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الطائف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعوتهم‭ ‬للإسلام،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬صده‭.‬

عاد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬ونحسب‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬بضع‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬وفي‭ ‬الليل‭ ‬هجع‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬مضجعه،‭ ‬وكان‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬الطويل‭ ‬‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النوم‭ ‬واليقظة،‭ ‬إذ‭ ‬جاءه‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بالبراق،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬يصعد‭ ‬البراق،‭ ‬فركبا‭ ‬معًا،‭ ‬وانطلقا‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭.‬

وهناك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬وعند‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬ربطا‭ ‬البراق،‭ ‬فدخل‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المسجد‭ ‬وإذ‭ ‬به‭ ‬يعج‭ ‬بجميع‭ ‬الأنبياء‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬ذكرهم‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يذكروا،‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬سيدنا‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬سيدنا‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ونحسب‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬دخول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقدم‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬بإذن‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬نبينا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬ليصلي‭ ‬بالأنبياء‭ ‬إمامًا،‭ ‬فصلى‭ ‬بهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬وبعدما‭ ‬انتهى‭ ‬من‭ ‬الصلاة‭ ‬خرج‭ ‬مع‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬لينطلقا‭ ‬إلى‭ ‬رحلة‭ ‬المعراج،‭ ‬وإلى‭ ‬السماوات‭ ‬العليا‭ ‬وإلى‭ ‬سدرة‭ ‬المنتهى‭.‬

إن‭ ‬حادثة‭ ‬الإسراء‭ ‬والمعراج‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعاد‭ ‬النظر‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬برحلة‭ ‬عادية،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬حدث‭ ‬كبير‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يوازي‭ ‬الهجرة‭ ‬النبوية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأهمية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬رحلة‭ ‬أيضًا‭ ‬مهمة‭ ‬ذات‭ ‬مدلولات‭ ‬عميقة‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتدارسها‭ ‬اليوم‭ ‬بالتحديد‭ ‬وخاصة‭ ‬لما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬وظلم‭ ‬ومحاولة‭ ‬لطمس‭ ‬الهوية‭.‬

لماذا‭ ‬رحلة‭ ‬الإسراء‭ ‬والمعراج؟‭   ‬

رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬يتألم‭ ‬ويعاني،‭ ‬وخلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬تعرض‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الصد‭ ‬والمعاناة‭ ‬والألم،‭ ‬من‭ ‬قومه‭ ‬في‭ ‬قريش‭ ‬وبعد‭ ‬عودة‭ ‬من‭ ‬الطائف،‭ ‬ووفاة‭ ‬السيدة‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬خديجة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬فهي‭ ‬كانت‭ ‬سكنه‭ ‬وهدوءه‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬بصفة‭ ‬يومية،‭ ‬فهي‭ ‬آمنت‭ ‬به‭ ‬وأمِنت‭ ‬له‭ ‬الدار‭ ‬والسكن‭ ‬والحب‭ ‬وكل‭ ‬شيء،‭ ‬فكانت‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬الظلال‭ ‬الوارفة‭ ‬التي‭ ‬يستظل‭ ‬بها‭ ‬عندما‭ ‬تشتد‭ ‬به‭ ‬الأزمات،‭ ‬ولكنها‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى،‭ ‬وكذلك‭ ‬سنده‭ ‬وظهره‭ ‬عمه‭ ‬أبو‭ ‬طالب،‭ ‬فلم‭ ‬يبقى‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬والذين‭ ‬هم‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يسندهم،‭ ‬فكان‭ ‬هو‭ ‬سندهم‭.‬

فكان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬سكينة‭ ‬وهدوء،‭ ‬والارتقاء‭ ‬بنفسيته‭ ‬وإزالة‭ ‬معاناته،‭ ‬فمن‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭.‬

ولقد‭ ‬أوقف‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬نواميس‭ ‬الكون‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذا‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فأخذه‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬سريعة‭ ‬يطوف‭ ‬بها‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬في‭ ‬ثوان،‭ ‬ويقدمه‭ ‬على‭ ‬الأنبياء‭ ‬ليصلي‭ ‬بهم‭ ‬إمامًا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عند‭ ‬سدرة‭ ‬المنتهى‭. ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ ‬أن‭ ‬تجدد‭ ‬طاقة‭ ‬الأمل‭ ‬عند‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وتعيد‭ ‬توازنات‭ ‬نفسه‭ ‬وحياته،‭ ‬وتعلمه‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬البشرية‭ ‬لم‭ ‬تقدرك‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬عظمته‭ ‬وجبروته،‭ ‬وملائكته‭ ‬وجميع‭ ‬الأنبياء‭ ‬يقدرك‭ ‬ويحبك‭ ‬ويواسيك‭ ‬ويقدم‭ ‬لك‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ ‬‭ ‬تحتاجها‭.‬

وكأن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬تحزن‭ ‬يا‭ ‬محمد،‭ ‬فإن‭ ‬فقدت‭ ‬زوجتك‭ ‬ورفيقة‭ ‬دربك‭ ‬وعمك،‭ ‬فأنت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬السماوات‭ ‬مرحبا‭ ‬بك‭ ‬دائمًا‭ ‬أبدًا‭. ‬

وجانب‭ ‬آخر،،

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬كانت‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬والدعوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مقبلة‭ ‬‭ ‬بعلم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬حدث‭ ‬عظيم‭ ‬وهو‭ ‬الهجرة‭ ‬النبوية‭ ‬إلى‭ ‬المدنية‭ ‬المنورة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬تكوين‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتكوين‭ ‬الدولة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬أشداء‭ ‬وأقوياء‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬والروح،‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الضعفاء‭ ‬ممن‭ ‬ادعى‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭.‬

فقد‭ ‬رأينا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬وفي‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يُحدث‭ ‬قريشا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬الخارقة‭ ‬لنواميس‭ ‬الكون‭ ‬لم‭ ‬تستوعبها‭ ‬عقولهم‭ ‬البسيطة،‭ ‬فبدأوا‭ ‬يسخرون‭ ‬من‭ ‬قوله،‭ ‬وحتى‭ ‬وجد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬المنطق‭ ‬الرائج‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬صديق‭ ‬الطفولة‭ ‬والعمر،‭ ‬رفيق‭ ‬الدرب‭ ‬وتوأم‭ ‬الروح‭ ‬والفكر،‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬فقال‭ ‬تلك‭ ‬الجملة‭ ‬المشهورة‭ ‬التي‭ ‬رجت‭ ‬لها‭ ‬أرجاء‭ ‬مكة‭ ‬والكرة‭ ‬الأرضية‭: ‬‮«‬إن‭ ‬كان‭ ‬قال‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬صدق‮»‬‭. ‬وكأن‭ ‬الصديق‭ ‬يقول‭ (‬ليس‭ ‬مهمًا‭ ‬أنه‭ ‬قال‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬المهم‭ (‬من‭ ‬الذي‭ ‬قال‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬محمدًا‭ ‬لا‭ ‬يكذب،‭ ‬فكان‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬رجل‭ ‬بأمة‭ ‬كاملة،‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬سجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬بحروف‭ ‬من‭ ‬نور،‭ ‬فأعاد‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين‭ ‬وعيهم،‭ ‬وأخرس‭ ‬الكافرين‭ ‬وألجمهم‭.‬

لماذا‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬والمسجد‭ ‬الأقصى؟

ببساطة‭ ‬حتى‭ ‬يعطي‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬القدسية‭ ‬المناسبة‭ ‬لهذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬كل‭ ‬مسلم‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الإسراء‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬ربما‭ ‬سيناء،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬ولكنه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬اختار‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬وجعلها‭ ‬أول‭ ‬قبلة‭ ‬يتجه‭ ‬إليها‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬الصلاة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬بمقدوره‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬هي‭ ‬القبلة‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة،‭ ‬ولكنه‭ ‬جعل‭ ‬الصلوات‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬جزءا‭ ‬أصيلا‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬ستتولى‭ ‬قيادة‭ ‬العالم‭.‬

لذلك‭ ‬تعظم‭ ‬بالزيارة،‭ ‬وتقول‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬المراد‭ ‬بالبركة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ (‬الذي‭ ‬باركنا‭ ‬حوله‭) ‬البركة‭ ‬الحسية‭ ‬والمعنوية؛‭ ‬فأما‭ ‬الحسية‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البقاع‭ ‬من‭ ‬الثمار‭ ‬والزروع‭ ‬والأنهار،‭ ‬وأما‭ ‬المعنوية‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬اشتملت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬روحية‭ ‬ودينية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مهبط‭ ‬الصالحين‭ ‬والأنبياء‭ ‬والمرسلين‭ ‬ومسرى‭ ‬خاتم‭ ‬النبيين،‭ ‬وقد‭ ‬دفن‭ ‬حول‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأنبياء‭ ‬والصالحين‭. ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬المساجد‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬تشد‭ ‬إليها‭ ‬الرحال،‭ ‬فعن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تشد‭ ‬الرحال‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مساجد‭: ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬ومسجدي‭ ‬هذا‭ ‬والمسجد‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬العميق‭ ‬فقد‭ ‬غادر‭ ‬الفاروق‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬ولم‭ ‬يغادرها‭ ‬إلا‭ ‬لتسلم‭ ‬مفاتيح‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬فكم‭ ‬مدن‭ ‬فتحت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬لتسلم‭ ‬مفاتيح‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭ ‬إلا‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬لماذا؟‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬قداسة‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين‭.‬

لماذا‭ ‬صلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالأنبياء‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭ ‬إمامًا؟

نحسب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بنفسه‭ ‬وتقدم‭ ‬الصفوف،‭ ‬وإنما‭ ‬قدمه‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وبإذن‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فهنا‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬اجتمع‭ ‬صفوة‭ ‬الخلق،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬سيدنا‭ ‬نوح‭ ‬وإبراهيم‭ ‬وموسى‭ ‬وعيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬أولي‭ ‬العزم‭ ‬من‭ ‬الرسل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬الذين‭ ‬نعرفهم‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬نعرفهم،‭ ‬أحياهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فأوقف‭ ‬وأبطل‭ ‬نواميس‭ ‬الكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬فأتى‭ ‬الأنبياء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬ووقفوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬دخول‭ ‬المصطفى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬من‭ ‬القادم‭ ‬فقد‭ ‬أخبرهم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بذلك،‭ ‬ونحسب‭ ‬أيضًا‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬المسجد‭ ‬ألقى‭ ‬التحية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أنهم‭ ‬يردوا‭ ‬التحية،‭ ‬فأمره‭ ‬جبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬الصفوف‭ ‬ليصلي‭ ‬بالأنبياء‭ ‬إمامًا،‭ ‬صلى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالأنبياء‭ ‬ركعتين،‭ ‬ثم‭ ‬غادر،‭ ‬فغادروا‭.‬

المهم‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬إن‭ ‬صلاة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بالأنبياء‭ ‬يعني‭ ‬لنا‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أنه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬هو‭ ‬إمام‭ ‬المرسلين‭ ‬والبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬تسلم‭ ‬الراية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وراية‭ ‬التوحيد‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأنبياء‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬لقيادة‭ ‬العالم‭ ‬والبشرية‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الساعة‭.‬

ويجب‭ ‬الملاحظة‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لم‭ ‬نرد‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬المختلفة‭ ‬لحادثة‭ ‬الإسراء‭ ‬والمعراج،‭ ‬وبعض‭ ‬التفاصيل‭ ‬الأخرى،‭ ‬فلسنا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يُنظرون‭ ‬للجدل‭ ‬وفتح‭ ‬المساحات‭ ‬للمناقشة‭ ‬الجدلية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬الأحداث‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬شاهدها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬كيفية‭ ‬الصلاة‭ ‬التي‭ ‬أداها‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬ووقتها‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬ولكننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أخذنا‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬الظاهر‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬والروايات،‭ ‬بهدف‭ ‬أن‭ ‬نعمق‭ ‬فهمنا‭ ‬لبعض‭ ‬المدلولات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬وماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعني‭ ‬لنا،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬وأبعادها‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬فنتركها‭ ‬للأخوة‭ ‬المختصين‭.‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا