العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. والدعوة إلى الإصلاح!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬تعالى‭: (‬ادع‭ ‬إلى‭ ‬سبيل‭ ‬ربك‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬وجادلهم‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬إن‭ ‬ربك‭ ‬هو‭ ‬أعلم‭ ‬بمن‭ ‬ضل‭ ‬عن‭ ‬سبيله‭ ‬وهو‭ ‬أعلم‭ ‬بالمهتدين‭) (‬النحل‭ / ‬125‭). ‬

إذًا،‭ ‬فهذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬تؤسس‭ ‬لمنهج‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬بصيرة،‭ ‬ومن‭ ‬أعمدة‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬وأسسها‭ ‬المكينة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسس،‭ ‬وهي‭: ‬الحكمة،‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة،‭ ‬والمجادلة‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن،‭ ‬وأول‭ ‬هذه‭ ‬الأسس‭: ‬الحكمة‭ ‬فًي‭ ‬اختيار‭ ‬أساليب‭ ‬الدعوة‭ ‬الراشدة‭ ‬التي‭ ‬تختار‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأساليب‭ ‬أحكمها،‭ ‬وتضعها‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب،‭ ‬والنسق‭ ‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬للدعوة‭ ‬نجاحها،‭ ‬ويهيئ‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬ترجوه‭ ‬من‭ ‬تحقق‭ ‬مرادها‭.‬

أما‭ ‬الأساس‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فهي‭: ‬الموعظة‭ ‬الحسنة،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬للدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ثمارها‭ ‬اليانعة،‭ ‬وقطوفها‭ ‬الدانية،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬اشتد‭ ‬النزاع،‭ ‬وعلت‭ ‬الأصوات،‭ ‬وكادت‭ ‬الأيدي‭ ‬أن‭ ‬تتشابك،‭ ‬فنحن‭ ‬مأمورين‭ ‬بأن‭ ‬نتجادل‭ ‬لا‭ ‬بالحسن،‭ ‬وإنما‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن،‭ ‬فتهدأ‭ ‬شدة‭ ‬الأصوات،‭ ‬وتنخفض‭ ‬نبراتها،‭ ‬وتهدأ‭ ‬النفوس‭ ‬وتكون‭ ‬مستعدة‭ ‬لتقبل‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬المخالف،‭ ‬فإما‭ ‬قبوله‭ ‬أو‭ ‬رده،‭ ‬فذلك‭ ‬أمر‭ ‬آخر،‭ ‬وتكون‭ ‬المجادلة‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬لا‭ ‬بالحسن‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬حجج‭ ‬الآخر‭ ‬وأدلته‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬الدعوة‭ ‬أو‭ ‬قبولها،‭ ‬ولقد‭ ‬أورد‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجادلات‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المسلم‭ ‬الداعية‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬أفضلها‭ ‬وأكثرها‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الإقناع‭.. ‬فقد‭ ‬جرى‭ ‬حوارٌ‭ ‬بين‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬والملائكة‭ ‬حول‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭ ‬وجعله‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وكان‭ ‬جدال‭ ‬الملائكة‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬حول‭ ‬نشأة‭ ‬الإنسان‭ (‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬واختياره‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬الجدال‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فما‭ ‬بالكم‭ ‬مع‭ ‬المخلوقات‭ ‬الأخرى‭ ‬والله‭ ‬تعالى،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬جائزًا‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬فيه،‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬لا‭ ‬حرج‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حوارٌ‭ ‬وجدالٌ‭ ‬بين‭ ‬المختلفين‭ ‬في‭ ‬النشأة‭ ‬والتكوين‭ ‬والغاية،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬ربك‭ ‬للملائكة‭ ‬إني‭ ‬جاعل‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬خليفة‭ ‬قالوا‭ ‬أتجعل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يفسد‭ ‬فيها‭ ‬ويسفك‭ ‬الدماء‭ ‬ونحن‭ ‬نسبح‭ ‬بحمدك‭ ‬ونقدس‭ ‬لك‭ ‬قال‭ ‬إني‭ ‬أعلم‭ ‬مالا‭ ‬تعلمون‭) (‬البقرة‭ / ‬30‭)‬،‭ ‬ولَم‭ ‬يمنع‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬ملائكته‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬والجدال‭ ‬معه،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لكنه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لم‭ ‬يصادر‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬السؤال‭ ‬والاستفسار،‭ ‬وربما‭ ‬الجدال‭ ‬معه،‭ ‬لكنه‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬بَيَّن‭ ‬لهم‭ ‬وبالدليل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬سبحانه‭ ‬يعلم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعلمون،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وعلم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬ثم‭ ‬عرضهم‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬فقال‭ ‬أنبئوني‭ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬صادقين‭ (‬31‭) ‬قالوا‭ ‬سبحانك‭ ‬لا‭ ‬علم‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬علمتنا‭ ‬إنك‭ ‬أنت‭ ‬العليم‭ ‬الحكيم‭ (‬32‭ )) ‬البقرة‭. ‬

ولم‭ ‬يستخدم‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬سلطاته‭ ‬العليا،‭ ‬فيمنع‭ ‬الملائكة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يسألوا،‭ ‬ويشبعوا‭ ‬نهمهم‭ ‬إلى‭ ‬المعرفة،‭ ‬بل‭ ‬سمح‭ ‬لهم‭ ‬بالسؤال،‭ ‬ومعرفة‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬خلق‭ ‬الإنسان‭. ‬

وها‭ ‬هو‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬يجيز‭ ‬للمرأة‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬شكايتها‭ ‬إليه‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬حين‭ ‬طلقها‭ ‬زوجها‭ ‬طلاقًا‭ ‬بائنًا،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬أنت‭ ‬عليَّ‭ ‬كظهر‭ ‬أمي‭!: ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬قد‭ ‬سمع‭ ‬الله‭ ‬قول‭ ‬التي‭ ‬تجادلك‭ ‬في‭ ‬زوجها‭ ‬وتشتكي‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬يسمع‭ ‬تحاوركما‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬سميع‭ ‬بصير‭) (‬المجادلة‭ / ‬1‭)‬،‭ ‬ولقد‭ ‬حكم‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬لصالح‭ ‬المرأة‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: (‬والذين‭ ‬يظاهرون‭ ‬من‭ ‬نسائهم‭ ‬ثم‭ ‬يعودون‭ ‬لما‭ ‬قالوا‭ ‬فتحرير‭ ‬رقبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتماسا‭ ‬ذلكم‭ ‬توعظون‭ ‬به‭ ‬والله‭ ‬بما‭ ‬تعملون‭ ‬خبير‭ (‬3‭) ‬فمن‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬فصيام‭ ‬شهرين‭ ‬متتابعين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتماسا‭ ‬فمن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬فإطعام‭ ‬ستين‭ ‬مسكينًا‭ ‬ذلك‭ ‬لتؤمنوا‭ ‬بالله‭ ‬ورسوله‭ ‬وتلك‭ ‬حدود‭ ‬الله‭ ‬وللكافرين‭ ‬عذاب‭ ‬أليم‭ (‬4‭ )) ‬سورة‭ ‬المجادلة‭. ‬

لقد‭ ‬أسس‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬بينه‭ ‬سبحانه‭ ‬وبين‭ ‬ملائكته‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬ومجادلة‭ ‬ركنًا‭ ‬شامخًا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬لغة‭ ‬الحوار‭ ‬

بين‭ ‬المختلفين،‭ ‬ولهذا‭ ‬فحين‭ ‬يختار‭ ‬الإنسان‭ ‬المستبد‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لغة‭ ‬القوة‭ ‬والجبروت‭ ‬والاستعلاء،‭ ‬فيكمم‭ ‬الأفواه،‭ ‬بل‭ ‬ويقطع‭ ‬الألسنة‭ ‬فلا‭ ‬يسمع‭ ‬إلا‭ ‬صوته،‭ ‬ولا‭ ‬يعطي‭ ‬المظلوم‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬والإدلاء‭ ‬بحججه‭ ‬وبراهينه‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬أنقذته‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الطغاة‭ ‬من‭ ‬البشر‭.‬

لقد‭ ‬ضمن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للشيطان‭ ‬أن‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬وينقذها‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الشيطان‭ ‬يتمتع‭ ‬بكامل‭ ‬حريته‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الإنسان،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وقال‭ ‬الشيطان‭ ‬لما‭ ‬قضي‭ ‬الأمر‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬وعدكم‭ ‬وعد‭ ‬الحق‭ ‬ووعدتكم‭ ‬فأخلفتكم‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬دعوتكم‭ ‬فاستجبتم‭ ‬لي‭ ‬فلا‭ ‬تلوموني‭ ‬ولوموا‭ ‬أنفسكم‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬بمصرخكم‭ ‬وما‭ ‬أنتم‭ ‬بمصرخي‭ ‬إني‭ ‬كفرت‭ ‬بما‭ ‬أشركتمون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إن‭ ‬الظالمين‭ ‬لهم‭ ‬عذاب‭ ‬أليم‭) ‬إبراهيم‭ / ‬22‭.‬

إذًا،‭ ‬فعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬ما‭ ‬كسبت‭ ‬يداه،‭ ‬واجترحته‭ ‬نفسه‭ ‬الأمَّارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬ونفسه‭ ‬الفاجرة،‭ ‬ولَم‭ ‬يكن‭ ‬للشيطان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أشار‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬إلى‭ ‬المعصية،‭ ‬فانطلق‭ ‬في‭ ‬إثرها‭ ‬الإنسان‭ ‬ليشبع‭ ‬نهمه‭ ‬وشهوته‭ ‬إلى‭ ‬المعصية،‭ ‬والعصاة‭ ‬المسرفون‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬يقرأون‭ ‬اعترافات‭ ‬الشيطان‭ ‬في‭ ‬وحي‭ ‬يتلى‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭: (‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الباطل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬تنزيل‭ ‬من‭ ‬حكيم‭ ‬حميد‭) (‬فصلت‭ / ‬42‭) ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يرعوي،‭ ‬ولا‭ ‬يرتدع‭ ‬ويؤجل‭ ‬التوبة‭ ‬حينًا‭ ‬بعد‭ ‬حين،‭ ‬فمتى‭ ‬ينوب،‭ ‬ومتى‭ ‬يؤوب؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا